من الذاكرة العراقية طارق حمد العبد الله.. سيرة وذكريات الحلقة الخامسه عشر
من الذاكرة العراقية طارق حمد العبد الله.. سيرة وذكريات الحلقة الخامسه عشر


2016-09-16 02:05:44
تاليف / ليث الحمداني

خلال تلك الفترة حصلتْ موافقة ديوان الرئاسة بنقل أحنف الناصري إلى درجة أدنى في وزارة الصناعات الثقيلة، وكان وزيرها صبحي السامرائي لا يحبه.. وأذكر إنه حين نقل لوزارته قال لطارق حمد: لقد بلوتني ببلوة لن أنساها لك!! وقدم أحنف شكوى لرئيس الجمهورية متهما أطرافا بالإيقاع بينه وبين الوزير حدد منها وليد لقمان مدير مكتبه وأنا شخصيا متهما إيانا بالحصول على امتيازات أكثر مما نستحق كموظفين. وشكلت لجنة تحقيقية من وزير النفط قاسم العريبي و د. محمد الراوي مدير الدائرة الاقتصادية في الرئاسة (وزير التجارة فيما بعد) للتدقيق في الشكوى وممثل عن المخابرات.. وكانت النتيجة أن اللجنة لم تستدعِني شخصيا لأن ما اعتبره امتيازا لا أستحقه كان مسكنا جاهزا تابعا للمنشأة العامة للدخان العراقية، سكنته بموافقات أصولية وبالأجرة القانونية، وهو استحقاق لموظف تزيد خدمته عن 15 عاما حسب النقاط. وكان هناك العشرات من منتسبي الوزارة يسكنون دورا أكبر وأرقى وأفضل منه كما إن استخدامي للسيارة الحكومية ليس امتيازا لأن دوامي كان مفتوحا ليل نهار. أما وليد لقمان فقد استمر التحقيق معه، فيما جاء بشكوى أحنف مدة اسبوع قررت اللجنة بعدها توجيه شكر له من ديوان الرئاسة لأنه يقوم بواجبه بشكل سليم. وإثر ذلك وجه ديوان الرئاسة توبيخا لأحنف الناصري بسبب تقديم شكاوى غير دقيقة.. وقد أكد لي حاتم عبد الرشيد (31) الذي يرتبط بعلاقة صداقة وقرابة وثيقة مع أحنف أن السيدة زوجته كانت وراء الشكوى وأن أحنف كان ميالا إلى معالجة القضية بهدوء، وللأمانة ظل الرجل بعد ذلك بسنوات يحاول ان يصحح خطأه معي (أو هكذا بدا لي)، وحاولت أن أتجاوز ما حصل، فقد كنت أحترم ثقافة الرجل واهتماماته الواسعة، وكنت أعيب عليه دوما اعتماده على أشخاص يستغلون معرفته لتحقيق أغراضهم الشخصية، وهو ما كان يثبت دوما عليه في تقارير ترفع من المؤسسات التي ارتبطت به وبالأسماء والأرقام. وخلال فترة إبعاد أحنف عن الوزارة أبعد طارق صباح كجه جي. ولإبعاد هذا الأخير قصة مختلفة، فقد اتصل محافظ النجف بمكتب الوزير في وقت مبكر من صباح أحد الأيام ليبلغ الوزير أن حريقا واسعا قد شب في معمل سمنت الكوفة وأن المحافظة قد استنفرت كل إمكانياتها لإطفائه، وكذلك ساعدت القطاعات العسكرية المتواجدة في المنطقة في إطفائه وأن رئيس المؤسسة العامة للصناعات الإنشائية، الجهة المسؤولة عن المشروع، متواجد في الموقع منذ ليلة أمس (أي بعد اندلاع الحريق بساعات). وقد أبلغ مدير المكتب الوزير بهذه المعلومات وأبلغ بدوره صباح كجه جي الوكيل الذي كان مسؤولا عن القطاع، وغادر الوزير الوزارة لحضور اجتماع محدد سابقا في مكتب النائب الأول.. وحوالي الساعة الواحدة والنصف اتصل الوزير من الكوفة ليبلغ المكتب بأنه هناك وليسأل عن الوكيل صباح كجه جي الذي لم يكن قد غادر للموقع وإنما كان موجودا في مكتبه.. كانت تلك القضية القشة التي كسرت ظهر البعير فقد فتحت كل ما كان يسميه رؤساء المؤسسات ملف بيروقراطية صباح وبطء إجراءاته.. وكان ما كان فعلا. واقترح طارق حمد العبد الله بداية الأمر على ديوان الرئاسة تعيين وكلاء جدد للوزارة.. كان الأول عامر رشيد العبيدي وكنت أسمع باسمه لأول مرة، وكان مهندسا عسكريا مستشارا في وزارة الدفاع وقد لا يعرف الكثيرون من الذين عملوا في القطاع هذه الحقيقة، ولكنها موجودة في ملفات وزارة الصناعات الخفيفة ووزارة الدفاع بالتاكيد، ولم تحصل الموافقة بسبب تمسك عدنان خيرالله به رغم اتصال الوزير بعدنان بشكل مباشر، والثاني عميد مهندس، كان مديرا للهندسة الآلية العسكرية ولم تحصل الموافقة بشأنه أيضا، مما اضطر طارق إلى بدء البحث عن كادر من الوزارة لهذا الموقع، خاصة أن جهات في لجنة شؤون الشمال كانت تضغط باتجاه تعيين عبد الوهاب الأتروشي وكيلا للوزارة، وكان طارق يرى أن هذا الموقع يجب أن يشغله كادر فني وليس إداريا وأن عبد الوهاب يمكن أن يشغل هذا الموقع كإداري في أي وزارة، وفعلا كان وراء ترشيحه لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية التي عين فيها وكيلا فيما بعد. وأذكر أن الوزير استدعاني مساء أحد الأيام وطلب مني إعداد كتاب للرئاسة وترشيح كل من السيدة باسمة الظاهر والمهندس أحمد عبد الرافع لمناصب الوكلاء وإرفاقه بخلاصة خدماتهما الموجودة في المكتب في ملفات التقويم السنوية التي كانت ترسل للرئاسة، إلا إن الرئاسة لم تجب على الترشيح لا بالرفض ولا بالإيجاب، بل طلبت من الوزارة ترشيح أسماء أخرى. وتم اختيار أسامة عبد الرزاق الهيتي الذي أصبح في السنوات اللاحقة وزيرا للنفط، وهو مهندس عمل في قطاع تنفيذ المشاريع الصناعية منذ بداية السبعينات وكيلا للوزارة، وظلت درجة الوكيل الثاني شاغرة. وكان طارق يفكر بإشغالها من أحد فنيي الوزارة. وأذكر أنه طرح أمامنا اسم حسن محمود يحيى مدير عام السمنت في الموصل وصباح العبيدي رئيس المؤسسة العامة للصناعات النسيجية ثم استبعد الأخير بعد أن رشحه بناء على رغبته لموقع أمين عام مساعد منظمة الخليج للاستشارات الصناعية والذي ظل يشغله حتى اندلاع حرب الخليج وإبعاد العراق عن المنظمة (32) كما تكرر اسم ناجي عزت الجاف. وأذكر إنني قلت له مرة ونحن نسير على أقدامنا في شارع الزيتون مساء أحد الأيام بعد التحاق أسامة بمركزه، وكنت شخصيا قد امتدحته كثيرا أمامه حيث كانت تربطني به علاقة صداقة تمتد لسنوات (33)، لو كان الأمر بيدك من كنت ستعين وكيلا ًثانيا للوزارة؟ أجاب بلا تردد: شكري الحديثي فهو إنسان كفء وأمين ومخلص، ولكن انت تدري ماذا يعني مجرد ترشيحي له!! وحاول أسامة الهيتي منذ تسلمه لموقعه أن ينال بأعماله ثقة الوزير، ولكنه دخل هو الآخر في صراعات مع محمد جاسم العوادي الذي عين رئيسا للمؤسسة العامة للصناعات الإنشائية والذى كان يحظى برعاية الوزير حمد لجديته واندفاعه في العمل، ومع فهمي العشاري الذي كان يقوم بمهامه السابقة رئيسا للمؤسسة العامة للمشاريع الصناعية، وهو مهندس بعثي قديم.. استمرت نشاطات طارق حمد في مختلف منشآت الوزارة واستطاع أن يحقق الكثير من المنجزات إذا ما قيست أعماله بمن سبقه من الوزراء، ولكنه، وللتاريخ، ركز جهوده من أجل تنظيم أوضاع القطاع الخاص. وكان يرفض وباستمرار، إقامة الصناعات الهامشية التي تعتمد بالدرجة الأولى على الاستيراد.. وحاول أن يدعم القطاع المختلط بقدر ما سمحت له الظروف، وحاول أن يدخل صناعات جديدة لهذا القطاع، وكان مؤمنا بدوره وبإمكانية تطويره وإدخاله في مختلف الصناعات. واعتمد في معلوماته لإدارة القطاع على الخبير الدكتور فرهنك جلال والسيدة باسمة الظاهر، وهي موظفة قديمة شغلت عدة مناصب، منها مدير عام المصرف الصناعي. ولا بد من الإشارة هنا إلى أنه استحصل على موافقة من ديوان الرئاسة بعدم منح إجازة تأسيس للقطاع الخاص في صناعات محددة حصرها بالقطاع المختلط، كما إنه استحصل على موافقة مماثلة بعدم منح أي إجازة تأسيس لمشاريع الأملاح أو تعبئة المياه، لأن دوران رأسمالها سريع جدا، وبإمكان القطاع الاشتراكي، كما كان يكرر، الاستفادة من هذه الخاصية لمعالجة بعض خسائره في صناعات أخرى، جراء التزامه بسياسات سعرية تحددها الدولة، كصناعة الألبان والزيوت مثلا. ولم يكن النائب الأول طه ياسين رمضان المسؤول عن القطاع الصناعي راضيا عن بعض هذه الإجراءات، وكنت ألمس عدم ميله (أي النائب) لتجربة القطاع المختلط من الأساس.
المشرق
من الذاكرة العراقية طارق حمد العبدالله.. سيرة وذكريات الحلقة الرابعة عشر



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google