العراق بحاجة إلى دولة خدمات وليست دولة عقائد شمولية

العراق بحاجة إلى دولة خدمات وليست دولة عقائد شمولية

بقلم مهدي قاسم ـ

اتضح أنه للمجتمع العراقي ميلا قويا نحو عقائد ومعتقدات وأيديولوجيات شمولية ــ حتى لو أمن بها أحيانا إيمانا آليا ـــ حاله في ذلك باقي الشعوب الشرقية بشكل عام ، وهذا من حيث المبدأ ليس بأمر سيء في النهاية ، لو مورست بمنجى عن خلطها مع صميم السلطة والسياسة المباشرة ، و إذا لم تتحول إلى مكابح ولجام وقيود تجر الدولة وأجهزتها قهقرة إلى الخلف ، نحو تهرأ وصدأ و انهيار بطيء ، لتصبح أخيرا سببا وذريعة لنهب ثرواتها و إفقارها الشديد ،..
كما حال العراق اليوم في أسوأ حال من مرارة ومعاناة ..
وقد سبق لدول ومجتمعات أوروبية أن كشفت هذه الحقيقة قبل مئات سنين ، حينما كانت الكنيسة تتحكم بشؤون الدولة ومهيمنة عليها هيمنة مطلقة ، خانقة إياها في ظلام دامس من فقر وتخلف ومحاربة العلم والعلماء والاكتشافات العلمية ، في وسط دوامة ضارية من صراعات مذهبية وطائفية ضارية وخاصة بين الكاثوليك والبروتستانت والتي ذهبت ضحيتها مئات آلاف من الضحايا بين الطرفين ..
و ما أن تحررت المتجمعات والدول الأوروبية من قبضة الكنيسة الخانقة وخرجت من دهاليز ظلاميتها المطبقة ، بفضل جهود المفكرين والفلاسفة والشعراء والكّتاب التنويريين و النهضويين حتى أخذت هذه المجتمعات والدول تسير في طريق التطور والتحديث و الازدهار الاقتصادي و الحضاري المستقيم والمضيء بنور العلم والاكتشافات والعلوم الطبية والتقنية المتقدمة مع خلق قاعدة من رفاه وعيش كريم لمواطنيها في إطار من ضمانة دستورية ومؤسسات قانونية متينة وراسخة ..
لذا فقد آن الأوان للعراق أن يتحرر ــ كدولة وأجهزة و مؤسسات ــ من قبضة وقيود عقائد وايديولوجيات شمولية متحكمة بآلية السلطة ، شكّلت و لا زالت تشكّل عقبات شائكة وعميقة فعلا أمام تطور الدولة وتقدمها نحو الازدهار الاقتصادي والعلمي والحضاري والروحي والرفاه الاجتماعي العام ..
فالعراق بحاجة الآن إلى أن يتحول إلى دولة خدمات حقة ، على كل أصعدة و حقول وميادين ، وبعدما عاشت كل هذه السنين الطويلة تحت هيمنة سلطة عقائد شمولية مطلقة وساحقة ـــ كالبعث والإسلام السياسي الحالي مثلا ـــ أثبتت فشلها الذريع وتركت طابعها الكارثي الشنيع على حياة البلاد والعباد .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here