شبهة الإمام أحمد بن الحسين الهاروني ( ت 411هـ) حول النص على الأئمة ع،

قال أحمد بن الحسين الهاورني في نبوة النبي، ج1 ص 88 : (إن ما تدعيه الإمامية من النصوص لا أصل لها ، لأنها لو كانت لوجب أن يتواتر بها النقل ، ويظهر)

وقال الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد ( ت 1029هـ) رادا على الإمامية : ( لا نص فيمن عدا الثلاثة ( علي والحسن والحسين ع ) ، وإلا لكان ــــ النص ــــ مشهوراً؛ لأنه مما تعم به البلوى علماً وعملاً؛ للإجماع على وجوب اشتهار ما شأنه كذلك كالصلاة)
الأكياس لعقائد الأكياس ، ص 104

إن الأخذ بماذكره أحمد الهاروني فيه هدم للإسلام وهدم لمذهب الزيدية قبل غيره .

الجواب النقضي :
الوجه الأول : لقد أكد القرآن انشقاق القمر، فقال تعالى : ( اقتربت الساعة وانشق القمر) القمر، 1

وهذا الحدث من المتواترات لوروده في القرآن، فضلا عن رواته من الصحابة، وبالرغم من عظمة هذا المشهد واطلاع أمم الأرض عليه، إلا أن تلك الحضارات لم تنقل شيئا في تاريخها حول هذا الأمر الجلل، وهذا يدل على أنه ليس كل متواتر ينبغي أن يكون منقولا لدى الجميع !
ووفق منطق أحمد الهاروني، يمكن للكفار القول: لو كان هذا الحدث صحيحا متواترا لتم توثيقه وتسطيره في تاريخ الأمم، ولتم نقله ، ولما لم يكتب حوله، تبين بطلانه !!
وما يجيب به القوم قد نجيب به على اشكالهم، ولا فرق .

الوجه الثاني : إن المعجزات التي حدثت تصديقا لنبوة النبي كثيرة، تعد بالمئات، وهي بمجملها متواترة، كنبع الماء من بين اصابعه، وحنين الجذع له وشفائه المرضى…

لكن هذه المعجزات لم يذكرها اليهود ولا النصارى ولم يشيروا إليها في كتبهم وتواريخهم، فهل يصح القول إنه لا أصل لها ، لأنها لو كانت لوجب أن يتواتر النقل بها ؟!

الوجه الثالث : إن الزيدية تروي حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا) ونص بعضهم على تواتره، في حين لم يرو هذا النص في كتب أهل السنة، ولم يصح ولم يتواتر عندهم، ووفق المنطق الذي طرحه أحمد الهاروني، يمكن أن يقولوا له : إن ما تدعيه الزيدية من النصوص على الحسنين كقول : ( الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ) لا أصل لها ، لأنها لو كانت لوجب أن يتواتر بها النقل ، ويظهر !
وجواب الزيدية لأهل السنة هو جوابنا عينه.

الوجه الرابع : إن الإباضية فرقة من فرق الأمة، وهم لا يروون حديث الغدير الذي نص على خلافة الإمام علي ع، وهذا الحديث اتفق على روايته السنة والشيعة الإمامية والزيدية وقالوا بتواتره، فما جواب الزيدية إن قال الإباضية لهم : إن ما تدعيه الزيدية من النص على علي ع يوم الغدير، لا أصل له ، لأنه لو كان لوجب أن يتواتر به النقل ، ويظهر في كتبنا ؟ وجوابهم لهم هو جوابنا للزيدية !

ولو زادوا وقالوا : إن ما تدعيه الزيدية من النص على الحسنين وتواتره، كقول : ( الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ) لا أصل له ، لأنها لو كان قد صدر لوجب أن يتواتر به النقل ، ويظهر في كتبنا !

وجواب الزيدية لهم هو عين جوابنا للزيدية حول حديث الاثني عشر .
الوجه الخامس : إن المعتزلة، تنكر النص على الحسنين ع بالإمامة وتتأول نص الغدير على علي ع، فيمكن للمعتزلة ترديد حجة الهاروني نفسها : إن ما تدعيه الزيدية من النصوص على الحسنين ع، لا أصل لها ، لأنها لو كانت لوجب أن يتواتر بها النقل !

الجواب الحلي :

إن من يدرك ماهية الظروف التي مرت على رواية السنة وتدوينها، سيعي جواب هذا الإشكال، فبعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، تم منع رواية الحديث وعقاب من يكتب أو يروي شيئا منه، بقي هذا الأمر إلى زمن استلام الإمام علي ع للخلافة، وكان تركيز مدرسة الخلفاء على لون من النصوص التي تؤيد شرعيتهم، فأشاعوا روايات قد تكون صحيحة أو مجتزئة من نص أطول كنص أن ( الأئمة من قريش ) أو قوله ( الأئمة او الخلفاء اثنا عشر كلهم من قريش ) وهذه الرواية الآخيرة رويت عن العديد من الصحابة، وهي مطابقة لروايات الإمامية في تحديد عدد الخلفاء من بعد النبي، ولا يتوقع المرء من مدرسة الجمهور أن يقبلوا تحديد هؤلاء الخلفاء بكون تسعة منهم من ولد الحسين ع، أو أن آخرهم المهدي ع، لأن رقابة المحدثين والحكام على الروايات ما كانت لتسمح بانتشارها، وسيتعرض راويها للعقاب والطرد والمقاطعة، وربما القتل من قبل الحكام .

أما كتب الزيدية فلا نجد فيها من قريب أو بعيد أي اشارة لعدد الخلفاء من بعد النبي ــ وهو الحديث الذي رواه السنة وصححوه ــــ فضلا عن أسمائهم أو بعض التفاصيل حولهم، وسبب ذلك واضح جلي، لأن رواية أي نص في كتبهم وبطرقهم، هو هدم لنظريتهم في الإمامة، وسيكون هدية لخصومهم يحتجون بها عليهم، فالنص على عدد الأئمة أو الخلفاء قد تواتر لدى الإمامية، وتعددت طرقه في كتب أهل السنة وصححوه.

لو أخذنا قول الإمام القاسم بن محمد : (لا نص فيمن عدا الثلاثة وإلا لكان مشهوراً؛ لأنه مما تعم به البلوى علماً وعملاً؛ للإجماع على وجوب اشتهار ما شأنه كذلك كالصلاة)

لوجدناه قياس مع الفارق، فليس من مصلحة أحد الإعتراض على الصلاة، ونفي وجوبها، أو كتمان فرضيتها، بخلاف الإمامة ونصوصها، وهي التي قامت الحروب والثورات لأجلها وسفكت الدماء لارتدائها.

لا شك إنه لا يشترط في المتواتر أن يرويه جميع الفرق حتى يكون متواترا، وليس هو من شروطه، ولم يقل أحد بذلك.

إن عدم علم الآخرين بتواتر أمر ما لا يقدح به، قال الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد : (ومعجزات نبينا كثيرة. أئمتنا والبغدادية ــــ أي معتزلة بغداد ـــ : وقد تواتر منها مع القرآن كثير نحو حنين الجذع. أبو علي وأبو هاشم: لم يتواتر منها إلا القرآن وإلا لشاركنا الكفار في العلم به. قلنا: عدم علمهم لا يقدح في التواتر …).
الأكياس لعقائد الأكياس ، ص 76 :

ونحن نقول كما قال إمامهم القاسم بن محمد : عدم علم الزيدية أو عدم رواياتهم للنص على اثني عشر إماما لا يقدح في التواتر !

والحمدلله رب العالمين وصل اللهم على محمد وآله الطاهرين

مروان خليفات

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here