البعث الجديد

أدرك حزب البعث عند استلامه السلطة من جديد عام 1968 أن بقاءه في الحكم يتطلب السيطرة المطلقة على المؤسسة العسكرية واخضاعها لسلطة البعث.
لذلك عمل البعث على التخلص من القادة العسكريين الكبار الذين يخشى من نفوذهم داخل هذه المؤسسة بغض النظر عن توجهاتهم السياسية ولهذا كان التخلص من عبد الرزاق النايف وحردان وعماش وغيرهم مهمة أساسية في  أول أيام حكم البعث. تلت تلك الخطوة عملية زج العناصر الموالية لهم داخل هذه المؤسسة ومنح هذه العناصر رتبا عسكرية رفيعة لضمان سيطرة البعث، وأكمل تلك الأجرءات باصدار قانون يحرم العمل السياسي داخل هذه المؤسسة لغيره وتحويل الجيش إلى مؤسسة تحمي النظام قبل البلد وعندها أطلق صدام مقولته (انتهى زمن الإنقلابات).
في نفس الوقت عمل البعث على تشكيل الحرس الجمهوري كقوة عسكرية خاصة تحمي النظام وتكون غير تابعة لوزير الدفاع وقد امتلكت من المعدات العسكرية والصلاحيات والأموال ما تتفوق به عن كل القطعات العسكرية الأخرى وترتبط مباشرة بصدام حسين.
أكمل البعث سيطرته على الدولة من خلال تكوين أجهزة أمنية متعددة تجتمع كلها رغم تنوع قيادتها التي كانت تتوزع بين صدام وأولادة وأخوانه على حماية نظام الحكم وأن تنازعت هذه الأجهزة خلافات بين قادتها وأهدافهم لتشكل كل هذه الاجهزة قوة مهولة في مسك زمام الأمور لصالح البعث.
القوى الأخرى المعادية لنظام البعث بسبب تشتتها وعدم إدراكها لخطط البعث المبرمجة لم تستطع وقف هذه السيطرة بل وقفت تتفرج عندما كان البعث يضرب هذه المجموعة ويترك الأخرى وهو ما تجسد في ضربه للحركة الكردية بعد مغازلتها أول الأمر بداية السبعينات. ثم جاء دور القوى الدينية منتصف السبعينات بعد أن حيد الشيوعيين والديمقراطيين في الجبهة عام 1973 لينهي مسلسل القضاء على القوى السياسية الكبرى عام 1978 وينهي الجبهة بحمام دم جديد راح ضحيته المئات من الشيوعيين والديمقراطيين بعد أن عمل مثل ذلك مع الأكراد سابقا والإسلاميين.
– هذه المقدمة أسردها لأجل التذكير بالتاريخ القريب وما يمر به البلد اليوم من حالة مشابهة لتلك الأيام إن لم يجرِ التصدي لها وبكل قوة قبل إعادة نفس السيناريو ولكن بوجه جديد.
– بعد سقوط الصنم وتفكك الجيش جرى دمج عناصر الأحزاب المعارضة لنظام صدام داخل الجيش ومنحوا رتبا عسكرية رفيعة دون استحقاق ونتج عن ذلك مؤسسة عسكرية ضعيفة الكفاءة والجودة مهنيا ولكنها تدين بالولاء للأحزاب قبل الوطن ومعلوم أن الأحزاب التي بيدها مقاليد السلطة هي الأحزاب الشيعية وبالتالي بات ولاء الجيش لهذه الأحزاب وكيفية المحافظة على ديمومة بقائها بالسلطة. بنفس الوقت تكونت مليشيات عسكرية خلال هذه الفترة شكلتها إيران بنسبة كبيرة والأحزاب الشيعية وكان لها مهام متعددة أهمها تصفية الحساب مع الموالين لحساب النظام السابق وحماية النظام الجديد وبطرق مختلفة بما في ذلك الطرق البربرية، عكس المليشيات التي تكونت من الطرف  السني التي عارضت العملية السياسية لتقوم بجرائم القتل والخطف وغيرها من الأعمال القذرة.
إلى جانب هذه المليشيات وبسبب الفوضى السائدة في البلد تكونت عصابات للسرقة والقتل والخطف وتعاونت مع جميع القوى السياسية لأجل المال.
– إستلم المالكي الحكم وأدرك أنه لا يستطيع البقاء في السلطة لفترة طويلة إن لم يسيطر على المؤسسة العسكرية (كما فعل صدام) لهذا بدأ بمغازلة القيادات العسكرية القديمة والمركونة على جنب وإعادتها للخدمة مع صلاحيات كبيرة على أن تدين له بالولاء وهي ليست لديها ما تخسره بهذا الفعل وبالفعل عاد الكثير منهم (يا ريتهم ما عادوا) كذلك عمل المالكي على تعيين المئات من الشباب بالأجهزة الأمنية والعسكرية لأجل جعل الجيش مؤسسة عقائدية مثل البعث وبالتالي بدأ المالكي يحلم بسيطرته المطلقة على زمام الأمور وأطلق مقولته (أحنه بعد ما ننطيها).
– المليشيات ذات التوجهات السياسية أدركت وبسبب الوضع السياسي الجديد أنها لا تستطيع الاستمرار بالتحكم بالشارع دون غطاء رسمي لهذا كان لابد من الدخول بتحالفات مع القادة السياسيين الشيعة (قيس الخزعلي والمالكي) لدخول هذه المليشيات داخل المؤسسات العسكرية والأمنية لحماية السلطة الشيعية واستمرار بقائها قوية (المليشيات) وبشكل شرعي.
– بدأت السلطة بالاستفادة من خدمات هذه المليشيات الرسمية داخل المؤسسات العسكرية لتنفيذ خطة السيطرة على البلد بشكل واضح خاصة بعد أنضمام الحشد الشعبي وعدم قيادته من وزير الدفاع وإنما من رئيس الوزراء (الخزعلي يريد وزير دفاع من الحشد) ليكون هذا التكوين العسكري الجديد بمثابة حرس جمهوري جديد.
– في نفس الوقت تسجل الأحداث كل يوم عملية قتل أو اختطاف لناشطين سياسيين ضد الفساد والاحزاب الحاكمة (الشيعية) من قبل أجهزة عسكرية وليست عصابات خارجة عن القانون مثلما كان يقال سابقا بدليل الرتب العسكرية التي ينادي بعضهم البعض (أحد المختطفين السبعة ذكر بمقابلة بأن من حقق معهم كان برتبة عقيد أو ملازم) كذلك سهولة تحركهم داخل بغداد ونوعية السيارات وتصريحات العبادي والصدر الواضحة الدلالة بأنهم يعرفون الخاطفين وهم من داخل المؤسسة العسكرية.
– كل هذه الوقائع تشير إلى أننا على أعتاب مرحلة جديدة من سيطرة جهة معينة بذاتها على مقاليد الحكم وبذات الطرق الخبيثة للبعث الساقط والتي تتجسد بما يلي:
– السيطرة على المؤسسة العسكرية، السيطرة على أجهزة المخابرات والأمن، تكوين جيش خاص لحماية النظام يرتبط برأس السلطة وغير خاضع لوزير الدفاع، مغازلة القوى السياسية الأخرى لأجل إلهائها سياسيأ (انتخابات مضمونة النتيجة، تحالفات) حتى تكتمل خيوط السيطرة على الحكم، تشتيت القوى المعارضة، القيام بعمليات قتل وخطف وتضييق على المعارضين وبشكل هادى وليس كبير ولكن مبرمج، شراء ذمم السياسيين والناس عبر منحهم الامتيازات، التلويح بخطر عودة البعث لأجل بقاء الناس إلى جانب السلطة، التلويح بمعاداة الدين والطائفة من قبل الاعداء.
– من كل ما تقدم تقف القوى الوطنية بكل تلاوينها ديمقراطية إسلامية كردية والتي يهمها تطور البلد وعدم عودة الدكتاتورية بلباس جديد إلى وقف هذا التخطيط المبرمج الهادف إلى عودة نظام القمع والإرهاب من خلال ما يلي:
1- منع العمل السياسي داخل المؤسسة العسكرية لأية جهة ولتكن هذه المؤسسة مهنية فقط ولحماية البلد والناس وليس النظام.
2- منع التصويت في الانتخابات للمؤسسة العسكرية.
3- إخضاع جميع القطعات العسكرية لسلطة وزير الدفاع ووزير الداخلية حسب الاختصاصات.
4- إعادة تأهيل القادة العسكريين ورتبهم حسب الكفاءة وإحالة غير الكفؤيين على التقاعد أو لمهام أخرى وخاصة أصحاب الدمج.
5- توزيع قطعات الحشد الشعبي داخل الجيش وإنهاء هذا التشكيل العسكري.
6- زيادة مخصصات العاملين بالجيش وتحسين تسليحهم وتدريبهم.
*هذه النقاط التي تخص المؤسسة العسكرية وغيرها وبتعاون القوى السياسية مجتمعة لوقف العودة الممنهجة الجديدة للدكتاتورية وعدم السكوت على التجاوزات على الحريات الشخصية والسياسية من قبل الاجهزة الأمنية والمليشيات وتعريتها وتقديمها للعدالة كفيلة ببناء عراق آمن مستقر ضامن لحقوق الجميع مهما تعددت الانتماءات الدينية والقومية والطائفية والسياسية.
*ويبقى السؤال الأهم هل يتعض الجميع من تجربة البعث الماضية أم سيقول كل طرف ما يهمني آنه شعليه طالما بعيدة عني، وبعدين نأكلها كلنا سوى؟

مازن الحسوني                                      13/5/2017

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here