آيات قرآنية عن الموت (ح 74) (وكلمهم الموتى)

الدكتور فاضل حسن شريف

هذه الحلقات هدية الى روح السيدة فيروز صادق فيلي رحمها الله وأسكنها فسيح جناته زوجــــة السيد أنور عبد الرحمن رئيس تحرير صحيفة صوت العراق.

عن تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله عز وجل “وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَّا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ” (الأنعام 111) “ولو أننا نزَّلنا إليهم الملائكة وكملهم الموتى” كما اقترحوا “وحشرنا” جمعنا “عليهم كل شيء قبلا” بضمتين جمع قبيل أي فوجا فوجا وبكسر القاف وفتح الياء أي معاينة فشهدوا بصدقك “ما كانوا ليؤمنوا” لما سبق في علم الله “إلا” لكن “أن يشاء الله” إيمانهم فيؤمنوا “ولكن أكثرهم يجهلون” ذلك.

وعن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله عز وجل “وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَّا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ” ﴿الأنعام 111﴾ بين سبحانه حالهم في عنادهم، وترددهم في طغيانهم، وكفرهم، فقال: “ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة” حتى يروهم عيانا، يشهدون لنبينا بالرسالة “وكلمهم الموتى” أي: وأحيينا الموتى حتى كلموهم بالتوحيد، وشهدوا لمحمد بالرسالة “وحشرنا” أي: جمعنا “عليهم كل شيء” أي: كل آية. وقيل: كل ما سألوه “قبلا” أي: معاينة ومقابلة حتى يواجهوها، عن ابن عباس، وقتادة. ومعناه أنهم من شدة عنادهم، وتركهم الانقياد والإذعان للحق، يشكون في المشاهدات التي لا يشك فيها، ومثله قوله “وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم” وقبلا أي: قبيلا قبيلا يعني جماعة جماعة، عن مجاهد. هذا إذا حملت “قبلا” على جمع القبيل الذي هو الصنف، وإنما كانت تبهر هذه الآية، لأنه ليس في العرف أن يجتمع جميع الأشياء وتنحشر إلى موضع. وقيل: كفلاء عن الفراء. وهذا الوجه فيه بعد لأنهم إذا لم يؤمنوا عند إنزال الملائكة إليهم، وكلام الموتى، فأن لا يؤمنوا بالكفالة أجدر، إلا أن يكون المراد حشر كل شيء وفي الأشياء المحشورة ما لا ينطق، فإذا نطق بالكفالة ما لا ينطق، كان خارقا للعادة. “ما كانوا ليؤمنوا” عند هذه الآيات “إلا أن يشاء الله” أن يجبرهم على الإيمان، عن الحسن، وهو المروي عن أهل البيت عليهم السلام. والمعنى انهم قط لا يؤمنون مختارين إلا أن يكرهوا “ولكن أكثرهم يجهلون” أن الله قادر على ذلك. وقيل: معناه يجهلون أنهم لو أوتوا بكل آية ما آمنوا طوعا. وقيل: معناه يجهلون مواضع المصلحة، فيطلبون ما لا فائدة فيه. وفي الآية دلالة على أن الله سبحانه، لو علم أنه إذا فعل ما اقترحوه من الآيات آمنوا، لفعل ذلك، ولكان ذلك من الواجب في حكمته، لأنه لو لم يجب ذلك، لم يكن لتعليله بأنه لم يظهر هذه الآيات لعلمه بأنه لو فعلها لم يؤمنوا معنى. وفيها أيضا دلالة على أن إرادته محدثة، لأن الاستثناء يدل على ذلك، إذ لو كانت قديمة، لم يجز هذا الاستثناء، ولم يصح كما كان لا يصح لو قال ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يعلم الله، وإلا أن يقدر الله لحصول هاتين الصفتين فيما لم يزل. ومتى قيل: فلم لا يقال إنهم لم يؤمنوا لأنه سبحانه يعلم أنه لم يشأ؟ فالقول فيه: إنه لو كان كذلك، لكان وقوع الإيمان منهم موقوفا على المشيئة، سواء كانت الآيات، أم لم تكن، وفي هذا إبطال للآيات.

جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله عز وجل “وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَّا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ” ﴿الأنعام 111﴾ قوله تعالى: “وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى” إلى آخر الآية بيان آخر لقوله: “إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ” وأن قولهم: “لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها” دعوى كاذبة أجرأهم عليها جهلهم بمقام ربهم فليس في وسع الآيات التي يظنون أنها أسباب مستقلة في إيجاد الإيمان في قلوبهم وإقدارهم على التلبس به أن تودع في نفوسهم الإيمان إلا بمشية الله. فهذا السياق يدل على أن في الكلام حذفا وإيجازا، والمعنى: ولو أننا أجبناهم في مسألتهم وآتيناهم أعاجيب الآيات فنزلنا إليهم الملائكة فعاينوهم، وأحيينا لهم الموتى فواجهوهم وكلموهم وأخبروهم بصدق ما يدعون إليه، وحشرنا وجمعنا عليهم كل شيء قبيلا قبيلا وصنفا صنفا، أو حشرنا عليهم كل شيء قبلا ومواجهة فشهدوا لهم بلسان الحال أو القال، ما كانوا ليؤمنوا ولم يؤثر شيء من ذلك في استجابتهم للإيمان إلا أن يشاء الله إيمانهم. فلا يتم لهم الإيمان بشيء من الأسباب والعلل إلا بمشية الله فإن النظام الكوني على عرضه العريض وإن كان يجري على طبق حكم السببية وقانون العلية العام غير أن العلل والأسباب مفتقرة في أنفسها متدلية إلى ربها غير مستقلة في شيء من شئونها ومقتضياتها فلا يظهر لها حكم إلا بمشية الله ولا يحيى لها رسم إلا بإذنه. غير أن المشركين أكثرهم ـ ولعلهم غير العلماء الباغين منهم ـ يجهلون مقام ربهم ويتعلقون بالأسباب على أنها مستقلة في نفسها مستغنية عن ربها فيظنون أن لو أتاهم سبب الإيمان ـ وهو الآية المقترحة ـ آمنوا واتبعوا الحق وقد اختلط عليهم الأمر بجهلهم فأخذوا هذه الأسباب الناقصة المفتقرة إلى مشية الله أسبابا مستقلة تامة مستغنية عنه.

قال الله تبارك وتعالى “وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ” (الأنعام 111) عن الامام ابي حسن الواحدي في اسباب نزول القران تحقيق كمال زغلول أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأُمَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: كَلَّمَتْ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قُرَيْشٌ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ (إِنَّكَ) تُخْبِرُنَا أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَتْ مَعَهُ عَصًا ضَرَبَ بِهَا الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا، وَأَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى، وَأَنَّ ثَمُودَ كَانَتْ لهم ناقة، فائتنا بِبَعْضِ تِلْكَ الْآيَاتِ حَتَّى نُصَدِّقَكَ. فَقَالَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أَيُّ شَيْءٍ تُحِبُّونَ أَنْ آتِيَكُمْ بِهِ؟ فَقَالُوا: تَجْعَلُ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا. قَالَ: فَإِنْ فَعَلْتُ تُصَدِّقُونِي؟ قَالُوا: نَعَمْ، وَاللَّهِ لَئِنْ فَعَلْتَ لنتبعنك أجمعين. فقدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يَدْعُو، فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالَ: إِنْ شِئْتَ أَصْبَحَ الصَّفَا ذَهَبًا، وَلَكِنِّي لَمْ أُرْسِلْ آيَةً فَلَمْ يُصَدَّقْ بِهَا إِلَّا أَنْزَلَتِ الْعَذَابَ، وَإِنْ شِئْتَ تَرَكْتُهُمْ حَتَّى يَتُوبَ تَائِبُهُمْ. فَقَالَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: اتْرُكْهُمْ حَتَّى يَتُوبَ تَائِبُهُمْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: “وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا إِلَى قَوْلِهِ: مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ”

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here