تأملات فلسفية حول الأسرة الأمريكية، ح4

* بقلم د. رضا العطار

ان للبكارة في رأي المرأة الأمريكية مفهوم روحي وليس جسدي. لذا تحث الكنائس و المعابد الدينية الاخرى فتيات المجتمع في الولايات المتحدة بان يحافظن على عفتهن، موضحة لهن بأن رمز هذه العفة، هي البكارة، وعليهن ألاّ يضحّين بها.
وكاتب السطور يقول : وما حيلة الفتاة الغضة ؟ انها كالفراشة الزاهية، من طبعها ان تحوم حول الجنبذة الطرية، وهي في سرور عطرها الفواح، يداهمها الشاب الفتان، يخامرها بفنون أغراءه، ثم يضفي اليها زيف إدعائه بالزواج، فتقع البنت اسيرة في قبضة الطنان اللحوح، خاصة لو طوتها الخمرة بسحرها !

يقول كاتب السطور : عندما قدمت الى لوس انجلس عام 1983 تعرفت عن طريق الصدفة على زميل امريكي, انه كان شابا وسيما، حسن التقاسيم، في الثلاثين من عمره، مهذبا ومتزنا في كلامه، منشغلا في اكمال دورة اختصاصه. كنا نلتقي وقت الغذاء عادة في الكافيتريا الخاصة للمستشفى الجامعية لأمراض العيون، نتجاذب اطراف الحديث، انه كان مولعا بتاريخ الشرق العربي، وتقاليده، وقد حملنا الحديث يوما بصورة عفوية الى موضوع الزواج وموقع البكارة فيه، لكنه صعقني بالقول عندما افصح لي انه يمقت الزواج من فتاة باكر. وعندما سألته عن السبب أجاب : ( لأنها تفتقر الى التجارب الجنسية، فهي في نظري غير مؤهلة للزواج ! ) .
فساورني الشعور بالأشمئزاز، وتردد في سمعي صدى الأية القرآنية الكريمة :
(يحفظن فروجهن)، واتضح لي السبب الذي يجعل المسلم يتباهى بدينه ! نعم، ان من حقه ان يتباهى، فالأسلام، رفع راية الحياء، حياء المرأة عاليا، منذ بزوغ فجره. فمعظم مشاكل الحياة الاجتماعية في الغرب، سببه فلتان العلاقات الجنسية بين افراده، والامتهان بجلال حشمة المرأة وبالتالي الامتهان بقيم الحياة السامية.

وبينما كنت اضطرم عاطفية، خطرت ببالي ذكريات الخمسينيات من القرن الماضي، عندما كنت طالبا في كلية الطب بجامعة برلين في المانيا. فقد تراءت امام عيني صورة استاذي الجليل البروفيسور (ميكولج) في درس النسائية عندما اصطحب معه الى قاعة الدرس فتاة وطلب منا نحن الطلاب ان نصفق لها دون ذكر السبب. بعد ذلك طلب الاستاذ من الفتاة بمغادرة القاعة والرجوع الى ردهتها بعد ان شكرها على حضورها. ثم بدأ يسرد لنا هذه القصة الطريفة فقال :

( انني كما تعلمون اعزائي الطلاب على ابواب التقاعد بعد ان امضيت زهاء خمسين عاما في التدريس وفي طب الولادة و الامراض النسائية ، لم اشاهد خلالها فتاة وصلت بعمر هذه الانسة التي شاهدتموها وهي لا تزال محتفظة ببكارتها، ان عمرها الان 26 سنة، فتصوروا ! سبب مراجعتها مستشفانا، اوجاعها الدورية اثناء العادة الشهرية.
اني في الواقع عندما اكشفت هذه الحقيقة اثناء فحصها، خطر ببالي المزايا الحميدة في الدين الاسلامي الذي يؤكد بزيادة مفرطة على عفة المرأة ! بينما نحن المسيحيون متهاونين في الحفاظ على عذرية فتياتنا، فنهبها الحرية المطلقة في اوسع ابوابها، وهنا تكمن كل اسباب مشاكلنا الاجتماعية.
واضاف الاستاذ ميكولج قائلا :

اني ارى نفسي ملزما ان اخرج قليلا من صلب الموضوع والولوج في حقل علم النفس،
لا يخفى عليكم ان الحب الاول الفطري لدى الفتاة ليس ذلك الذي تشاهدونه في الافلام السينمائية. او في القصص الغرامية، انما ذلك الذي تحس به الفتاة بعد المضاجعة الاولى مع الرجل. وهذا الحب الذي ظهر، سوف يلازم عواطفها مدى الحياة ولن تنساه بل وتحنً اليه، حتى لو اقترنت بالزواج من شخص آخر وبقيت تتغنى بالسعادة المنشودة.
وهنا تكمن الاسباب الحقيقية لكثرة الخيانات الزوجية في مجتمعاتنا الغربية )

في الواقع، اذا اردنا معرفة معيار الحشمة عند المرأة عموما, علينا ان نعود الى بدايات قصة ادم وحواء التي تتكرر، لتذكرنا دوما ( بضلال ) حواء التي سببت طردنا من الجنة. وعلى اثر ذلك نسب الى النساء ( الطالحات ) انهن ارتكبن الخطيئة الاولى. ولا يزالون يذكّرونها، بغية مضاعفة الجهود لكي يصبحن ( صالحات ).
لقد اظهرت الدراسات الانثروبولوجية ان للسيطرة الذكورية على النساء جذورا عميقة جدا، ترسخت في اسس ثقافتنا البشرية .

فثمة اساطير ظهرت عبر تاريخ الانسان، اثبتت أن الحضارات المجاورة كانت في زمن ما قبل المسيح بألاف السنين قد تضمنت مواضيع مماثلة لما ورد في النصوص السومرية. ففي الماضي السحيق لم يستطع الرجال المطالبة بذريتهم الا بالتحقق من هوية المرأة والانجاب، كما انهم كانوا غير قادرين في المطالبة بهم كملك شرعي خاص، وان لهم عليهم حقوقا اذ ان الجنسين لم يكونا مُحدّدين كماهي الحالة المألوفة عندنا اليوم.
الحلقة التالية في الاسبوع القادم !

*مقتبس من كتاب (النساء والحب) لشير هايت، ترجمة فؤاد جديد، دار المدى للنشر والثقافة، الطبعة الاولى، بيروت 1997 .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here