خانقاه بيارة.. أكبر مدرسة للتصوف في كردستان

هونر حمه رشيد

تعد مدرسة “خانقاه بيارة” اقدم واكبر مدرسة للمتصوفين في إقليم كردستان وهي تستقطب الناس من جميع الاعمار إذ يفدها الدارسون من مناطق مختلفة.

كان ميران محمد البالغ عشرة أعوام فقط يتمشى في باحة جامع بيارة في انتظار إقامة المؤذن الصلاة لينضم إلى صف المصلين ويؤدي صلاة الجمعة جماعةً.

ميران ذو الجسم النحيل كان يبدو على وجهه الأرق وفي حديثه الملل وفي نظراته الجوع، كان ينظر بن الحين والآخر إلى الغرفة التي يتم إعداد الطعام فيها، وقد انضم الصبي الى خانقاه بيارة بهدف إتمام الدراسة الدينية أملاً في أن يصبح “إماماً وخطيباً” في المستقبل.

الصغير هو مثال لعشرات الأطفال والمراهقين وشباب آخرين ممن جاؤوا من مناطق إقليم كردستان الأخرى للدراسة في خانقاه بيارة التي يعود تاريخ نشأتها إلى 132عاماً ومنذ ذلك الحين لم يطرأ عليها تغيير، وتم إنشاء خانقاه بيارة “الشريفة” في ناحية بيارة في منطقة هورامان (شمال شرقي حلبجة) على يد الشيخ عمر ضياء الدين عام 1885.

الخانقاه هي المقر الرئيسي للطريقة النقشبندية في إقليم كردستان -النقشبندية أو النقشية أو النخشية، هي طريقة أساسية من طرق التصوف الإسلامي- ويروي شيوخ الطريقة ان الخانقاه قد بنيت على أساس حلم للشيخ عمر ضياء الدين.

إذ يقال إن الشيخ عمر اتجه إلى كربلاء لزيارة مرقد الإمام الحسين ورأى هناك في منامه نبي الإسلام الذي سلمه طفلاً رضيعاً مريضاً وطلب منه معالجته.

ويروي تابعو الطريقة أن الشيخ عمر فسر الحلم بعد عودته على أن الطفل الصغير يمثل العلوم الإسلامية وطلب منه النبي إحياءها فبنى الخانقاه.

بعد رحيل الشيخ عمر ضياء الدين مارس أبناؤه وأحفاده (الشيخ محمد بهاء الدين، الشيخ علاء الدين، الشيخ نجم الدين والشيخ سراج الدين الثاني) المشايخية واستمروا عليها، وقد جاء الدور الآن على الشيخ مادح وهو ابن الشيخ عثمان ولا يزال على قيد الحياة ويشرف على الخانقاه بشكل عام.

فاخر محمد شقلاوائي المشرف على مدرسة خانقاه بيارة قال لـ”نقاش”: انه “كان للخانقاه مهمتان عبر التاريخ، الأولى هي المهمة الدينية وتعليم العلوم الإسلامية أما الثانية فهي خدمة الفقراء الذين يقصدون الخانقاه للاستراحة وتناول الطعام”.

لدى خانقاه بيارة الآن (121) طالبا يدرسون العلوم الإسلامية يدعون بـ”الفقيه” وأعمارهم تتراوح بين (10-35) عاما وبينهم طلاب من جميع أنحاء إقليم كردستان وحتى إيران وتركيا وسوريا أيضاً.

ويتفاوت مستوى التحصيل العلمي بين الـفقهاء فبينهم من لا يجدون القراءة والكتابة وكذلك بينهم من أتم البكالوريوس والماجستير ويتلقون جميعا العلوم نفسها ووفق القانون نفسه ويجب عليهم إتمام مستويات الدراسة على مراحل.

فاخر شقلاوائي الذي يعمل في الخانقاه منذ (22) عاما، يقول أيضاً: “ندرس الفقهاء هنا نوعا واحدا من الدراسة وعدة علوم مختلفة وبعد إنهاء العلوم يحصل الفقيه على الإجازة ويمكنه ان يصبح إماما وخطيبا ومنذ اعوام عديدة ونحن نقوم بتنشئة الفقهاء بهذه الطريقة التعليمية”.

العلوم التي يتم إلقاؤها خلال فترة الدراسة في خانقاه بيارة هي”القرآن، علم التجويد وعلم الصرف” بالإضافة الى علوم أخرى يصل عددها إلى 12 علما وجميعها علوم إسلامية حيث لابد للفقيه ان ينهي دراستها في فترة غير محددة وسيتم الانتهاء من دراسته حسب تعلمه وبالتالي يحصل على الإجازة.

شروط القبول في الخانقاه هي فقط الالتزام بتعليماتها المتبعة منذ سنين ومن أهمها البقاء داخل الخانقاه والابتعاد عن الوسائل التي تستعمل يوميا ولاسيما الوسائل التكنولوجية كالهاتف المحمول والانترنيت والتلفزيون الى آخره.

المشرف على مدرسة بيارة شدد على أنهم يأخذون الهواتف المحمولة والأدوات التكنولوجية الأخرى من الفقهاء ولا يمكنهم استخدامها خلال تواجدهم داخل حرم الخانقاه “إلا في الحالات الضرورية”.

وعزا فاخر شقلاوائي السبب وراء ذلك إلى أنهم لا يريدون أن يشغل الفقهاء أنفسهم بأشياء هامشية ودنيوية.

وكان ميران محمد كما يقول من الفقهاء الذين انضموا منذ أشهر الى الخناقاه من بلدة وارماوا -مدينة تابعة لقضاء دربنديخان واقعة في جنوب شرقي السليمانية- وذلك برغبة من والده.

ويضيف ميران: “لم اعد إلى البيت منذ ثلاثين يوما ولم اجر أي اتصال بأهلي خلال تلك المدة”.

وحول السبب وراء عدم دراسة أية علوم أخرى غير العلوم الإسلامية في خانقاه بيارة قال فاخر شقلاوائي: “عملنا كثيرا من اجل إضافة درسي الكومبيوتر واللغة الانكليزية الى المنهج الدراسي مستقبلا ولكن واجهتنا مجموعة من المشكلات نحن بصدد معالجتها الآن”.

وقد قسمت الدراسة في حانقاه بيارة إلى مرحلتين وهما “السخطة والمستعدة” فالأولى تتكون من ثلاث مراحل، اما الثانية فهي وصول الفقيه الى مرحلة نيل الإجازة وتنتهي المرحلتان بشكل تقريبي خلال (7-5) وإذا كان الطالب يحمل شهادة بكالوريوس فسيطرأ تغييرات على مراحل دراسته الأخرى.

ولدى الخانقاه خمسة معلمين أساسيين يدرسون مجموعة من الفقهاء في مرحلة “المستعدة” وبعد ذلك يقوم “المستعدة” حسب مستوى ذكائهم وتعلمهم العلوم بإلقاء الدروس على “السخطة”.

بهرام احمد وهو احد الفقهاء الآخرين الذي يدرس في الخانقاه منذ سنوات قال لـ”نقاش”: حول اختياره المدرسة “أتيت من مدينة قلعة دزة -134 كم شرقي السليمانية- للدراسة لأنني ارغب في تعلم العلوم الإسلامية”.

ومع موافقته على العلوم التي يدرسونها في خانقاه بيارة إلا انه لم يخف ان هناك مجموعة من العلوم الاخرى لابد ان تدرس ليتم تصديق شهاداتهم في المستقبل.

لا تصدق وزارة التربية في إقليم كردستان وحتى المؤسسات التربوية العراقية “إجازة الملا” ولا تتعامل معها كشهادة معترفة ولم تعط اية حجج حول عدم المصادقة عليها كما يقول فاخر شقلاوائي.

وأضاف “كانت الشهادات والإجازات التي نمنحها للطلبة معترفاً بها من قبل جامعة الأزهر المصرية إبان حكم النظام العراقي السابق ولاسيما خلال الثمانينات من القرن الماضي”.

جانب آخر مثير للاهتمام في خانقاه بيارة هو تواجد مراقد جميع شيوخ الطريقة داخل المسجد عدا مرقد الشيخ عثمان سراج الدين -الذي يقع في مدينة اسطنبول في تركيا- ويزور الخانقاه المئات من الأشخاص يومياً بعضهم بهدف المشاهدة فقط والبعض الآخر يقصدونها كموقع ديني مقدس.

المراقد المقدسة باتت مصدر دخل جيد للخانقاه وذلك لقيام الزائرين بوضع مبلغ من المال فيها كتقليد ديني، وتضم الخانقاه أماكن للإقامة والنوم كما تم تأمين الطعام لجميع الفقهاء، ويزور الخانقاه مئات الأشخاص يوميا ويتناولون الطعام مع الفقهاء من الطعام الذي يعد هناك في ثلاث وجبات.

الملا ياسين هو احد المشرفين الآخرين على خانقاه بيارة قال لـ”نقاش”: “نؤمن بالدخل الذي نحصل عليه شهريا الطعام اليومي ومصاريف الفقهاء وكذلك طعام الزوار الذين يقصدوننا للاستراحة وتناول الطعام”.

لم يكن الملا مستعدا لكشف تفاصيل الواردات التي تحصل عليها الخانقاه، قال: “بقدر إيماننا بالواردات التي نحصل عليها نؤمن أكثر بان الله سيمنحها البركة وستزداد وتكفي الجميع من دون نقص”.

واثناء مدة تواجد جماعة “أنصار الإسلام” المتطرفة في عام 2001 حتى 2003 تم إغلاق خانقاه بيارة بسبب سيطرة تلك الجماعة على مناطق هورامان كما تم نبش مراقد الشيوخ ونقلت رفاتهم إلى مكان آخر، وبعد زوال سلطة “أنصار الإسلام” تم إيجاد المراقد في منطقة قريبة من بيارة وأعيد دفنها في مواقعها السابقة.

يصف فاخر شقلاوائي الحادث بـ”المؤسف وسنوات مظلمة سوداء” وقال: “لم يغلق باب الخانقاه بوجه احد أبداً طوال تاريخها الا خلال تلك السنتين لذلك نعتبرهما سنتين سوداوين”.

وحول علاقة من يتبعون الطريقة “النقشبندية” بالجماعة الإسلامية النقشبندية التي تنشط كجماعة مسلحة في وسط العراق، قال شقلاوائي: “هؤلاء يسمون النقشبندية فقط ولا علاقة بيننا لا من قريب ولا من بعيد ونرفض ما يقومون به”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here