اضواء على الدولة الفاطمية ح7 (*) الحلقة الاخيرة !

د. رضا العطار

كانت العلاقات الدبلوماسية بين الدولة الفاطمية والدولة البيزنطية في حينها علاقات حسنة، وعندما اشتدت وطأة القحط في ربوع وادي النيل اثناء المحنة الكبرى فاتح الخليفة الفاطمي امبراطورها قسطنطين السابع وافهمه حاجته الى الغلال والمؤن فأستجاب العاهل الرومي لطلب الخليفة واعد المواد الغذائية بغية شحنها الى ميناء الأسكندرية في مصر لكن الأمبراطور مات قبل تنفيذ الأتفاق وخلفته الأمبراطوره ثيودور التي اشترطت لأرسال المؤون ان يمدها الخليفه الفاطمي بالجند لمحاربة السلاجقة المسلمين المتحشدين على حدود مملكتها , فأغتاظ الخليفة الفاطمي غضبا شديدا والغى الأتفاق وانقطعت العلاقات بين الدولتين وتشنجت.

وفي عام 564 للهجرة بدأ الصليبيون يهددون مصر بالغزو وذلك في عهد الخليفة الفاطمي العاضد بالله الذي ايقن انه لا قدرة له على مقاومة الصليبين والصمود في وجه الزحف البيزنطي، فلم يتردد في ان يضع خلافته وملكه وكل كيانه في ايدي قوى اسلامية يعرف عنها مطامعها ويدرك اهدافها, لذا ارتأ الخليفة ان يسلمها للسلاجقة الأتراك طالما يستطيعون دفع الصليبين عن مصر وبذالك اقدم على تضحية ليس لها نظير في التاريخ, فقد قام الخليفة بقص شعر نساء قصره وارفقه بكتاب مناشدة قائلا: نسائي يستغثن بكم لتنقذوهن من الأفرنج , وطلب من الأتراك السلجوقيين ان يأتوا ويحتلوا بلاده، وبذالك وضع الخليفة الفاطمي النهاية الأليمة والموجعة لدولته العظيمة.

فتقدم القائد السلجوقي صلاح الدين الأيوني على رأس جيش جرار الى مصر وحطم كيان الدولة الفاطمية ,كان هدفه انتزاع العقيدة الأسماعيلية من اذهان المصريين,
لكنه قضى على الحضارة والتراث والثقافة بكل ما اوتي به من حزم وحقد دفين.

وفي اعقاب السقوط برزت في مصر ثلاثة فرق, الأولى بقيت محافظة على مذهبها الأسماعيلي المكتسب والثانية رجعت الى مذهبها القديم و الثالثة انتهجت طريق الأنتهازية وبدوا يتقولبون مع الوضع السياسي الجديد بهدف نيل المناصب والأموال.
لقد انقسم الشعب المصري على نفسه بين مؤيد للأيوبين وحركتهم الأنتقامية في ابادة الفاطميين وبين متمسك بعقيدته نادبا الماضي المجيد
والجدير بالذكر انه كان في ظل الدولة الفاطمية عدد كبير من الشعراء العلويين وقد حفظ التاريخ بعض قصائدهم التي تفوح منها العاطفة الفاطمية وعلى سبيل المثال يقول الشاعر ابن العباس العزازي :

ولا اضمرت حب بني علي * * اناس ادركوا امد المعالي
فتقت لطايم المسك الزكي * * ابوهم ذو الجلالة من قريش
وذو النسب الصحيح من النبي * * خلافا للفريق الجاهلي
وضارب يوم صفين وبدر * * كأصلهم وفرعهم الزكي

ويقول الشاعر ابن تواق :

اهل بيت الله ان طهره * * فجميع الرجس عنهم في انتزاع
تشرق الأنوار في ساحاتهم * * ضوئها يربو على ضوء الصباح
ال طه لو شرحنا فضلهم * * رجعت بنا الصدور في انشراح
انتم اعلى واغلى قيمة * * من قريضي وثنائي وامتداحي

وبعد ان وصلت الحياة العلمية والأدبية والفنية في الدولة الفاطمية ذروتها، دمرها عساكر المحتل , فقد ازالوا التراث العربي الأسلامي للدولة الفاطمية واضاعوا الأدب ولم يبق منه غير اسم الأديب كما عبثوا بالعلوم ولم يبق منها غير اسم العالم ونحن لا نتردد في اتهام الأيوبين بجناياتهم على التاريخ الأدبي والفني المصري لتعمدهم على محو التراث والحضارة، فقد احرقوا الكتب النفيسة ورموها في النيل بعد ان خلع جنودهم الجلود من على الكتب والبسوها على اقدامهم, نعم لقد كان الهجوم الهمجي الأيوبي على الديار المصرية مروعا ومن يستعرض سعة الدمار والخراب التي لحقت ببغداد عند سقوط الدولة العباسية عام 1258 على ايدي المغول الوثنيين، يستذكر ما اصاب القاهرة ومعالمها الحضارية من دمار وخراب على ايدي الأيوبين المسلمين قبل قرنين ونصف من هذا التاريخ.

هكذا ضاعت كنوز العلم والمعرفة على يد صلاح الدين الأيوبي , على يد التعصب الطائفي المقيت، فمنذ الساعة الأولى من دخولهم مصر بدوا في ابادة الفاطميين وتهديم مؤسساتهم الثقافية، الحكومية منها والأهلية، والتي برقيها وازدهارها توجت الحضارة المصرية عصرها الذهبي .
هكذا زالت الدولة الفاطمية من الوجود بعد ان غرست في ارض مصر حضارة انسانية متقدمة تجلت بالخصب والعطاء .

* مقتبس بتصرف من كتاب دائرة المعارف الاسلامية الشيعية لحسن الامين , المجلد الرابع , الطبعة الاولى , بيروت 1990

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here