هل وقع مقتدى الصدر في فخّ السعودية؟

ساهر عريبي
[email protected]

أثارت الزيارة التي أجراها الزعيم الوطني العراقي السيد مقتدى الصدر الى المملكة العربية السعودية عاصفة من الإنتقادات بين اوساط عراقية وخليجية. وتتسم بعض تلك الإنتقادات بالموضوعية فيما لايندرج البعض الآخر منها الا في خانة تسقيط الآخر وتصفية الحسابات بهدف تحقيق مكاسب سياسية, فهل وقع السيد مقتدى الصدر في فخ السعودية ام أن زيارته وزيارة مسؤولين عراقيين آخرين تسهم في تعزيز مكانة العراق الإقليمية؟

بداية وقبل الخوض في حيثيات هذه الزيارة وأهدافها وآثارها وتداعياتها, لابد من الإشارة الى انها ليست الزيارة الأولى حديثا لسياسي عراقي الى السعودية ولقاؤه بزعمائها وفي مقدمتهم رجل المللكة القوي محمد بن سلمان بن عبدالعزيز الذي أصبح الحاكم المطلق للبلاد منذ عزل ابن عمه محمد بن نايف من ولاية العهد قبل بضعة أسابيع. إذ سبق تلك الزيارة وفد عراقي كبير ضم رئيس الوزراء ووزير الخارجية ووزير الداخلية قاسم الأعرجي الذي اجتمع ببن سلمان بالرغم من انه قيادي في منظمة بدر المقرّبة من ايران لكنه لم يجد حرجا في الظهور مع بن سلمان في جلسة غلب عليها طابع الإرتياح بحسب الصور التي تسربت عنها. وسبقتها كذلك زيارة سابقة لعدنان السدي القائم باعمال وزارة الداخلية في زمن حكومة المالكي السابقة والتي تعهد خلالها بتوفير كافة مستلزمات الراحة والزيارات لإرهابيين سعوديين اعتقلتهم السلطات العراقية حينها.

الا أن حملة الإنتقادات التي واجهتها زيارة الصدر كانت لافتة على العكس من سابقاتها التي مرّت مرور الكرام إلا من بعض الإنتقادات الخجولة. ومما لاشك فيه أن توقيت الزيارة يبدو للوهلة الأولى غير مناسب, حيث تشن القوات السعودية حملة عسكرية على بلدة العوامية منذ عدة أسابيع أدت الى سقوط العديد من الضحايا وتدمير كبير في ممتلكات المواطنين في هذه البلدة التي اندلعت فيها عام 2011 احتجاجات تطالب بإنهاء عقود من سياسات الإقصاء والتهميش, غير ان السلطات قمعتها بقسوة. هذه الحملة العسكرية أثارت قلق عدد من الدول الغربية ومن بينها كندا التي أصدرت وزارة خارجيتها بيانا يوم الجمعة الماضية عبّرت في عن قلقها من تلك الحملة ومن استخدام آليات عسكرية كندية الصنع فيها فيها وتم تصديرها الى السعودية سابقل. ولذا فيرى ناشطون أن توقيت الزيارة غير مناسب في الوقت الراهن الا إذا كان السيد مقتدى الصدر يحمل في جعبته مقترحا لإنهاء الهجوم على العوامية بالرغم من ان ذلك يبدو مستبعدا في الظرف الراهن.

ولذا فإن الزيارة تبدو في هذا الوقت غير مناسبة ولربما تعطي إشارة بعدم إكتراث السيد مقتدى الصدر لما يجري في العوامية خاصة وانه رجل دين وسليل عائلة عريقة أكتوت بنار الدكتاتورية. إلا أنه لاينبغي عند تقييم هذه الزيارة وغيرها من الزيارات المماثلة عبر ربطها بالوضع الحالي فقط, الذي يتسم بالتعقيد بل يجب تقييمها من خلال نظرة استراتيجية بعيدة المدى تنطلق من جملة من الثوابت واولها ان السعودية دولة جارة كبيرة في المنطقة, وهي من اكبر الدول المصدرة للنفط في العالم وتحظى بدعم من الدول الكبرى وخاصة بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية بالإضافة الى أنها تضم الأماكن المقدسة, وهي تمتلك القدرة على إثارة العديد من المتغيرات في المنطقة معتمدة على مواردها النفطية وعلى الدعم الغربي وعلى آديولوجيتها الدينية التي نجحت في ترسيخها في العديد من الدول الإسلامية ودول العالم.

لكل ذلك فلايمكن بأي حال من الأحوال تجاهل السعودية أو قطع العلاقات معها, ولعل في تجربة العلاقات الإيرانية السعودية خير شاهد على ذلك, فإيران ومع علمها بدعم السعودية لنظام صدام حسين خلال الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت لمدة ثمان سنوات في الثمانينات من القرن الماضي الا ان ايران حافظت على علاقات طبيعية معها بعد الحرب , بل وحتى بعد حادثة مقتل مئات الحجاج الإيرانيين أواخر الثمانينات بعد تنظيم مسيرة البراءة من المشركين أثناء موسم الحج.

واما بعد الأزمة الأخيرة التي اندلعت العام الماضي إثر احتلال السفارة السعودية في طهران وإعلان السعودية قطع العلاقات مع ايران, فإن ايران اعلنت وخلال اكثر من مناسبة عن استعدادها للحوار مع السعودية على مختلف الملفات وهو العرض الذي رفضته السعودية على لسان محمد بن سلمان. هذا التوجه الإيراني يعكس واقعية السياسة الإيرانية وبعدها عن المواقف المتشددة وهو يعكس حنكة سياسية لابد من الإقتداء.

وهنا لابد من وضع زيارات المسؤولين العراقيين وبدعوة رسمية من السعودية ضمن إطارها الصحيح, الا وهو انفتاح العراق على محيطه العربي الذي أدرك مؤخرا فشل سياساته السابقة في عزل العراق تحت ذريعة أنه واقع تحت تأثير النفوذ الإيراني منذ سقوط النظام السابق في العام 2003. فالسعودية اليوم في حالة سباق مع الزمن لبناء علاقات طيبة مع العراق, فعراق اليوم هو ليس عراق الأمس , اذ استعاد قوته وزمام المبادرة وشيئا من هيبته التي فقدها في العام 2014 عندما هيمنت عصابات تنظيم داعش الإرهابي على ثلث أراضيه, واما اليوم فإن للعراق قوات عسكرية لا يستهان بها , واصبح رقما صعبا في المنطقة منذ نجاحه في تحرير مدينة الموصل, ولذا فإن السعودية تسعى لطي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة مع عراق جديد قد يؤرقها كثيرا فيما لو استمرت في موقفها الذي يصل الى حد العداء للعراق . وهو مايفسر الدعوات الرسمية السعودية لمسؤولين عراقيين لزيارتها وعلى العكس من الحكومة العراقية السابقة التي كان يتوسل رئيسها زيارة السعودية لكنه يواجه بالصدود.

كما وإن دور العراق في منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك أصبح مؤثرا بعد ان تجاوز إنتاجه حاجز الأربعة ملايين برميل من النفط يوميا , وهو الواقع الذي يعزز من قناعة السعودية بضرورة الإنفتاح على العراق سعيا للتعاون معه ضمن إطار منظمة الدول المصدرة للنفط فيما يتعلق بخفض الإنتاج. هذا من ناحية وأما من الناحية الأخرى فإن السلطات السعودية على إطلاع بقواعد اللعبة السياسية في العراق وبالخلافات التي تعصف بين القوى السياسية الشيعية على خلفية العلاقة مع ايران. فهي تدرك أن بعض القوى العراقية وخاصة بعض فصائل الحشد الشعبي لا تخفي إرتباطها بإيران وتبعيتها لها وكما صرّح بذلك القيادي أبو مهدي المهندس وتدرك أيضا أن هناك فإن قوى عراقية أخرى أخرى تحاول أن تنأى بعيدا عن ايران وتنتهج سياسة عراقية مستقلة بعيدا عن التوجهات الإيرانية .

وتأتي في مقدمة هذه القوى التيار الصدري ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بل وحتى تيار الحكمة الوطني, وهنا لابد من الإشارة الى ان إنتهاج سياسة وطنية عراقية تراعي مصالح البلد في المقام الأول لايعني العداء لإيران او إدارة الظهر لها, بل إن ذلك خط أحمر وكما صرح بذلك رئيس الوزراء وكما فعل السيد مقتدى الصدر عندما نادى بعض أتباعه بإخراج ايران من العراق قبل أقل من عامين. وحتى السعودية تبدو مدركة ايضا لهذا الواقع خاصة وأن ايران دعمت التغيير الذي حصل في العراق وساهمت مساهمة فعالة في تحرير البلاد من الجماعات الإرهابية سواء عبر الدعم العسكري او الإعلامي أو السياسي , وهو دعم لا نظير له بين جميع دول المنطقة. ولذا فإن كل ما تطمح له السعودية هو طي صفحة الماضي وبناء علاقات بنّاءة مع العراق في وقت تزداد فيه المشاعر العدائية ضدها في المنطقة إثر الحرب على اليمن والأزمة القطرية والتدخل في البحرين وسوريا ومغيرها من الملفات الشائكة.

ولذا فإن وصد البواب بوجه السعودية لايبدو قرارا حكيما ولابد للحكومة العراقية من مد اليد الى السعودية,لأن مثل هذه النوع من العلاقة سيؤهل العراق للعب دور ريادي في حل نزاعات المنطقة. فمعظم النزاعات الجارية تتورط فيها السعودية وايران ولابد من وجود طرف ثالث يحتفظ بعلاقات وطيدة مع كلا الطرفين تؤهله للعب دور الوسيط مستقبلا, ويبدو العراق على هذا الصعيد الطرف الأوفر حظا للعب مثل هذا الدور. ولعل في استقبال محمد بن سلمان لوزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي وهو قيادي في منظمة بدر خير شاهد على ذلك بالرغم من ان الأعرجي من الناحية البروتوكولية لا يمكنه الإجتماع ببن سلمان بل بوزير الداخلية.

وهنا لابد من الإشارة الى ان تخوّف البعض من دق السعودية لاسفين بين بعض القوى الشيعية وايران تبدو غير واقعية, لأن القوى السياسية الشيعية تدرك بان ايران عمقا استراتيجيا لها, وإن اختلفت معها في بعض سياساتها المتعلقة بالعراق وخاصة فيما يتعلق بتحديد هوية رئيس الحكومة العراقية وبعض سياسات الحكومة العراقية التي لابد من أن تكون لها خصوصياتها نظرا لطبيعة العراق وموقعه العربي .

وخلاصة القول أن تعزيز علاقات العراق بالسعودية ستكون له آثار إيجابية على المنطقة في المدى المتوسط واما على المدى البعيد فإن العراق ستكون له اليد الطولى في المنطقة بحكم موارده النفطية وقدراتها البشرية وموقعه الإستراتيجي, لكن كل ذلك يتوقف على حسن إدارة الساسة العراقيين للعبة السياسية وإدراكهم بان محاولة بعضهم إنتهاج سياسة عراقية مستقلة عن ايران لا يعني أن يسقطوا في فخ السياسة السعودية بل أن يتعاملوا مع السعودية ومع جميع الدول من موقع الند للند ودون التضحية بالمصالح والسيادة العراقية لصالح أي طرف في المنطقة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here