شكرا كاكه مسعود، وعذرا مام جلال.

باقر العراقي

لم يتغير المشهد العراقي كثيرا بعد وفاة طالباني، الرئيس الأول بتاريخ العراق الحديث “ديمقراطيا”، لأنه ترك الساحة السياسية منذ سنوات بسبب مرضه، لكن تشييع جثمانه، أخذ منحى آخر لم يكن بالحسبان.

من كان له القول الفصل في هذا المنحى المختلف، رئيس الاقليم مسعود البارزاني المنتهية ولايتة، إذ إنه ابى الا أن يكون “جثمان” الرئيس طالباني ايقونة كردية، تعبر عن انفصال الاقليم الصغير، بدلا من أن يكون رمزا وطنيا عراقيا وأقليميا، وحدثا تاريخيا يحتفي به كل العراقيين، كأول رئيس يموت طبيعيا ويشيع بعفوية.

مات طالباني بعد أيام من إجراء الاستفتاء، ويقال بأنه لم يتقبل هذا الحدث، ليس لأنه لا يريد الخير لأهله، ولا لأنه لم يحمل حلم الدولة في قلبه، بل لأن التوقيت خاطئ، وبقاءهم داخل العراق وهم الرأس فيه سياسيا، أضمن للشعب الكوردي أمنيا واقتصاديا واجتماعيا.

طالباني رئيس العراق، وهو عينه الانفصالي الذي خاطب جماهيره عام 1992، ووعدهم بتحقيق دولة كردستان التي تمتد من خانقين مرورا بكركوك وحتى سهل نينوى، وهو ذاته الذي أظهرت سنوات حكمه وجهه الوطني، وأخفت مشاعره الانفصالية، فكانت المشاكل والمعضلات تتكسر بين ثنايا ابتسامته الساحرة، لكن للقدر وقلة رجال الدولة من بعده، جعلته انفصاليا وهو ميت دون أن تكون بيده حيله.

تهمة الانفصال والتقليل من شأن الرئيس، بكونه لا يمثل العراق، للحكومة العراقية يد فيها، لأن كل بروتوكولات العالم لا تقبل تشييع الرئيس إلا في عاصمته وأمام شعبه، وما جرى من تغيير مسار طائرة الخطوط الجوية باتجاه السليمانية بدلا من العاصمة بغداد، ثم تبديل العلم، مثل بظاهره مشاغبة سياسية من قبل بارزاني، لكنها في حقيقة الأمر لحظة تقصير وضعف حكومي، ونقطة ملونة في تاريخ العراق السياسي، وهي إهانة لأول رئيس ديمقراطي للعراق الحديث.

إستفتاء 25 أيلول جعل الأحداث تتسارع، وردات الفعل تتوسع من قبل حكومة المركز ودول الجوار، مما جعل مسعود بارزاني يهرب للامام بأتخاذه خطوات تصعيدية أخرى كتبديل العلم، للتخفيف من آثار الاستفتاء السلبية، كالتهديد العسكري من ثلاث جهات، والحصار الاقتصادي وغلق المنافذ وتجميد عمل المطارات، وتعاملات البنك المركزي.

هذه الإجراءات كانت متأخرة، ولم تظهر للوجود لولا الاستفتاء، فالاقليم تمدد كثيرا وكثيرا على حساب الدولة العراقية، وعلى حساب الدستور والمكونات، وبعلم من الحكومات السابقة بل وبإتفاق مكتوب وأمام الملأ في ما يسمى بإتفاق أربيل المشؤوم.

ونتيجة لتلك الاتفاقات والوهن الحكومي جاء الاستفتاء، وبتعنت من قبل مسعود بارزاني، لكن الاستفتاء أيقظ الحكومة من غفوتها التي دامت أربعة عشر عاما، وجعلها تفكر بطريقة مختلفة، فشكرا كاكه مسعود لأنك أنهيت سبات حكومتنا الطويل، وعذرا مام جلال لأن حكومتنا قصرت بحقك وجعلت تشييعك انفصاليا لا وطنيا.

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here