عندما يكون ألمُ ذكرى الحَدَث أشدّ قسوةً ولوعةَ منه يوم حَدَث,

تلكم هي *آلام الخيبة ومنها خيبة آمال شعب*:

د. عبدالحميد العباسي

(1). قبل سنوات طويلة, شاهدت من على محطة ال ب. ب. سي, تحقيفا او بانوراما عن شخصية بريطانية, تاريخية مرموقة. تطوع هذا الشخص في الحرب العالمية الاولى, تلبية لنداء الواجب, كما هي حال ابناء ذاك البلد. أصيب الرجل إصابة بليغة ولكنه شفيَّ منها بعد معاناة. التأم الجُرحُ وزالت الآلام. وبعد سوات, تسنم الرجل منصبا رفيعا يليق بكفاءته وماضيه المُشّرِف, على غِرار ما هو جارٍ في بلد لا يُتجاوَزُ على أحقية أحد. وبعد مدة وبلاء حَسَن, وجد الرجل انه نُحِيَّ عن موقعه, بقرار من مجلس ادارة مؤثرٌ في قراراته مَن لم يحلم البطل, ان سيكونَ مصيرُ أمثالِه رهن إشارةِ نكراتٍ, امثال ذاك. لم يدر بخلده انه قاتل ليتربع على موقع القرار, امثال *ذاك*. عندها عاودته تلك الالام المبرحة التي عاناها بعد اصابته في الحرب, بل كانت أشد وفي نفس مكان الاصابة من جسده. (2). إبان عملي خارج العراق, عاينت مرسضا يرقد في مستشفى حكومي. كان ذلك صباح يوم قارص البرد. شكى لي المريض من انه قضى الليلة السابقة, بطولها في الحمام. تبادر الى ذهني انه يعاني من اسهال, فسألت الممرضة, ان أرى نموذجا من بِراز المريض, لكن المريض اجاب, انه لم يكن يعاني من اسهال وانما قساوة البرد جعلته يلجأ الى الحمّام (اذ من المعروف ان الحمام اكثر دفئاً, لان مواسير المياه الحارة, تمُرُّ عِبرَه). وفهمت عندها ان التدفأة المركزية في المستشفى, كانت تعطلت في الليلة السابقة. واضاف المريض انه لم يشعر بمثل آلام بَرْدِ تلك الليلة, بل ربما فاقت الالام التي احسَّ بها عندما كان في مهمة في منطقة قريبة من القطب المنجمد الشمالي, اثناء الحرب العالمية الثانية (وحسب معلوماتي ان نجاح المهمة التي اشار اليها المريض, كانت حَدِّيةً في مسار تلك الحرب وربما مستقبل البشرية. لا شك, عندي ان المريض كان يعلم أوعَلمَ ذلك, ايضا. كأني بالمرسض يناجي نفسه *ها أنا اعود من مهمة كان شبه مؤكد ألّا اعود مِنها, اعودُ لألوذَ بدورةِ مياهٍ من بردٍ هو اقلُّ شدة وأشد ألماً وأنا بين الاهل في الوطن, اشد ألَمَاً من ذلك الذي قاسيته وانا في الواجب, أُواجه الموتَ في الغُربة. (3). بعد ما يقرب من 43 سنة من الخدمة الفعلية في الدولة (ما يقرب من 15 سنة في الجيش وما يقرب من 30 سنة في التعليم الجامعي. طلبت, بعد *التغير*, طلبت حقوقي التقاعدية. اجاب المسؤلون: *ليس لك خقوق تقاعدية لانك استقلت بدون موافقة, موافقة مَن؟ انا هاجرت (سِرّا) مع مَن هاجر ايام الحُكم (البائدإ) السابق. يبدوا ان جُلَّ الاخوة الجهاديّيِن قد هاجروا *بموافقة* ذلك العهد. وبعد تطوير انظمة التقاعد, مطويرها على مقاس هذا او ذاك, وبعد 11سنة من المتابعة وعدة محامين ومعقبين وبألاعيب شيطانية

قررت * دائرة التقاعد حساب تقاعدي, لكن اضبارة الخدمة في الجيش قد *فقدت* وعليه إرتأت *التقاعد* انها سوف لن تحتسب تلك الخدمة في الجيش (حوالي 15سنة فقط) ويكون الناتج غيرَ كافٍ لغرض منحي راتب تقاعد. لم يعد هذا مهماً لي وأنا في هذا العمر, بيد اني رحت استعرض خدمتي في الجيش, الخدمة التي الغاها موظف – موظفة ممثلاً لاحدى الكُتل, خدمة, على خلاف زملائي قضيت معظمها في مفارز طبية من صحراء صفوان على حدود الكويت في قيض الصيف حيث يغلي الماء في الغلاية داخل الخيمة عند الظهر دون نار. وفي قارص الشتاء في راوندوز حيث يتجمد الماء داخل الخيمة ليلا. وبعد ثورة 14 تموز الخالدة وبعد مخاض عسير اوفدت في بعثة اختصاص وحصل الجيش على اختصاصي في الطب الباطني وامراض القلب, بعد ان استمر الجيش

يوفد اطباءه دون جدوى خلال 40 سنة من عمره وفيما عدا اختصاص عال وكفاءة عالية في الجراحة تمثلت في المرحوم, د. محمد علي الامامام والمرحوم, د. رافد صبحي اديب كان الباقون حملة دبلومات. ومن موقعي, *المتميز إ*ذاك وكمدير القسم الباطني في مستشفى الرشيد العسكري اقترحت وتابعت وحققت (أ) لعالج العسكري المتقاعد في المؤسسات الطبية العسكرية ولم يكن ذلك مسموحا به قبل ذلك وكان على العسكري المتقاعد مراجعة المؤسسات الصحية المدنية مع ما في ذلك من *مشاق* ولم تكن رواتب التقاعد مجزية ختى يراجعوا العيادات الخاصة. كان اول عسكري متقاعد في تاريخ الجيش يعالج غي مؤسسة صحية عسكرية, ادخلته في رعابتي في داخلية الضباط هو العميد (م. ف.ال- ج) حيث قضى اواخر ايامه بعِزٍ واهتمام. (ب) اعتبار امراص القلب ومرض السِلْ الرئوي من جرّاء الخدمة وفي اثنائها( وفي ذلك اضافات الى الراتب التقاعدي) وليس في اثناء الخدمة وليس من جرائها (دون اضافت تقاعدية) كما كان الحال قبلها. (ج) كان المُسَّرحُ من الخدمة العسكرية او المحال على التقاعد, لاسباب صحية يُكتب على هُوية تقاعده او سِجَّله *لايصلح للخدمة* وهذا يحول بينه وبين استلام وظيفة مدنية, فتقرر ان يكتب *لا يصلح للخدمة الخسكرية* فصار بامكانه ان يشغل وظيفة مدنية. لم اتألم كما فعل الآخرَين الذين ذكرتهما, لم اتألم لان موظفا بائساً هو صوت سيده في الكتلة ليس الا, يُسقط خدمتي العسكرية المشرفة, لماذا لا اتألم؟ لاني شاهدت من المواقع التي شغلتها, شاهدت كيف يصير المتغطرسون أذِلّة عندما تنقلب الامور. بقاء الحال من المحال وسيرى الذين ظلموا اي منقلب سينقلبون.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here