كركوك قلب كردستان [ مبحث موجز يتناول كركوك تاريخيا وجغرافيا وسكانيا ] الجزء الأول

مير عقراوي / كاتب بالشؤون الاسلامية والكردستانية
ملاحظتان :
الملاحظة الأولى /
بالأصل كتبت هذه المبحث كرد على مقالة الكاتب العراقي ذو النزعة الشوفينية والحقدية تجاه الكرد سليم مطر عام ( 2003 ) ، والمنشورة في جريدة ( القدس العربي ) التي كان يترأسها يومذاك الصحفي الفلسطيني العروبي عبدالباري عطوان ، لكن جريدة ( القدس العربي ) لم تنشره كاملا ، بل نشرت جزءً صغيراً منه فقط ، وقد إرتأيت نشرالبحث كاملا مع التوسع قليلا فيه .
الملاحظة الثانية / لمحة تاريخية ، جغرافية وسكانية عن كركوك : يقول المؤرخ الكردي المعروف الدكتور كمال مظهر أحمد حول تاريخ مدينة كركوك : ( من الثابت تاريخيا إن مدينة كركوك تم بناؤها من اللولوبيين ، أو من قبل الخوريين ، وهما شعبان أدَّيا دورا أساسيا في تكوُّن الشعب الكردي الحالي ، كما إنهما أقدم شعبين معروفين سكنا كردستان تربطهما صلات حضارية ولغوية قوية .
ورد إسم اللولوبيين ، الذين سكنوا سهلي شهرزور وزهاو مع آمتداداتهما ، ورد واضحا في الكتابات القديمة التي تعود الى الألف الثالث قبل الميلاد . وكما نلاحظ لاحقا إن كركوك دخلت ضمن إيالة شهرزور إداريا ردحا من الزمن ، أي ضمن الوطن الأصلي للولوبيين ، كما آرتبطت بها سياسيا طيلة التاريخ القديم والوسيط والحديث )(1)
ثم يضيف الدكتور كمال مظهر أحمد : ( مما يعزز إحتمال كون اللولوبيين بُناة مدينة كركوك الأولين هو إن إسمها لم يرد في الكتابات السومرية والأكدية ضمن أسماء المدن التي قام ملوك سومر وأكد بتشييدها ، لإذ كان كل ملك من هؤلاء الملوك يسجل عادة إسم أيَّ مدينة تؤسس في عهده ، وبأمره . بل تتوفر نصوص سومرية تؤكد صراحة إن السوباريين ، وهم أيضا من شعوب كردستان الأصليين عاصروا اللولوبيين وأدوا دورا مشابها لدورهم في تكوين الكرد الحالي ، كانوا يعيشون خارج بلاد سومر .
ومن الضروري أن نشير هنا الى أن معظم المدن القديمة الشمالية التي تمتد الى الشرق من نهر دجلة قد تم تشييدها من قبل شعوب المنطقة الأصليين ، أي من قبل شعوب زاغروس ، أو من قبل الشعوب الآرية ، بينما كانت الشعوب السامية تبني مدنها عادة غربي دجلة وآمتداداتها ، إذ أراد حكام تلك الشعوب أن يكون النهر الكبير إحدى أدوات صد هجمات شعوب زاغروس والشعوب الآرية )(2)
يذكر الدكتور نوري طالباني كركوك في المصادر الساسانية والسريانية ، فيقول : ( تعتبر منطقة كركوك الواقعة بين جبال زاغروس ونهري الزاب الصغير ودجلة وسلسلة جبال حمرين ونهر سيروان ,, ديالى ,, ، المنطقة نفسها التي كانت تعرف في العهد الساساني ب :< كَه رمه كان > ، أي بلاد أو موطن ال< كَه رم > ، أي الحار . وتزال التسمية نفسها تُطلق على المنطقة لحد الآن .
ووردت التسمية نفسها في المصادر السريانية تحت إسن < بيث كَرماي > المخفف الى < باكَرمى > ، المعرب الى < باجرمى > ، أو< جرمقان > ، وتعني ال:< كَه رم > ، أي بلاد ال< كَه رم > أيضا )(3)
يذكر الكاتب والمؤرخ والفيلسوف والكاتب المسرحي التركي ، الألباني الأصل ( شمس الدين سامي / 1850 – 1904 ) في كتابه التاريخي والجغرافي والثقافي الشهير ( قاموس الأعلام ) مايلي من الحقائق الهامة والدقيقة عن مدينة كركوك ، وقد طبع هذا الكتاب لأول مرة في إستنبول التركية عام ( 1898 ) ، فيقول عن كركوك بأنها : ( تقع ضمن ولاية الموصل التابعة لكردستان وعلى بعد 160 كيلوميتر من الجنوب الشرقي لمدينة الموصل ، وسط تلال عادية متحاذية وبجانب واد وسيع يسمى وادي ,, آدم ,, ، وهي مركز إيالة سنجاق ,, شهرزور ,, ، ولها من النفوس [ 30000 ] نسمة ، وفيها قلعة و[ 36 ] جامعا ومسجدا و[ 7 ] مدارس و[ 15 ] تكية وزاوية و[ 12 ] خانا و[ 1282 ] دكانا وحانوتا و[ 8 ] حمامات ، إن ثلاثة أرباع الأهالي هم من الكرد ، والبقية من الترك والعرب وغيرهم . ويقيم أيضا في المدينة [ 760 ] يهوديا و[ 460 ] كلدانيا )(4)
مدينة كركوك ووضعيتها خلال العهدين العثماني – التركي والملكي العراقي /
ألف / مدينة كركوك ووضعيتها في العهد العثماني : كانت سياسة الدولة العثمانية – التركية في العهد الأخير منها تقوم على ( تشجيع التركمان والأسر التركية على التوطن في منطقة كركوك ، عن طريق منحهم الوظائف الحكومية والإمتيازات المختلفة . ويكفي أن نشير على سبيل المثال الى منح إمتياز إستخراج النفط من منطقة ( بابا كَركَر ) القريبة من مدينة كركوك الى عائلة [ نفطجي زاده ] التركية بهدف بيعه للأهالي للإستهلاك المحلي .
ولكن العثمانيين لم يعملوا على طرد الكرد من المدينة ، ولم ينكروا الطابع القومي الخاص لمدينة كركوك ، وكونها مدينة يتعايش فيها الكرد والتركمان بالدرجة الأساس ، الى جانب الأقوام الأخرى ، لذلك أسندوا منصب رئاسة بلدية كركوك – وهو منصب حساس يُسند عادة لمن يُمثل الأغلبية السكانية فيها – الى الكرد ، أو التركمان . )(5)
ب / مدينة كركوك ووضعيتها في العهد الملكي : عقب إنشاء الانجليز المملكة العراقية عام ( 1921 ) من ولايتي بغداد والبصرة العراقيتين العربيتين وتعيين فيصل بن الحسين الهاشمي ملكا عليها ، بعدها تم إلحاق وضم ولاية الموصل ، أي جنوب كردستان بالمملكة العراقية بالمملكة العراقية المذكورة الحديثة الانجليزية المنشإ ، وذلك على رغم معارضة الشعب الكردي لهذا الإلحاق والضم القسري فإن الحكم الملكي العراقي وعلى رأسه الملك فيصل الأول كان يداري الوضع الكردي نظرا لحساسيته من جانب ، ولأن الانجليز أوصوه بمراعاة الحقوق الثقافية والقومية للشعب الكردي من جانب آخر ، لكن بالرغم من ذلك : ( فإن معظم الحكومات العراقية في العهد الملكي كانت تشجع العرب على الانتقال الى كركوك للاستقرار فيها ؛ ثم خططت وزارة ياسين الهاشمي في عهد الملك غازي لتوطين عشائر [ العُبيد ] العربية في منطقة [ الحويجة ] .
والجدير بالاشارة إن ثلثي ممثلي لواء [ محافظة ] كركوك في المجلس النيابي العراقي طوال العهد الملكي كانوا من الكرد ، والثلث الباقي من النواب كانوا من التركمان والعرب . وهذا التمثيل في المجلس النيابي العراقي كان يعبِّر الى حد كبير عن حقيقة الحالة القومية في هذا اللواء قبل أن تباشر الأنظمة العراقية منذ بداية الستينات بسياسة ترحيل الكرد عن المنطقة وإسكان العرب فيها )(6)

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here