أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السّنةُ الرَّابِعَة (١)

نــــــــــزار حيدر

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.

يُركِّز المنْهَجِ القرآني إِبتداءً على الذَّات أَوَّلاً في أَيَّة عمليَّة تغيير جذري حقيقيَّةٍ، لأَنَّها حجر الزَّاوية والمربَّع الاوَّل، فمثلاً يقولُ تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}.

أَمَّا الواقع فالنَّاسُ على صنفَين؛ الاوَّل؛ هو الذي لا ينتبه لنفسهِ بذريعةِ أَنَّ التَّغيير لا يتوقَّف عليه! أَو كما يقول العراقيُّونَ إِذا نبَّهت أَحدهُم لنفسهِ [هي بُقت عليَّ؟!] أَو قولهُ [وهل بقيُ الأَمرُ عليَّ أَنا] والظَّريفُ أَنَّ (٣٥) مليون مواطن يكرِّر هذه العبارة في كلِّ لحظةٍ! فعلى مَن يتوقَّفُ الأَمرُ إِذن؟! ومن أَين سيبدأ التَّغييرُ إِذن؟!.

أَمَّا الصِّنفُ الثَّاني فهو الذي تراهُ مشغولٌ ليلَ نهارٍ بتغيير الآخرين من دون أَن ينتبهَ لنفسهِ لحظةً! ناسياً أَو مُتناسياً بأَنَّ الذَّات والنَّفس أَولى بالتَّغيير من الآخرين، بل أَنَّ تغيير الآخرين يبدأ من تغيير النَّفس، وهذه الحقيقة أَشار اليها الامام أَميرُ المؤمنين (ع) بقولهِ {مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ، وَلْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ، وَمُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَمُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالاِْجْلاَلِ مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ وَمُؤَدِّبِهِمْ}.

إِنَّ الذي يعجز عن إِصلاحِ نَفْسهِ وتغيير ذاتهِ للأَحسن لا يمكنهُ أَن يُصلح غيرهُ أَبداً، ولذلك يقولُ أَميرُ المؤمنين (ع) {أَعجزُ النَّاسِ مَن عجزَ عن إِصلاحِ نَفْسهِ}.

ولو أَنَّ كلَّ امرئٍ إِنشغل باصلاحِ نَفْسهِ وتغييرها لتغيَّرت أَشياء كثيرة في واقعِنا المرّ والمؤْلم.

وإِنَّ عجز المرء في إِصلاحِ الذَّات دليلُ الجهل بها وصدقَ أَميرُ المؤمنين (ع) الذي يقول {أَعظمُ الجهل جهلُ الانسانِ أَمر نَفْسهِ} وقولهُ (ع) {من عرِف نَفْسَهُ كان لغيرهِ أَعرف، ومن جهِل نفسهُ كان لغيرهِ أَجهل}.

تعالوا أَيُّها الأَحبَّة ننشغل في هذا الشَّهر الفضيل بإِصلاحِ ذواتِنا ونترك الانشغال بإِصلاح الآخرين!.

تعالوا ننشغل بإِصلاحِ أَدائنا لننجحَ ونُنجزَ واجباتنا على خيرِ وجه!.

لا علينا بما يفعلهُ الآخرون، فلننشغل بإِصلاح الذَّات أَولاً وقبل كلِّ شيءٍ!.

أَنت لا تستطيعُ أَن تُغيِّر العالَم إِذا لم تغيِّر ذاتك أَولاً! بل أَنت لا تقدر على التَّأثير بالواقع اذا كُنتَ فاشلاً أَو جاهلاً أَو فاسداً!.

بدلاً من أَن توزِّع التُّهم ضد الآخرين وبدلاً من أَن تحاول تغييرهم فكِّر في تغيير ذاتك أَولاً وإصلاحها!.

إِسع لإِتقان عملك من كلِّ النَّواحي، وانشغل بواجباتكَ، واعتبر نفسك أَنَّك تجلس في قاعة الامتحان، فبماذا يلزمُك الانشغال به؟! أَبالاجابةِ على ورقتِك الامتحانيَّة أَم بالاجابةِ على أَوراق الآخرين؟!.

إِنَّ تغيير المجتمع هو نتيجة لتغيير كل واحِدٍ منَّا ذاته ونفسهِ، ولا يمكن تحقيق العكس أَبداً، وعلى حدِّ قول أَميرِ المؤمنين (ع) {كيفَ يُصلِحُ غيرهُ مَن لا يصلحُ نَفْسَهُ}؟!.

إِنَّ الانشغال بالنَّفس يوفِّر علينا الكثير من المشاكل كما أَنَّهُ يُساعدنا على تحقيق الاصلاح الحقيقي، ولذلك قال أَميرُ المؤمنين (ع) {يَا أيُّهَا النَّاسُ طُوبى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ، وَطُوبى لِمَنْ لَزِمَ بَيْتَهُ، وَأَكَلَ قُوتَهُ، وَاشْتَغَلَ بِطَاعَةِ رَبِّهِ، وَبَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ، فَكَانَ مِنْ نَفْسِهِ فِي شُغُل، وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَة!} وقولهُ عليه السَّلام؛

{مَنْ نَظَرَ فِي عَيْبِ نَفْسِهِ اشْتَغَلَ عَنْ عَيْبِ غَيْرهِ، وَمَنْ رَضِيَ برِزْقِ اللهِ لَمْ يَحْزَنْ عَلَى مَا فَاتَهُ، وَمَنْ سَلَّ سَيْفَ الْبَغْيِ قُتِلَ بِهِ، وَمَنْ كَابَدَ الاَْمُورَ عَطِبَ، وَمَنِ اقْتَحَمَ اللُّجَجَ غَرِقَ، وَمَنْ دَخَلَ مَدَاخِلَ السُّوءِ اتُّهِمَ، وَمَنْ كَثُرَ كَلاَمُهُ كَثُرَ خَطَؤُهُ، وَمَنْ كَثُرَ خَطَؤُهُ قَلَّ حَيَاؤُهُ، وَمَنْ قَلَّ حَيَاؤُهُ قَلَّ وَرَعُهُ،مَنْ قَلَّ وَرَعُهُ مَاتَ قَلْبُهُ، وَمَنْ مَاتَ قَلْبُهُ دَخَلَ النَّارَ، وَمَنْ نَظَرَ فِي عُيُوبِ النَّاسِ فَأَنْكَرَهَا ثُمَّ رَضِيَهَا لِنَفْسِهِ فذَاك الاَْحْمَقُ بِعَيْنِهِ}.

إِنَّ كلَّ مشاريع الاصلاح تفشل إِذا لم تبدأ من الذَّات! إِن كانت على المستوى المُجتمعي أَو السِّياسي أَو الاقتصادي أَو غيرِها! أَلا ترى مثلاً كيف فشِلت [التَّسوية التَّاريخيَّة] وانهزم صاحبَها أَو أَصحابَها؟! لأَنَّهم أَرادوا إِصلاح بيوت الآخرين وبيتهُم محطَّمٌ ومُهدَّمُ!.

كَذَلِكَ لا يمكن لأَحدٍ إِعلان الحَرْبِ على فسادِ الآخرين إِذا كان هو فاسدٌ أَو يتستَّرُ على فسادِ جماعتهِ!.

٢٦ مايس (أَيار) ٢٠١٧

لِلتّواصُل؛

‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com

‏Face Book: Nazar Haidar

‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1

(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here