الصانع الأمهر للجمل الذهبية المدهشة : كأنها لذة ألم المخاض !

الصانع الأمهر للجمل الذهبية المدهشة : كأنها لذة ألم المخاض !
..
بقلم مهدي قاسم

سألني البارحة أحد الأصدقاء الأعزاء فيما لو كنت في استراحة ، لأنه لم ير لي منشورا فقلت له نافيا :
ـــ لا !.. لم أكن في استراحة ، لكوني قد نشرت قصة قصيرة قبل ساعات ، فربما لم ينتبه لها أمام هذا الطوفان الهادر من المنشورات المتدفقة شلالا متساقطا دوما عبر مجرى و مدارات الفضاء الأزرق..

إلا أن هذا ليس هو الدافع أو جوهر المسألة الكامنة وراء كتابة هذه السطور ..

إنما مجرد التأكيد على أننا نحن صنّاع الحروف الذهبية والجمل البلورية المتلألئة على امتداد البياض الشاسع الناصع ، أشبه ما نكون عمالا مياومين، كادحين بحق وحقيقة ــ بالقلم وليس بالمعول طبعا ـــ في مجال حقول الكتابة ، لذا فليس لنا ثمة استراحة أو توقف ، ربما نحن ــ الكتّاب ــ الوحيدين في العالم الذين لن يستريحوا أبدا إلا بعد الرحيل الحتمي انتقالا إجباريا إلى الصوب الآخر من العالم السديمي ..
إذ يتحتم علينا ، العمل اليومي المتواصل ــ ليلا ونهارا وخاصة ليلا ــ و الحراثة الدائمة في الأراضي الصلبة ، وربما قاحلة أحيانا ، لنزرع بذور الحروف وشتلات الجمل الذهبية ونسقيها بقطرات من عرق أفكارنا ونسغ مشاعرنا و احاسيسنا في حقول خيالنا صورا مدهشة و رؤى مثيرة و أفكارا و أحداثا استثنائية ومبتكرة ، وخلق شخصيات مختلفة طباع وسلوك ونمط تفكير وتصورات حياة ومواقف بين شرير وخير و يأس وأمل و حزن و فرح وبين القرف من الحياة والشغف بها ، والخ ..

دون أن نرضى يوما عن المحاصيل والغلة ، حتى لو كانت مقبولة و جيدة ..
لأننا في مسعى دائم أبدا ، طموحا ملحاحا ، نحو أفضل المحاصيل ووفرة الغلة جودة و نوعية لتكون أحسن بكثير بمستوى الطموح الإبداعي ، مما سبق من محصول السنة الماضية ..

وهكذا نمضي في الحراثة اليومية الدؤوبة في حقول المخيلة بجهد كبير ومرهق عظيم ، ولكن بلهفة وشغف لا يشعر بهما إلا من يمارسها بجدية وإخلاص وعشق وحب يقارب الإدمان الخالق للمتعة على صعيد الكتابة والعمل الإبداعي .

وغالبا ما يكون الشعور المرافق ــ بعد إنتهاء كل فصل ــ لذة وانتشاء مسكرة ــ أي بعد مخاض الكتابة إذا كانت حقا ذات قيمة فنية إبداعية مقنعة ــ فإن هذا الشعور يكون أقرب إلى لذة الألم التي تشعر بها الأم الشابة أثناء المخاض وبعد الإنجاب !..

إذن فما من استراحة لممتشقي القلم وفلاحي الكلمات و كادحي الثقافة الحقيقيين الذين تسكنهم هواجس الخلق والإبداع ، فما من استراحة لا في أيام الأسبوع ولا في نهايتها أو وسطها ليلا ونهارا وفي كل الفصول ..
وهكذا إلى ما لانهاية .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here