ما نوع المنافع الاقتصادية التي سيوفرها اللقاء العراقي – السعودي للبلدين؟

محمد رضا عباس
العراق بلد زراعي قادرا على ان يوفر الطعام الى المائدة العربية لو توفرت للقطاع الخدمات الضرورية له من بذور واسمدة وماء وإصلاح أراضي وطرق عامة ومخازن ومحطات تصليح وادامة المكائن الزراعية وارشادات زراعية للفلاح العراقي. الفلاح العراقي يحتاج كل ما اسلفناه , لان القطاع الزراعي على الرغم من قدرته الإنتاجية الهائلة , الا ان هذا القطاع عمليا ترك واهمل منذ ما يقارب 30 عاما , خلال فترة الحصار الاقتصادي العالمي الذي ضرب على العراق جراء احتلال صدام حسين دولة الكويت , الجارة , واهماله , بقصد او بدون قصد , بعد التغيير . بعد التغيير بدا العراق يعتمد في غذائه على الاستيرادات حتى وصل الامر استيراد الطماطة والباذنجان والبطيخ.
السعودية , من جهة أخرى , تفتقر الى الأراضي الزراعية في ظل زيادة سكانية كبيرة , والذي يترجم الى الزيادة على الأغذية بكل أنواعها , ومنها المنتوجات الزراعية. المملكة العربية السعودية بلد نفطي واستطاع خلال الأعوام الماضية من جمع ثروات هائلة , قد تصل الى نصف ترليون دولار , وهي ثروة ,العراق في حاجة لها خاصة وان وجود داعش العسكري في طريقه نحو التلاشي والمناطق المحررة من سطوته تحتاج الى المليارات من الدولارات لإعادة اعمارها.
اذن , السعودية لديها المال , العراق لدية الأرض الصالحة للزراعة وخبرة الاف السنين في الزراعة . السعودية في حاجة متزايدة للمنتوجات الزراعية بسبب الزيادة السكانية , العراق قادر على توفير ما تحتاجه السعودية من المنتوجات الزراعية ان توفرت له المكانيات الكافية للصرف على هذا القطاع. في مثل هذه الحالة فان تعاون العراق والسعودية سوف لن يكون طرفا خاسرا واخر رابحا وانما سيربح البلدين من هذا التعاون , بناءا على نظرية الاقتصادي الإنكليزي ادم سميث , المنفعة المتبادلة. السعودية تستطيع ان تنتج الحنطة , على سبيل المثال, ولكن ستكون كلفة انتاج الطن الواحد من الحنطة ثلاث اضعاف كلفة الحنطة المنتجة في العراق وعليه فمن المعقول ان تستورد السعودية الحنطة من العراق. بالمقابل , توجد هناك وفرة في رأس المال في السعودية ونقص شديد له في العراق (الازمة المالية بسبب انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية و تركيز العراق على محاربة داعش) , وعليه يصبح من المعقول ان يستورد العراق رأس المال السعودي من اجل تمشية حاجات التنمية الاقتصادية في البلاد.
وهكذا يستطيع العراق من زيادة انتاجه الزراعي بمساعدة رأس المال السعودي , وتستطيع السعودية توفير المنتجات الزراعية العراقية للمواطن السعودي بالكمية والنوعية التي تريدها . ما منفعة هذا التعاون للبلدين؟ السعودية في هذه الحالة ستجني أرباح كبيرة على رأسمالها المشغل في العراق بدلا ان يجلس عاطلا بدوم فائدة او فائدة قليلة مع مخاطر عظيمة , والعراق سوف يستفيد من استخدام الأراضي الزراعية المتروكة , وتوفير الملايين من فرص العمل للمواطن العراقي ولاسيما في المدن الزراعية .
لا يخفى , ان المستوى المعاشي في السعودية اعلى من العراق , ولكن هل سيبقى هذا التفاوت مالا نهاية ؟ الجوب هو لا , حسب النظرية الاقتصادية . في الأمد البعيد , فان كثرة الطلب على الايدي العاملة العراقية ( الاعمال الزراعية و التابعة لها ) بسبب زيادة الطلب الداخلي والخارجي على المنتوجات الزراعية سوف يؤدي الى زيادة في أجور العاملين في هذا القطاع . و بالمقابل , فان زيادة الطلب على رأسمال السعودي سوف يزداد مما يؤدي الى ارتفاع الفائدة عليه . وفي النهاية فان سعر الفائدة على رأسمال سوف تساوي الأجور , وبذلك فان إنتاجية كلا عاملي الإنتاج ( العمل و رأسمال ) ستكون متساوية وستكون الأسعار في كلا البلدين متطابقتين , ويصبح المستوى المعاشي بين البلدين متساويين أيضا .
السناريو أعلاه تفترض على ان العالم بأجمعه يتكون من بلدين وهما العراق والسعودية. وهذا غير صحيح. وبذلك , فان مع معقولية نظرية الاقتصادي ادم سميث , الا ان هناك عوامل كثيرة قد تؤثر على التنمية الاقتصادية في كلا البلدين حتى مع الانفتاح ما بينهما ومنها التطورات في التكنولوجيا , المنافسة العالمية على الأسواق العربية , النزاعات في المنطقة , و الخلافات السياسية في البلد الواحد . ولكن مع هذا فانه لا يمكن نفي فوائد التعاون السعودي العراقي على أبناء البلدين والمنطقة.
هل نتوقع ان يصبح العراق قوة صناعية في العالم بعد زيارة السيد حيدر العبادي الى السعودية؟ الجواب هو لا. العراق سوف لن ينافس الولايات المتحدة الامريكية في صناعة طائرات نقل الركاب , ولا اليابان في صناعة السيارات , ولا ايران في صناعة السجاد و زراعة الفستق, ولا سويسرا في صناعة الاجبان , وفرنسا بصناعة النبيذ الفاخر , و المانيا في صناعة الادوية والصناعات الكهربائية الدقيقة . ولكن العراق والسعودية سيربحان كثيرا من التعاون الاقتصادي بينهما. السعودية لديها المال الكافي لإعادة اعمار العراق , حيث يحتاج العراق الى ما يقارب 3.5 مليون وحدة سكنية , وإعادة الحياة الى القطاع الزراعي . وصدقوني ان التركيز على هاذين القطاعين سوف يقضي على البطالة في العراق , بل سيجعل العراق مستوردا للعمالة , القضاء على جملة من المشاكل الاجتماعية التي أساسها الفقر وعدم وجود فرص للعمل , حماية الثروة الوطنية , والاهم سيكون النظام العراقي نموذجا ناجحا في الشرق الأوسط. من طرف السعودية , فان الاتفاق مع العراق سيوفر لها امدادات غذائية بدون انقطاع وبالنوعية العالية . السعوديون يحبون الاكل اللذيذ وسوف يجدون ضالتهم في الإنتاج الزراعي في العراق. إضافة الى ان الاستثمار المال السعودي في العراق استثمار مضمون خالي من المخاطر. الاستثمار في أوربا وامريكا يخطأ ويصيب , وبكل اسف يخطا من الجانب العربي, حيث خسر العرب المليارات بسبب سوء اختيار الاستثمار الخارجي , ولكن الاستثمار في العراق مضمون بدون خسارة , بل سيكون العائد على الاستثمارات الأجنبية عاليا جدا نسبة الى عوائد الاستثمارات في أوربا وامريكا . الاحصائيات تذكر ان نسبة العوائد على راس المال في الشرق الأوسط ما بين 12 و20% , فيما تكون العوائد في أوربا وامريكا ما بين 5 و7%. والاهم ان التعاون الاقتصادي بين بلدان الشرق الأوسط بدون ادنى شك سوف يخفف من حدت الخلافات السياسية بين البلدان , لان الاقتصاد فوق السياسة كما يحب ان يبشروا به السياسيون الجدد.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here