لا تصالح بين الدين والسياسة!!

الأديان عقائد والسياسات مصالح , ولا يمكن أن تتطابق العقائد مع المصالح , لأن العقائد صلبة والسياسات مرنة , والعقائد ذات طريق واحد وسلوك راسخ , والمصالح ذات سبل متعددة ومتنوعة , والدين واحد متكرر والسياسة متعدد متوافق ومتنافر , والفرق بين الدين والسياسة كالفرق بين الأرض والسماء , فهل يمكنهما أن ينطبقا على بعضهما؟!!
فالواقع البشري بسلوكياته المتواصلة عبر العصور يؤكد هذه الرؤية ويبرهنها بالأدلة المتراكمة , ففي حالة الإسلام نرى هذا التصارع والتنافر قد بدأ منذ أن بدأت السياسة تفرض نفسها على أصحاب القرار , وحتى في زمن النبي الكريم في المدينة بدأت التناقضات تظهر , وتسيّدت بوضوح ساطع في زمن الخلفاء الراشدين , وإنتهت إلى ما آلت إليه من تداعيات معروفة ومؤلمة , ثم إستمرت في الزمن الأموي والعباسي وما بعدهما .
والحالة لا تنطبق على دين واحد بل تشمل كافة الأديان , فما جرى في أوربا ومجتمعاتها تدين بدين واحد يشير إلى ذلك أيضا , فالحروب الطويلة والمهلكة التي دارت في القارة الأوربية وعلى مدى قرون , لتؤكد بأن الدين والسياسة لا يمكنهما أن يكونا في طبق واحد مهما توهم البشر , فما حصل في زمن حكم الكنيسة لأفظع وأوحش تفاعلات أُريد بواسطتها الحكم بالدين.
وبسبب ذلك هجر الأوربيون قارتهم وإستوطنوا العالم الجديد وأسسوا فيه حياة لا علاقة للأديان فيها بالسياسة , وأنها من حقوق الفرد ولا يجوز للفرد أن يفرض معتقده على فرد آخر , وإنما حرية الإعتقاد مكفولة بمواد دستورية ومحمية بقوانين وضعية , ووفقا لذلك تم صناعة أقوى المجتمعات في تأريخ البشرية , وصارت جميع الأجناس البشرية تعيش بأمن وسلام وقدرة على العطاء الأصيل والإبداع , وتدوير عجلات التقدم الرقاء الحضاري المتميز.
وما يجري في الواقع العربي , أن هناك جهات متعددة لها مصالح في بث أوهام الحكم بالدين , والترويج لأفكار لا يمكنها أن تعيش في عصر تنويري متدفق الإبداعات والمعارف والعلوم والإبتكارت , التي تسعى لإحداث متغيرات متسارعة في الحياة.
ووفقا لهذا المنهج البالي فأنها تساهم في دفع المجتمع إلى تداعيات مدمرة وتوجهات مغرضة تخدم مصالح أعداء الأمة والدين , وتتفاعل بقدرات الآخرين للنيل من أهل الدين , ولا بد من وعي العلاقة الحساسة ما بين الدين والسياسة , إنها علاقة طلاق بالثلاث , ولا تصالح ما بين الدين والسياسة مهما توهمنا , لكن الدين قد يساهم في إضفاء صبغة أخلاقية وقيمية على السلوك البشري في المجتمع , مما يساهم في الأمن والإستقرار , أما أن يجلس الدين على الكرسي , فأن الطامة الكبرى ستحل بالمجتمع المنكوب بدينه.
وما الأحزاب التي تسمي نفسها دينية إلا جوهر النوازل والدمارات الحاصلة في بعض المجتمعات , التي أذعنت لأصحاب العمائم واللحى والطرر والمُرائين المُقنعين بدين , وما دينهم إلا هواهم أجمعين!!
فهل من تبصّر يا أمة الأنين؟!!
د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here