اشارات السيد محمد باقر الحكيم قدس سره عن سورة يونس (ح 1)

الدكتور فاضل حسن شريف
عن مفهوم الامة في السياق القرآني برأي السيد محمد باقر الحكيم قدس سره للدكتور محمد جعفر العارضي: وردت لفظة الأُمَّة في القرآن الكريم في دلالتها الاجتماعية (56 مرة). وعلى الرغم من تعدد السياقات التي تحتوي هذه اللفظة، وكثرة تفريعاتها، ومن ثمَّ كثرة دلالاتها، الا إنَّنا نجد السيد الحكيم قدس سره قد أدار هذا التعدد السياقي وعالجه معالجة شاملة منتجة، وتناوله بلحاظ دلالته على البعد المعنوي و الفكري للجماعة البشرية. نعم لا يخلو التأسيس للأمَّة في المنظور القرآني من توخي الجوانب الفكرية والتربوية و المعنوية، و لعلي استطيع تقسيم هذا التناول على عدد من المحاور منها جماعة الانبياء. و هو ما خرجت الأُمَّة للدلالة عليه في سياق عدد من الآيات المباركة. و من ذلك قوله تعالى: “وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ” (يونس 19).
يقول الشهيد السيد محمد باقر الحكيم قدس سره عن القرآن وأسمائه: القرآن الكريم هو الكلام المعجز المنزل وحيًا على النبي صلى الله عليه واله وسلم المكتوب في المصاحف المنقول عنه بالتواتر المتعبد بتلاوته. وقد اختار اللّه تعالى لهذا الكلام المعجز الذي أوحاه إلى نبيه أسماء مخالفة لما سمى العرب به كلامهم جملة وتفصيلًا. وسماه القرآن “وَمَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ” (يونس 37). والاهتمام بوضع أسماء محددة و مصطلحات جديدة للقرآن الكريم، يتمشى مع خط عريض سار عليه الإسلام، وهو تحديد طريقة جديدة للتعبير عما جاء به من مفاهيم وأشياء. وتفضيل إيجاد مصطلحات تتفق مع روحه العامة على استعمال الكلمات الشائعة في الأعراف الجاهلية وذلك لسببين: أحدهما: أن الكلمات الشائعة في الأعراف الجاهلية من الصعب أن تؤدي المعنى الإسلامي بأمانة، لأنها كانت وليدة التفكير الجاهلي وحاجاته، فلا تصلح للتعبير عما جاء به الإسلام، من مفاهيم وأشياء لا تمت إلى ذلك التفكير بصلة. والآخر: أن تكوين مصطلحات وأسماء محددة يتميز بها الإسلام، ويساعد على إيجاد طابع خاص به، وعلامات فارقة بين الثقافة الإسلامية وغيرها من الثقافات. وفي تسمية الكلام الإلهي الكتاب إشارة إلى الترابط بين مضامينه ووحدتها في الهدف والاتجاه، بالنحو الذي يجعل منها كتاباً واحداً. ومن ناحية أخرى يشير هذا الاسم إلى جمع الكلام الكريم في السطور، لأن الكتابة جمع للحروف ورسم للألفاظ. وأما تسميته القرآن فهي تشير إلى حفظه في الصدور نتيجة لكثرة قراءته، وترداده على الألسن. لأن القرآن مصدر القراءة، وفي القراءة استكثار و استظهار للنص. فالكلام الإلهي الكريم له ميزة الكتابة والحفظ معًا، ولم يكتف في صيانته وضمانه بالكتابة فقط، ولا الحفظ والقراءة فقط لهذا كان كتابًا وقرآنًا.
عن مفهوم التأويل للسيد محمد باقر الحكيم قدس سره: تأويل الأحاديث الذي أشار إليه القرآن الكريم في قصة يوسف عليه السلام، حيث أمكن ليوسف أن يفهم من الرؤيا التي رآها الملك هذا المعنى الخاص الذي يمثل باطنا للصورة الظاهرية التي انعكست في ذهنه عند الرؤيا، فالبقرات العجاف والسنابل اليابسة هي سنين القحط، والبقرات السمان والسنابل الخضراء هي سنين الرخاء، وكذلك الرؤيا التي رآها السجينان في السجن ومداليلها الباطنية. ان أهل البيت عليهم السلام ركزوا بشكل واضح في هذه الروايات – على اختلافها على قضية التأويل والظاهر والباطن، وهذا الموضوع مما أجمع المسلمون على صحته ونسبته للقرآن الكريم وإن اختلفوا في تحديد مفهومه. ومن أجل أن تتضح الفكرة الأساسية في نظرية أهل البيت بشكل أفضل، بحيث تنسجم مع ما ورد في القرآن الكريم من نصوص من ناحية ومع المضمون الاجمالي للروايات السابقة من ناحية أخرى، يحسن بنا أن نقف عند كلمة التأويل بعض الشئ، ويمكن من خلالها أن نفهم الباطن والمتشابه أيضا إضافة إلى التوضيحات التي قدمها العلامة الطباطبائي في بحثه السابق. لقد اختلف علماء الاسلام والقرآن بشكل خاص حول تحديد المقصود من كلمة التأويل خصوصا المعنى المصطلح لها، ونحن هنا لا نريد أن نعالج الجانب الاصطلاحي ولا حتى الجانب اللغوي المفهومي لها، إذ يمكن معرفة ذلك من خلال بحثنا السابق في التفسير والتأويل. وإنما نريد أن نعالج هنا مدلول الكلمة قرآنيا على مستوى تفسير المعنى وتشخيص المصداق، من خلال مراجعة الآيات الشريفة التي وردت في القرآن الكريم وسياقها. وفي هذا المجال يمكن أن نرى أمامنا إرادة المصاديق من القرآن الكريم منها في سورة يونس الآية 39 “بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ”جاء التأويل فيها بمعنى تحقق ما ذكره القرآن الكريم من تصديق الرسالات السابقة وتفاصيل الشريعة والرسالة، وما يمكن أن يتحقق في مسيراتها بعد ذلك من أحداث.
يقول اية الله السيد محمد باقر الحكيم قدس سره عن القصص القرآنية: اختصاص القصة بأنبياء الشرق الأوسط: كما أن هناك مجموعة من الآيات تدل على أن الأنبياء والرسل كانوا يبعثون إلى كل قرية ومدينة لإقامة الحجة من الله على الناس “وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ  فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ” (يونس 47).
عن تحرير القرآن للعقول لاية الله السيد محمد باقر الحكيم قدس سره: الدعوة إلى التأمّل في أسرار الكون: وقد حثّ القرآن الكريم، بصورة خاصّة، على التفكير في الكون، والتأمّل في أسراره، واكتشاف آيات الله المنتشرة فيه؛ ووَجَّه الإنسانَ هذه الوجهة الصالحة بدلاً من التشاغل بخرافات الماضين وأساطيرهم: “قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ” (يونس 101). وبذلك أعطى القرآن مفهوم مواكبة الإيمان للعلم، وأنّ العقيدة بالله تتماشى مع العلم على خطٍّ واحد، وأنّ اكتشاف الأسباب والقوانين في هذا الكون يعزّز هذه العقيدة؛ حيث إنّه يكشف عن عظيم حكمة الصانع وتدبيره. وعلى أساس هذا الموقف القرآني، وما رفضه من التقليد، وما شجّع عليه من التفكير والتدبّر، كانت الأمّة التي صنعها الكتاب الكريم مصدرَ العلم والثقافة في العالم، بدلاً من خرافات البوم والغيلان، حتّى اعترف المؤرّخون الأوروبيّون بهذه الحقيقة أيضاً، فقال المؤرّخ الهولندي رينهارت دوزي: (إنّ النبيّ جمع قبائل العرب أمّة واحدة رفعتْ أعلام التمدّن في أقطار الأرض، وكانوا في القرون المتوسّطة مختصّين بالعلوم، من بين سائر الأمم، وانقشعتْ بسببهم سحائبُ البربريّة التي امتدّت إلى أوروبا).
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here