مراحل تشكيل الحكومة الجديدة

ساهر عريبي

[email protected]

تمر عملية تشكيل الحكومة الجديدة في مملكة السويد بعدة مراحل تبدأ اولا بالتئام شمل البرلمان بعد أسبوعين من إجراء الإنتخابات النيابية مرة كل أربعة أعوام. ويتم في أول جلسة إنتخاب ناطق باسم البرلمان (رئيس) ويعتبر أعلى منصب في البلاد بعد الملك كارل غوستاف السادس عشر. ويتم انتخاب الرئيس وفقا للأعراف السائدة وطبقا لنتائج الإنتخابات.

إذ جرت العادة ان يقدم الحزب الفائز في الإنتخابات مرشحه لرئاسة البرلمان وهو مافعله الحزب الإشتراكي الذي فاز بالإنتخابات عبر حصوله على عدد من المقاعد(١٠٠) من مجموع مقاعد البرلمان البالغة ٣٤٩. لكن هذا العدد غير كاف لتمرير مرشحه بالرغم من أن تكتل أحزاب اليسار حاز على ١٤٤ مقعد. وأما أحزاب اليمين فقد فازت ب ١٤٣ مقعدا, لكن أصوات حزب السويديين الديمقراطيين اليميني المتطرف أسقطت مرشح الحزب الإشتراكي ورجّحت كفة مرشح حزب المحافظين أندرياس نورلين والذي حصل حزبه على المركز الثاني في الإنتخابات بنيله ٧٠ مقعدا.

وبعد إنتخاب رئيس جديد للبرلمان فإن الخطوة المقبلة هي الدعوة الى عقد جلسة للبرلمان في اليوم التالي للتصويت على إقالة الحكومة الإشتراكية الحالية التي يتزعمها ستيفان ليفين وهو ماحصل يوم الثلاثاء الماضي بعد ان صوت يمين الوسط واليمين المتطرف لصالح إقالتها. ومع إقالة الحكومة وتحويلها الى حكومة تصريف أعمال أعلن رئيس البرلمان بدء مشاورات بعد يومين (الخميس) مع قادة الأحزاب من اجل تكليف مرشح جديد لتشكيل الحكومة.

وهنا وقبل الإنتقال الى مرحلة المشاورات التي جرت اليوم فلابد من الإشارة الى ان الحزب الإشتراكي المتحالف مع حزبي اليسار والبيئة بإمكانه الإستمرار بحكم البلاد لمدة أربع سنوات أخرى فيما لو وضع يده بيد الحزب اليمين المتطرف والمعادي للمهاجرين والذي يتزعمه (جيمي أوكسون) ويملك ٦٢ مقعدا برلمانيا. إذ يمكنه الحصول على أغلبية مريحه تبلغ ٢٠٦ مقاعد تمكنه من الإستمرار في الحكم. لكن ما يمنع الإشتراكي من فعل ذلك هي المباديء. فالإشتراكيون الذين يتبنون نهجا قائما على أن البشر سواسية كأسنان المشط بغض النظر عن لونهم ودينهم وعقائدهم, لايمكنهم وضع يدهم بيد حزب يحمل أفكارا عنصرية, إذ يصنف البشر بحسب إنتماءاتهم العرقية والدينية في إستيحاء من الإفكار النازيه.

فالحزب الإشتراكي غير مستعد للتنازل عن مبادءه من أجل كرسي الحكم ولو فعل فسيسقط في أعين الناخبين السويديين ولن تقوم له قائمة بعدها.

كما وانه لايمكنه شراء أصوات نواب من كتل أخرى فهذا يستحيل حدوثه بل لا مجال للتفكير لأنه يتعارض مع القيم والمبادئ الأخلاقية السائدة في البلاد وسيئكل فشيحة لا مثيل لها في تاريخ البلاد, وسيفقد الحزب او النائب مصداقيته في نظر الناخبين ويتعرض للملاحقة القضائية لأن من يبيع صوته من أجل مال او منصب فهو غير مؤتمن على قيادة البلاد.

وأما المرحلة التالية فهي بدء رئيس مجلس النواب بعد يومين من إقالة الحكومة, بدء مشاورات مع قادة الأحزاب الممثلة في البرلمان لإستمزاج رأيهم حول الشخص الذي سيكلفه بتشكيل الحكومة. وتجري المشاورات بشكل ثنائي وسري بينه وبين زعماء الأحزاب وهي حاليا ثمانية أحزاب وهي كل من الإشتراكي واليسار والبيئة والمحافظين والوسط والأحرار والديمقراطي المسيحي وأخيرا الديمقراطيين السويديين.

ويخضع تسلسل المشاورات الى قاعدة , إذ يبدا بالحزب الفائز بالإنتخابات وتنتهي بالحزب الذي حاز أقل عدد من المقاعد البرلمانية وتستغرق كل مشاورة خمسين دقائق تبدا منذ الصباح وتنتهي عصرا. وبعد إنتهاء المشاورات يقرر الرئيس مرشحه لرئاسة الحكومة. وهنا لابد من افشارة الى ان لدى الرئيس السلطة الكاملة لإختيار المرشح كما وان لأعضاء البرلمان كامل الحرية لقبوله أو رفضه. ولكن إختياره لا يخضع الى المزاجية او المحسوبية الحزبية او لإغراءات من وراء الكواليس , ولكن الرئيس يقدر ومن خلال مشاوراته ان أحد المرشحين وعادة مايكون زعيم أحد الأحزاب الكبيرة لن يعارض تسميته ١٧٥ نائبا! بمعنى لو ان ١٧٤ نائبا عارضوه فسوف يشكل الحكومة! وهذا الأمر لم يحصل أبدا في تاريخ السويد! أي انه ليس المطلوب أن يصوت ١٧٥ لصالحه. إذ ربما أن المتبقين وهم ١٧٤ نائبا قد يكون بينهم ممتنعين عن التصويت إلا ان هذا لا يطعن في شرعية تكليف المرشح وإن كان أعداد مؤيديه أقل بكثير من الأغلبية النيابية.

وعادة ماتكون مهمة طرح الرئيس للمرشح على البرلمان يسيرة , إذ عادة ماتسفر الإنتخابات عن فوز حزب أوتكتل بالإغلبية , لكن الإنتخابات الحالية كانت نتائجها متقاربة , إذ فاز بها الحزب الإشتراكي وتكتل اليسار وأما أحزاب اليمين فحلت في المركز الثاني وبمقعد واحد أقل عن التكتل الإشتراكي. وبذلك اصبحت كلمة الفصل للحزب اليميني المتطرف القادر على ترجيح كفة أحد التكتلين. إلا أن الأمر المؤكد هو أن هذا الحزب سيصوت ضد أي مرشح اشتراكي يطرحه رئيس البرلمان وبذلك فإن تكليف مرشح اشتراكي مستبعد مالم تحصل تفاهمات بين الإشتراكيين وأحزاب الوسط وهي كل من الأحرار والوسط.

ولاتبدو أن هناك تفاهمات بينهما حاليا, لكن أحزاب الوسط رفضت أي تعاون بين تحالف يمين الوسط والحزب اليميني المتطرف من أجل تشكيل الحكومة. ولذا فإن حصل ترشيح لأشتراكي فسوف يتم التصويت ضده وهي سابقة لم تحصل من قبل ولذا فسيحاول الرئيس طرح مرشح من اليمين وهو زعيم حزب المحافظين أولف كريسترسون الفائز ب ٧٠ مقعد.

وهنا فإن التكتل الإشتراكي الذي يعتبر نفسه الأكبر في البرلمان سيصوت ضده , وأما الحزب اليميني المتطرف فهو الآخر سيصوت ضده مالم تحصل تفاهمات بينه وبين تكتل اليمين. لكن مثل هذه التفاهمات التي لا تصل الى حد دخوله في الحكومة, تهدد فيما لو حصلت بتفكك تحالف اليمين وخصة أحزاب الوسط فيه التي تمتلك ٥١ مقعدا وهي قادرة مع الإشتراكي على منع المرشح اليميني من تشكيل الحكومة. ولا يبدو أن تكتل اليمين سوف يجازف بالتفاهم مع الحزب المناهض للمهاجرين. وكانت اولى بوادر ذلك هي توزيع اللجان البرلمانية الخمسة عشر يوم الأربعاء حيث حصل الإشتراكيون على ثمان لجان واكتفى اليمين بالسبعة المتبقيه ودون أن يمنح حزب اليمين المتطرف أي لجنة. وقد أثار ذلك غضب الحزب الذي أعلن عدم منحه صوته لمرشح اليمين دون الحصول على نفوذ في الحكومة.

ولذا فتبدو الأوضاع معقدة إلا أن هناك أربع محاولات امام رئيس البرلمان لتقديم مرشح يشكل الحكومة, وفي حال فشلها جميعا فإنه سيدعو الى إجراء إنتخابات مبكره خلال ثلاثة شهور. وأما في حال نجاح احد المرشحين في تخطي الإقتراع النيابي فإن آخر مرحلة هي تمرير الحكومة الجديدة للموازنة بسرعة وفي موعد أقصاه ١٥ نوفمبر المقبل, وفي حال عدم حصول الموازنة على أغلبية الأصوات فهناك خطر لتمرير موزانة المعارضة وفي تلك الحالة يدعو رئيس الوزراء الجديد الى إجراء إنتخابات جديدة خلال مدة ثلاث شهور.

وهكذا فإن مدة تشكيل الحكومة في السويد لا تتجاوز الشهرين كأقصى حد ومنذ ظهور نتائج الإنتخابات, وهي تخضع اولا لتلك النتائج وثانيا لنهج الأحزاب التي تتقارب مع بعضها البعض وفق لرؤاها الآيديولوجية المشتركة وبرامجها , وأخيرا فإن تلك الأحزاب تضع مصلحة البلد امام أعينها وعدم تركها في حالة فراغ سياسي.

وقد حصل ذلك بشكل جلي في الإنتخابات السابقة عام ٢٠١٤ والتي لم يفز بها أي تكتل بالأغلبية اللازمة لكن اليمين لم يصوت ضد حكومة الأشتراكيين وكان بإمكانه اسقاط الحكومة بالتعاون مع الحزب اليميني المتطرف وبالتالي حكم البلاد لأربع سنوات لكنه فضل ترك ترك الحكم بيد حكومة أقلية لم يصوت ضد موازنتها. ويتكرر السيناريو اليوم أيضا, ولايبدو مستبعدا ان الإشتراكيين سيسمحون لليمين بحكم البلاد منعا لتحكم الحزب العنصري بالعملية السياسية ومنعا لدخول البلاد في أزمة سياسية تؤدي الى إعلان إنتخابات جديدة تكلف الدولة خسائر مادية, يمكن التضحية بالمناصب لتجنبها.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here