عالم المعرفة، لغتنا العربية والشعارات !

(*) د. رضا العطار

في الادب العربي القديم توجد بعض المفردات : كالمروئة والشهامة والفتوة، تصحّ كل واحدة ان تكون شعارا ننضوي اليه، وعلى هذا النحو يمكن تأسيس جمعيات تدعى مثلا – جمعية المروئة – او – جمعية الشهامة – او – جمعية الفتوة – وندعو الشبان والفتيات الى اتخاذ المبادئ التي تنطوي عليها كل من هذه الشعارات.
واي شئ هو اثمن في اية لغة في العالم من ان تحمل كلماتها المبادئ الاجتماعية السامية التي تنظم بها المجتمع ويسير بها افراده عفو قلوبهم سيرة الشرف والاستقامة والطيبة.
والامة المتطورة تحتاج الى كلمات جديدة تحمل لها الهدايا العصرية والاهداف الاجتماعية. كلمات تمتاز بالايحاء الذي يحيل المجتمع الموّات الى مجتمع حي يقظ، كلمات يحس الفرد نشوتها بل يتأثر بكيميائها.

ينبغي ان اقول اننا نحن في العراق قد قطعنا شوطا كبيرا في هذا الميدان، فأخترعنا الكلمات التي توجّه وتُرشد… انظر الى هذه الكلمات : وطنية، عائلة، شخصية، مجتمع، ثقافة. تطور، عالمية، تجديد، تقدم، فأنها جميعها كلمات حيوية تؤدي وظائف فسيولوجية في المجتمع الحي. وليس في المعاجم العربية ما يشير الى معانيها العصرية. ولكننا نحن الصقنا معنى جديدا بكلمة قديمة، كما فعلنا في (ثورة) فان الكلمة المألوفة في كتب العرب هي (فتنة) وهي كلمة كريهة، تستعمل فقط من قبل السادة الغاضبين، ولا تدل على شعور الشعب الناهض الغاضب.

فالمؤرخ الذي يكتب عن الثورة الفرنسية، اذا كان ملوكيا، فانه يصفها بانها (فتنة باغية) على العرش. واذا كان ديمقراطيا، فانه يصفها بانها (ثورة عادلة) قام بها الشعب في انتقال اجتماعي خطير. وان استعمالنا لمصطلح ثورة بدلا من فتنة، يوحي لنا معنى اجتماعيا انسانيا ساميا.

وقد وضعنا نحن عبارة – وطنية – لكي تقرر بها احساسا جغرافيا جديدا يناقض الاحساس الثيوقراطي القديم الذي كان يعم العالم العربي بل اوربا في العصور الوسطى.
وكذلك وضعنا لفظة – عائلة – فإن في هذه الكلمة من القوة السيكولوجية ما يسير بنظام المجتمع نحو الصلاح. انظر الى كلمة – الشخصية – فإنها من الكلمات التي تُخصب المجتمع وتحفز الفرد الى الرقي والتطور. اما في كلمة – مجتمع – نجد معنى عصري واضح لم يكن يستطيع الحاكمون زمن المماليك يفهمونه، حين كانت ميزات القوة والسيطرة بيد المتجبرين العثمانيين. اما عن كلمة – التطور – و – ثقافة – فكلتاهما تعين اسلوب الحياة للمجتمع، تفتح له ابواب الرقي والتجديد وتصد الرجعية والجمود.

هناك عبارات مثل هذه الكلمات لها قوة التحريك الاجتماعي ويجب ان يكون اهتمام الاديب الاكثار منها حتى يألفها الجمهور فينصبها اهدافا لكي يصل عن طريقها الى التجديد والتقدم.
انظر الى قولنا – الدولة الايجابية – اي الدولة التي تعمل للرقي والبناء ولا تقتصر على ان تكون سلبية، لكفالة الامن العام فقط كما كان الرأي في القرن التاسع عشر
او انظر الى قولنا – القحط محرك الوفرة – فإن في هذه العبارة مفتاح الفهم السديد لنظام الانتاج الحاضر في اوربا والولايات المتحدة.
او انظر الى تسمية الاعضاء التناسلية عندنا، ألم نكن موضوعيين اكثر لو سمّيناها اعضاء الخلود البشري، بدل كلمة عورة ؟ علما ان التعبير المقترح يحمل من المعنى السامي للأنجاب.
او انظر الى قولنا – ادب الكفاح وادب التفرج – وقيمة هذه العبارات في الادب وعلاقته بالمجتمع، او انظر الى عبارة – البيئة والوراثة في التربية – فان فيها ما يبعث على الدراسة والتأمل.

لقد قيل قديما ان لكل نبي رسالة، وهذا كلام حسن ولكن لم لا يكون لكل انسان رسالة : في الخير والشرف والمجد ؟ — هذه جميعها كلمات وعبارات، بل محركات اجتماعية، كل كلمة منها شعار يرقى الى التغيير نحو الاحسن، كأنه راية الجهاد للدفاع عن الذكاء والاخلاق والدعوة الى الخير.
(*) مقتبس من كتاب البلاغة العصرية واللغة العربية لسلامه موسى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here