سعدي يوسف و صراع التجديد

سعدي يوسف ليس مجرّد شاعرٍ يمكن لك أن تغض النظر عنه بأيةِ حيلة، إنه أحد أعمدة الشعر العراقي بلا منازع.قد يمكن لنا انتقادُ الرجل بشدة او بقسوة و خصوصا إذا اخذنا موقفهِ من بعض الأمور على أنها مواقف مجردةٌ من الأدلة التي يُؤْمِن بها،لكن أن نشتمهُ و نكيلَ لهّ السباب في مواقع الانترنت و الإعلام المؤدلَج فهذا ما لا يقبله منطق و لا يعيهِ عقل. أقولُ : إنّ مشكلةََ الشاعر احيانا تكمن في غربتهِ او ثورتهِ الهائجة،فأنت مثلا إذا قرأتَ عن الشعراء لابد و أن تجد فيهم تلك الصفة المتمردة،هاك المتنبي مثالا.فهذا الشاعر مأخوذ بعظمته و كبريائهِ مولع بالسلطة و يعتقد في ذاته أنه يستحق الأفضل،فإن لم يجده في مكانٍ ما هجره و ارتحل،و الجواهري مثال ثان بارز في العصر الحديث،إنه و رغم وطنيتهِ الواضحة،كان يعتقد بأهمية تسلمه المنصب اللائق بهِ.و القضية هي في النهايةِ قضية آراء واضحة في السياسة و ليس مجرد آراء تنظيرية،و هذا ديدن بعض الشعراء في التعبير عن رفضهم لتلك السياسة.إذ يصبح التلميح هنا فاقدا لأي معنى و أهمية. أعتقد إن ما دفع سعدي يوسف إلى تلك الجرأة في بعض قصائدهِ ك( الفلوجة تنهض ) و ( عيشة بنت الباشا ) و ( اسمه عبدالوهاب ) و ( مصر العروبة عراق العجم) الخ  ليس نيل الشهرة بشكلٍ ضيقٍ،بقدرما هو موقفُ تمرّدٍ يحسب له شخصيا كشاعرٍ يعبّر عمّا يشعر به و لو إفترضنا مسبقاََ إن للشاعر هدف الشهرة لكان طريقه أسهل كما فعل بعض الشعراء المعاصرين له طبعا في التملّق و التزلّف بل و التعبّد لأصحاب السلطة و الاموال،نعم كان يمكنه بكل بساطة أن يقف مع دولٍ معروفة و يجاملها على حساب موقفه. و مبدئيا أنا لستُ معنياََ بالحكم على موقفه البتة،إنه موقف محترمٌ و بالتأكيد لهُ أسبابه المقنعة لدى الشاعر و لكن ما يعنيني كل تلك الضجةِ التي حدثتْ بسبب موقف شخصٍ مبدعٍ له آثاره المعروفة عبّر عنه بشكل سلمي.و أقول إن الرجل شاعر و طبيعة الشاعر احيانا تميل إلى التمرّد و الكبرياء و لنا في تاريخ الشعراء خيرُ دليل و أقوم حُجة ! و أقولُ إنّ أؤلئك الذين شتموا سعدي و دعوا إلى حملات مناهضة ضده،سوف ينساهم التاريخ،و تمحو ذكرهم الأجيال القادمة،قل لي من هؤلاء سوى مجموعةٍ من الهائمين و الفوضويين و المتملقين،إنهم منسيون من الآن بلا أدنى شك ! و أما شاعر كسعدي فأثره باقٍ و شعرهُ باقٍ رغم الهجمة الشرسة التي واجهها.و لَعمري إن مثل هذ الهجمات كانت و لا تزال أمر طبيعيا لكل من خالف و اختلف مع الرؤية السائدة و أصحابها. فحصلَ ما حصل لعلي الوردي إثر نشره كتاب وعاظ السلاطين،و شريعتي إثر آرائه التي جابهت مزاجَ التقليديين من المنتفعين من جهل الناس و قصور نظرهم و نفس الهجمة التي تعرض لها ابو زيد و السيد القمني،ليس لشيء سوى لأنهم عبروا عن حقائق تختلف مع ما يريده التقليديون،و هو دأبهم أمام كل جديد.فلقد حرصوا دوماََ على تكفير و تنكيل كل من يأتي بجديد سواء في الفكر و الأدب و الفلسفة،و ليس بعيدا ذلك الحدث المفجع لفرج فودة و حسين مروة. فماذا فعل هؤلاء الرجال أقول : لم يفعلوا شيء سوى إنهم حاولوا تغيير مفاهيمنا حولَ التراث و قراءة التاريخ و التأويل العلمي للنصوص المقدسة و مقارنة الأديان .إذ إنهم قاوموا للتخلص من فكر التدين الأعمى و التقليد المهلك الذي لم يجعل منا إلا شعوبا تائهة أضاعت حضارتها و أماتت جذوةَ  نهضتها و وأدت محاولات تجديد تراثها،فوصلنا إلى ما وصلنا إليه ! كمال انمار  بابل _العراق