موضوع حول نزول ادم ع الى الارض

نعيم الهاشمي الخفاجي
استندت في الكتابة عن الموضوع الى اﻵيات القرآنية واراء المفسرين وعلماء الحديث وخصصت باب الى قول الامام علي ع قوله هو الفصل والمؤكد حول خلق ادم ونزوله الى الارض، لمناقشة ان قرار اخرج ادم ع متخذ سلفا لكن الطريقة لربما تكون مختلفة لولا حدوث المعصية وخصصت جزء من كلامي حول قول الامام علي ع حول خلق ادم ع علي بن ابي طالب ع الوحيد من بين المتكلمين لم يستند الى كتب حديث وانما يتحدث وبثقة قوية وكأنه كان موجودا، الف طز والف لعنة لمن وقف موقف مخزي ومعادي ضد من وقف ضد خيار الله سبحانه تعالى واوامر نبي الاسلام محمد العظيم صلى الله عليه وسلم من تنصيب الامام علي ع والخلفاء من بنية قادة على اﻹمة، تناولنا اية خلق ادم ع ونزوله الى الارض من خلال ثلاثة فصول كانت حصة ابو الحسن ع فصل منها.

الباب اﻷول

نبدء بحثنا هذا في الباب اﻷول من البحث عن فلسفة خلق ادم فلسفة خلق ادم قصَّة الخلق، لذلك سوف نقوم في سرد اﻵيات الكريمة ونبدأ في سورة البقرة قال الله تعالى في كتابة الكريم {وإذ قال رَبُّكَ للملائِكَةِ إنِّي جاعلٌ في الأَرضِ خَلِيفَةً قالوا أتَجْعَلُ فيها مَن يُفْسِدُ فيها ويَسْفِكُ الدِّمَاءَ ونحن نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ونُقَدِّسُ لك قال إنِّي أعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ(30) وعَلَّم آدَمَ الأسمَاءَ كُلَّهَا ثمَّ عَرَضَهُم على الملائِكَةِ فقال أنبِئُونِي بأسماءِ هؤلاءِ إن كُنتُم صَادِقِينَ(31) قالوا سُبحَانَكَ لا عِلمَ لنا إلاَّ ما عَلَّمتَنَا إنَّكَ أنت العَلِيمُ الحَكِيمُ(32) قال ياآدَمُ أنبِئْهُم بأسمائِهِم فلمَّا أنبَأَهُم بأسمائِهِم قال ألم أقُل لكم إنّي أعلَمُ غَيبَ السَّمواتِ والأَرضِ وأعلَمُ ما تُبدُونَ وما كنتُمْ تَكْتُمُونَ(33) وإذ قُلْنَا للملائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إلاَّ إبليسَ أَبَى واسْتَكْبَرَ وكان من الكَافِرينَ(34) وقُلْنَا ياآدَمُ اسكُنْ أنتَ وزَوْجُكَ الجَنَّةَ وَكُلا منها رَغَداً حيثُ شِئْتُمَا ولا تَقْرَبَا هذه الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا من الظَّالِمينَ(35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عنها فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فيه وَقُلْنَا اهبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ولكم في الأَرضِ مُستَقَرٌّ ومَتَاعٌ إلى حِينٍ(36) فَتَلقَّى آدَمُ من ربِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عليه إنَّهُ هو التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(37)}.سورة الأعراف وقال أيضاً: {ولقد خَلَقنَاكُم ثمَّ صَوَّرنَاكُم ثمَّ قُلنَا للملائِكَةِ اسجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إلاَّ إبليسَ لم يكن منَ السَّاجِدِينَ(11) قال ما مَنَعَكَ ألاَّ تَسجُدَ إذ أمَرتُكَ قال أنا خَيرٌ منهُ خَلَقتَنِي مِن نارٍ وخَلَقتَهُ مِن طِينٍ(12) قال فاهبِط منها فما يكون لك أن تَتَكَبَّرَ فيها فاخرج إنَّكَ منَ الصَّاغِرِينَ(13) قال أَنْظِرني إلى يوم يُبعثون(14) قال إنَّك من المُنْظَرين(15) قال فَبِمَا أغوَيتَنِي لأَقعُدَنَّ لهم صِراطكَ المُستَقِيمَ(16) ثمَّ لآتِيَنَّهُم من بين أيدِيِهم ومن خَلفِهِم وعن أيمَانِهِم وعن شَمَائِلِهِم ولا تَجِدُ أكثَرَهُم شَاكِرِينَ(17) قال اخرجْ منها مَذؤُوماً مدحُوراً لَمَن تَبِعَكَ منهم لأملأَنَّ جَهَنَّمَ منكم أجمَعِينَ (18)وياآدَمُ اسكُنْ أنتَ وزَوجُكَ الجَنَّةَ فَكُلاَ من حيثُ شِئتُمَا ولا تَقرَبَا هذه الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا من الظَّالِمِينَ(19) فَوَسوَسَ لهما الشَّيطَانُ لِيُبدِيَ لهما ما وُورِيَ عنهما من سوْءَاتِهِمَا وقال ما نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عن هذه الشَّجرةِ إلاَّ أن تَكُونَا مَلَكَينِ أو تَكُونَا من الخَالدينَ(20) وقَاسَمَهُمَا إنِّي لكما لَمِنَ النَّاصِحِينَ(21) فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فلمَّا ذَاقَا الشَّجرةَ بَدَت لهما سَوءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخصِفَانِ عليهِمَا من وَرَقِ الجَنَّةِ ونَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَم أَنهَكُمَا عن تِلكُمَا الشَّجرةِ وأقُل لكُمَا إِنَّ الشَّيطَانَ لكما عَدُوٌّ مبِينٌ(22) قالا رَبَّنَا ظَلَمنَا أَنفُسَنَا وإِن لم تَغفِر لنا وتَرحَمنَا لَنَكُونَنَّ من الخَاسِرِينَ(23) قال اهبِطُوا بَعضُكُم لِبَعضٍ عَدُوٌّ ولكم في الأَرضِ مُستَقَرٌّ ومَتَاعٌ إلى حينٍ(24) قال فيها تَحيَونَ وفيها تَمُوتُونَ ومنها تُخرَجُونَ(25)}سورة الحجر وقال أيضاً: {ولقد خَلَقْنا الإنسان من صَلصال مِن حَمَأٍ مَسْنُون(26) والجَانَّ خَلَقْناه من قبلُ من نارِ السَّموم(27) وإذ قال ربُّك للملائِكَةِ إنِّي خَالقٌ بشراً من صَلصالٍ من حَمأٍ مَسنون(28) فإذا سوَّيتُه ونَفختُ فيه من روحي فَقعوا له ساجدين(29) فَسَجَد الملائِكةُ كُلُّهُم أجمعون(30) إلاَّ إبليس أَبَى أن يكون مع السَّاجدين(31) قال ياإبليس ما لك ألاَّ تكون مع السَّاجدين(32) قال لم أكن لأسجدَ لبشرٍ خَلَقْتَهُ من صَلصالٍ من حَمأٍ مَسنون(33) قال فاخرج منها فإنَّك رجيم(34) وإنَّ عليك اللَّعنةَ إلى يومِ الدِّين(35) قال ربِّ فَأَنظِرني إلى يومِ يُبعثون(36) قال فإنَّك من المُنْظَرين(37) إلى يومِ الوَقتِ المَعلوم(38) قال ربِّ بما أغْويتَني لأُزيِّننَّ لهم في الأَرض ولأُغْوينَّهم أجمعين(39) إلاَّ عِبادكَ مِنهم المُخْلَصين(40) قال هذا صراطٌ عليَّ مستقيم(41) إنَّ عبادي ليس لك عليهم سلطانٌ إلاَّ منِ اتَّبعك من الغَاوين(42) وإنَّ جهنَّمَ لَموعِدُهُم أجمعين(43) لها سبْعةُ أبوابٍ لكلِّ بابٍ منهم جُزءٌ مَقسوم(44)}. الله تعالى هو الخالق المبدع، وهو الواسع العليم، الحكيم الفعَّال لما يريد، خلق الأرض ثمَّ خلق آدم، ووضع لكلٍّ منهما نواميس وقوانيين وموازين تتلائم لكي تكون هذه اﻷرض صالحة لحياة آدم على الأرض، وميز الله سبحانه وتعالى هذا المخلوق، واطلع الله لآدم أسماء الأشياء كلِّها {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} إشارة دقيقة وصريحة إلى قدرة الإنسان على الوصول إلى درجات عليا من المعرفة والكمال، وإلى أهميَّة العلم وضرورته للحياة الإنسانية حسب المنهج الإلهي، الله اعطى الى مخلوقه الجديد آدم القدرة على الكلام منذ خلقه وعلَّمه {قال ياآدم أنبِئْهُم}، كرَّم الله الإنسان المؤمن بالله، الممتثل لأمره، على سائر مخلوقاته بما فيهم الملائكة والجن، ولذلك أمرهم الله بالسجود لأبي البشريَّة آدم عليه السلام سجود تكريم وتقدير، للروح الإلهية المودعة فيه، وللعلم الَّذي أكرمه الله به، فسجدوا إلا إبليس أبى، دأْبُ الملائكةِ وشغلُهم الشاغل التسبيح لله، وتنزيهه عن كلِّ ما لا يليق بذاته القدسيَّة، عرض الله تعالى علينا في الآيات السابقة صورتين متشابهتين في البداية متعارضتين في النِّهاية، هما صورتا آدم المذنب الذي اذنب لكي ينزل الى اﻷرض لينفذ وعد الله سبحانه وتعالى اليه، وإبليس المتمرِّد. فاشتركت الصورتان في أنَّهما تمثِّلان مخالفة لأمر الله تعالى، إلا أنَّ الأولى انتهت باعتراف آدم بذنبه وطلبه الصَّفح والغفران من الله تعالى، بينما انتهت الثانية بإصرار إبليس على ذنبه وتماديه في غيِّه، ولذا فقد نال آدم العفو والمغفرة من الله الغفور الرحيم، واستحقَّ إبليس الوعيد والعقاب من الله الشديد العقاب، وهكذا فالبشر جميعاً لهم مطلق الاختيار في اﻷخذ او تجنب سلوك ابليس هذه الحياة ولاشكَّ أنه سينال الجزاء الَّذي يتناسب مع اختياره، من تواضع لله رفعه، ومن تكبَّر عليه وضعه، إن الله عزَّ وجل يقبل التَّوبة من عباده المنيبين إليه، ويحفُّهم برحمته إن كانوا صادقين في الرجوع إلى بابه، ملتزمين بآداب التوبة بين يديه، خلق الله تعالى الأرض وأودع فيها ما شاء من أسباب الحياة والنعيم، فأبدع خلقها وأحسنه، وكانت الملائكة ـ بتسبيحها وتقديسها لله تعالى ـ ترى لنفسها مكانة خاصَّة عنده، فلما خلق آدم بيده ونفخ فيه من روحه، أخبر الملائكة أنه سيجعل من هذا المخلوق خليفـة له في الأرض، فـتـعجَّبوا من أمر استخلافه عليها بعد أن أدركوا ـ بعلم الله ما سيكون عليه حال ذريَّة آدم من فساد في الأرض وسفك للدِّماء، وعلى الرُّغم من معرفتهم وإدراكهم لطبيعة البشر فقد تعذَّر عليهم إدراك الحكمة من خلقهم، وهي أن الله تعالى أراد أن يودع الأرض لدى هذا المخلوق الفريد ويملِّكه زمامها، ويطلق يده فيها، ليَكِل إليه من وراء ذلك مهمَّة إظهار إعجازه تعالى في الخلق والإبداع، وكشف ما اختزنته هذه الأرض من قوى وطاقات، وكنوز وخامات، وتسخير هذا كلِّه ـ بإذن من الله ـ في المهمَّة الجليلة الَّتي أولاها الله له، وهي بناء هذه الأرض وعمارتها، وتحقيق إرادة الخالق في تطويرها، لذلك الله تعالى عندما خلق ادم ع حذَّر آدم من التجاوب مع إبليس ذكر له أن نتيجة ذلك سوف تكون خروجه مع زوجه من الجنَّة، وشقاؤه بذلك، قال تعالى{ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجنَّةِ فَتَشَقَى} وقد أجاب ائمة الهدى عليهم السلام عن نوعية وشكل السجود الى آدم ع وفي رواية ( عن الامام موسى بن جعفر ع يقول ولئكن اسجد الله الملائكة الى ادم فإن سجودهم سجود طاعة انهم عبدو ادم من دون الله عز وجل ولكن اعترفوا ﻵدم بالفضيلة ورحمة من الله) (1). بحار الأنوار ج 15 ص 29 رواية رقم 2.

الباب الثاني
الغاية من خلق اﻹنسان الغاية من خلق الإنسان وردت نصوص قرآنية كثيرة على سبيل المثال سورة الذَّاريات(51)قال الله تعالى: {وما خَلَقتُ الجنَّ والإنس إلاَّ لِيَعبُدون(56) ما أُريدُ منهم من رِزقٍ وما أُريدُ أنْ يُطْعِمُون(57) إنَّ الله هو الرَّزَّاقُ ذو القُوَّة المتين(58)}ايضا ورد في سورة الإنسان (76)وقال أيضاً: {هل أتى على الإنسان حِيْنٌ منَ الدَّهر لم يَكن شيئاً مذكوراً(1) إنَّا خَلَقنا الإنسان من نُطفةٍ أمْشَاجٍ نَبتلِيهِ فجعلناه سميعاً بصيراً(2)} لقد شاءت الإرادة الإلهيَّة خَلْقَ الإنسان وإيجاده من العدم، لغاية تتجلَّى في ناحيتين1 ـ معرفة الله وعبادته.2 ـ اختبار الإنسان وامتحانه على وجه الأرض من حيث مدى أهليَّته بِصِفَتِه خليفةً لله عليها، منح الله عزَّ وجل الإنسان نعمة الإمداد إلى جانب نعمة الإيجاد. فأمدَّه بمفاتيح المعرفة والهداية والعلم كالسمع والبصر، وبكلِّ ما يضمن له الاستمرارية في الحياة إلى ماشاء الله،لم تكن الغاية من خلق الله تعالى للثَّقَلين (إنساً وجنّاً) لحاجة به إليهم، فهو الغني عنهم جميعاً وهم المحتاجون إليه أبداً. ولمَّا كان الله تعالى لا يخلق شيئاً عبثاً ولا يتركه سدىً، فقد أوضح لنا في كتابه الكريم الغاية من خلق الإنسان فقال: {وما خَلَقتُ الجنَّ والإنس إلاَّ ليعبدونِ} (أي ليعرفوني)، ولتأكيد سموِّ الغاية من هذا الخلق جاء قوله تعالى موضِّحاً: {ما أُريدُ منهم من رزق وما أُريدُ أن يُطعمون} أي لا أريد من خلقهم جلب نفع لي، ولا دفع ضُرٍّ عنِّي. فالله هو الغنيُّ المطلق، والرزَّاق المعطي الَّذي يرزق جميع مخلوقاته ولا ينسى منهم أحداً، ويقوم بما يصلحهم، وهو صاحب القدرة والقوَّة، بل هو شديد القوَّة فكيف يحتاج إليهم وهو المتفضِّل عليهم بقضاء حوائجهم.ولما كان الأمر كذلك؛ توجَّب على العباد الالتزام في اوامر الله سبحانه وتعالى، وحذر البشر من وسوسة الشيطان لكي يحرفه عن طريق الحق، قال تعالى: {..وإنَّ الشَّياطين لَيُوحونَ إلى أوليائِهم ليجادِلُوكم..} (6 الأنعام آية 121)، وهنا فضل الله الإنسان، وتكريمه له على كثير من خلقه عظيمٌ وكبير، فقد جعل منه مخلوقاً ذا وزن في نظام الكون وحسابه، وزوَّده بالقدرة على استخدام الكثير من طاقات هذا الكون وقواه، ومن ذخائره وخيراته، وهذا هو التسخير المشار إليه في الآية في معرض التَّذكير بنعم الله الظَّاهرة والباطنة.فوجود الإنسان ـ ابتداءً ـ نعمة من الله وفضل، وتزويده بطاقاته واستعداداته ومواهبه منحة وهِبة، وإرسال الله للرسل وتنزيل كتبه أكبر فضل وأجلُّ نعمة، ووصله بروح الله منَّة وكرم، وكلُّنفَس يتنفسه، وكلُّ خفقة يخفقها قلبه، وكلُّ منظر يسترعي انتباهه ونظره، وكلُّ صوت تترنم به أذنه، وكلُّ خاطر يهجس في ضميره، وكلُّ فكرة يتدبَّرها عقله، إن هي إلا نعمة ما كان لينالها لولا فضل الله عليه.ونِعَمُ الله على الإنسان منها ما هو ظاهر للعيان يمكن إدراكه مباشرة بعين البصر، كالمال والجاه والجمال، ومنها ما هو خفي يدركه الإنسان إدراكاً غير مباشر وبعين البصيرة كالعلم بالله، وحسن اليقين به، وما يُدفع عنه من الآفات والنّقم. ومن النِّعَم ما يكون في باطن الأرض، وفي أعماق البحار، وعلينا أن نتحرَّى البحث عنها ونعرف خصائصها لننتفع بها. وفي مقابل هذه النِّعَم كافَّة يتوجب على الإنسان أن يؤدِّي دوره في هذه الحياة بالشَّكل المعبِّر عن إنسانيَّته، فيساهم في بناء المجتمع المتعاون المعتصم بحبل الله بكلِّ إخلاص وحبٍّ وتجرُّد.ومع ذلك، فإن فريقاً من الناس لا يتدبَّرون ما حولهم من الآيات، ولا يؤمنون بالمنعم المتفضِّل؛ فهم يجادلون في الله بغير علم، مجادلة عقيمة على الرغم من البراهين الكونيَّة الواضحة، وهم يتنعَّمون بنعم الله السَّابغة. ويبدو هذا الفريق الَّذي يجادل في حقيقة الله منحرفاً عن الفطرة، لا يستجيب لآيات الكون من حوله، جاحداً النِّعَم، لا يستحيي أن يشكِّك في وجود المنعم، متهرِّباً من تحمُّل المسؤولية الأخلاقية والعلمية، منهمكاً في جدال لا يستند إلى علم، ولا يهتدي بهدى، ولا يعتمد على أساس، وإنَّما تُسَوِّلُ له نفسه وشيطانه من الضَّلال والتَّخاذل، ما يهوي به ويُهوي معه غيره من ضعاف النُّفوس في الكفر وظلمات الجهل والفقر والهوان الحكمة الالهية من خلق ابليس هل هناك حكمة من خلق الله الى ابليس؟ لم يخلق الله إبليس كافراً بل خلقه مستعداً للكفر والإيمان، حاله حال البشر العادي، ابليس عبد الله فترة طويلة، حاله حال بعض مايسمى في الخفاء، وبلا شك رب العالمين ايضا سمح الى ابليس اي أُنظره إلى يوم الوقت المعلوم، فحال إبليس في خلقه حال طبيعة خلق الإنسان الكافر والعاصي، الله سبحانه وتعالى لم يخلق بشر عاصياً أو كافراً بل خلق مستعداً للعصيان والكفر ومستعداً أيضاً للإيمان والطاعة، لكنه بسوء اختياره أختار العصيان على الطاعة، ثم إن علم الله سبحانه وتعالى المسبق بعصيان إبليس لا يمنع من خلقه لأنه لو لم يخلق كل من يعلم أنه سيَضل أو يُضل فهذا معناه الإلجاء على عدم الكفر والعصيان والضلال، وهو خلاف حكمته تعالى. إن جميع أعمال الشر صدرت من إبليس ودعا إليها ، فلا يبعد أن يكون هو النموذج الذي تجسدت فيه جميع أعمال الشر. ولكنه ليس مخلوقاً خاصاً بل كما أشار إليه القرآن بأنه كان من الجن. يصرح القرآن أن السبب الذي جعل إبليس لا يسجد لآدم هو اعتقاده بأنه خير منه حيث يرى أن خلقه من نار يجعله متفوقاً على المخلوق من طين، فقال تعالى: ﴿ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ .إن السجود الذي حصل من الملائكة وأهل يوسف (ع) كهيئة سجود حال الصلاة ولكن ليس بالضرورة أن تكون جميع الخصوصيات المطلوبة حال السجود في الصلاة نفسها مطلوبة في سجود الملائكة ولكن الطريقة والكيفية هي نفسها في حال الصلاة. إن إبليس هو ذلك الشيطان الذي عصى بعدم السجود، بينما الشيطان أسم لكل من يقوم بالإغواء فيشمل جميع أعوان إبليس. إن الإنسان مركب من شهوة وغضب وعقل، فإذا غلبت القوة الشهوية والغضبية أو كليهما على العقل صدرت منه المعصية ، وعمل الشيطان هو تزيين المعصية وإظهارها بالمظهر المقبول فيكون دور العقل ضعيفاً في كبح جماح المعصية والغضب، ولكن لو لم يكن الشيطان موجوداً وكانت قوى الإنسان الشهوية والغضبية كبيرتين بحيث لا تناقض العقل صدرت من ذلك الإنسان المعصية حتى مع عدم وجود الشيطان. حكمته تعالى اقتضت أن لا يدخلنا الجنة على درجات أو النار على دركات إلا بعد اختبارنا حتى يأخذ كل واحد من مكانه اللائق به.يحاسب الإنسان على قدر ما يصل إليه من العلم والمعرفة بمقدار ما تمت عليه الحجة فإنه وإن اختلفت أماكن العباد وتفاوتت من حيث الوصول إلى الحق إلا أن هذا الاختلاف يجعلهم معذورين في بعض الأمور التي تكون عن قصور لا عن تقصير Send f

الباب الثالث
قبل الخوض في كلام الامام علي ع وهو كلام حق وصدق نذكر رواية عن الإمام جعفر الصادق نقلا عن محمد بن مسلم ( قال سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عز وجل ونفخت فيه من روحي كيف هذا النفخ؟ فقال الروح متحرك كالريح وإنما سمي روحا لأنه اشتق اسمه من الريح وإنما أخرجه عن لفظه، الريح ﻷن الأرواح مجانسة الريح وإنما أضافه إلى نفسه لأنه اصطفاه على سائر الأرواح كما قال لبيت من البيوت بيتي ولرسول من الرسل خليلي واشتباه ذلك وكل ذلك مخلوق مصنوع محدث مربوب مدبر) (2) الكافي الجزء الأول ص 133 رواية 3 نقلا عن موقع الكفيل www.alkafeel.net
قول اﻹمام علي ع حول خلق آدم ع البحث يكون ذات نكهة جيدة عندما نستدل في اقوال اﻹمام علي بن ابي طالب ع لذلك ارتئيت ان اذكر ما ذكره الامام علي ع حول خلق آدم ع قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُون هناك حقيقة ٍالانسان لم يكن حاضرا ولا شاهدا على خلق أبيه -آدم عليه السلام –فهو شيء غيبي عنا نحن أبناء آدم واحفاده . وصدق قول الله سبحانه وتعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول,ولكن علينا ان نتأمل و نسأل..عندما نقرأ ..ونسمع أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب عليه السلام وهو يصف كيفية خلق آدم عليه السلام , نرى أن اﻹمام عليه السلام ينقل صورة دقيقة عن عالم غيبي عنا وكأنه كان حاضرا وعاش في ذلك العالم !,فكيف كان ذلك؟قد أجاب الإمام ( عليه السلام ) عن هذا التساؤل أن ذلك ليس هو بعلم غيب، و إنما هو تعلّم من ذي علم يريد ان يقول الامام ع ان مصدر علمه هو رسول اللّه صلى الله عليه وآله عن الوحي اﻷمين جبرئيل عن اللّه سبحانه الذي لا خالق إلا هو . . ولهذا السبب نرى الإمام ع تكلم بثقة ويقين ، لا بحدس وتخمين وتحليلات، وهو القائل عليه السلام لا تقل ما لا تعلم بل لا تقل كل ما تعلم ، فان اللّه فرض على جوارحك كلها فرائض يحتج بها عليك يوم القيامة. وهناك حقيقة كل الناس الذين يعرفون حقيقة الإمام ع يعلمون أن عليا تنسجم أقواله مع أفعاله ، وأفعاله مع دينه و ضميره أي أن علي بن ابي طالب ع هو قرآن ناطق،ونحن نتجول في رياض نهج البلاغة لابد لنا من الوقوف والتأمل على بعض عجائب خطب الإمام علي ع لكي نتزود من قطوفها الدانية, و نرتوي من عذب أنهارها ونقاوة المنبع، وتقتبس من أنوار هذه الخطب المعرفة ,ونبتهج بجمالها وروعتها وننور عقولنا في روضة أشجارها الفصاحة ومن أنهارها البلاغة وسمائها الحكمة وأرضها الإيمان,خطب بليغة ودقيقة ولغة فصيحة واقوال حكيمة تصلح أسس العلوم اﻹجتماع , و هي من نفائس درر كلام مولانا أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب عليه السلام ,وقفتنا هنا في الروضة الأولى من هذه الرياض النضرة التي يصف فيها مولانا أمير المؤمنين عليه السلام صفة خلق آدم عليه السلام ويفترض في المفسرين الاحتجاج في وصف الامام علي ع لخلق آدم ع والتي أبان بها الحقائق حيث قال الإمام ع ومن الخطبه الاولى في نهج البلاغة,يقول عليه السلام, ثمّ جمع سبحانه من حزن الأرض و سهلها ، و عذبها و سبخها ، تربة سنّها بالماء حتّى خلصت . و لاطها بالبلّة حتّى لزيت . فجبل منها صورة ذات أحناء ووصول وأعضاء وفصول . أجمدها حتّى استمسكت ، و أصلدها حتّى صلصلت . لوقت معدود . وأمد معلوم . ثمّ نفخ فيها من روحه فمثلت إنسانا ذا أذهان يجيلها . و فكر يتصرّف بها ، وجوارح يختدمها ، و أدوات يقلّبها ، و معرفة يفرق بها بين الحقّ و الباطل و الأذواق و المشامّ و الألوان و الأجناس . معجونا بطينة الألوان المختلفة ، و الأشباه المؤتلفة ، و الأضداد المتعادية و الأخلاط المتباينة . من الحرّ و البرد . و البلّة و الجمود .افتتح الإمام عليه السلام خطبته هذه بحمد اللّه و تمجيده ، و نفي صفات المصنوعين عنه ، ثم أشار إلى مبدأ الخلق ، و أصل الكون المسبوق بالعدم ، ثم إلى خلق الملائكة . . و هو يشير الآن إلى أصل الإنسان الأول ، من أي شي ء خلق ؟وكيف تم خلقه ؟ و كما تكلم الناس عن الكون و حقيقته و أصله و عمره و أطواره.فقد تكلموا أيضا عن أصل الإنسان و كنهه و تطوره ، و كم مضى عليه من السنين في هذه الأرض ؟ و وضعوا في ذلك الكتب و الأسفار ، و مع هذا لم يعرفوا عنه إلا القليل . . وصدق من قال : « إن علم الإنسان بنفسه ما يزال محدودا ، و ربما استطاع أن يعرف عن غيره من الكائنات أكثر مما يعرفه عن أسرار نفسه » .و لنفترض وإن بعد الفرض أن الإنسان يستطيع أن يعرف حقيقته على أتمها جسما وروحا فإنه لا يستطيع و لن يستطيع أن يعرف كيف تم خلق أبيه الأول . . وإن ادعى ذلك مدعى طالبناه بالدليل و سألناه : هل دليله التجربة ؟و بالبداهة أن التجربة تعتمد وتقوم على المجهر و التحليل الكيماوي ، و أين هو الإنسان الأول حتى يراه الباحثون على شريحة المجهر ، أو يحللوا في مختبراتهم أعضائه و العناصر التي تألفت منها هذه الأعضاء . أو أن المدعي يستدل بالعقل والفكر والدليل وليس من شك أن معرفة العقل بأصل الإنسان و كيف تم خلقه تماما كمعرفته باسم والديه و حسبه و نسبه ، و بقامته طولا و عرضا . أو يستند المدعي إلى الحفريات . . و قد أعلن أهل الاختصاص أن أحدث الحفريات تقول : ان الانسان كان موجودا على وجه هذه الأرض منذ مليون سنة على التقريب و بالبداهة ان هذا شي ء ، و أصل الإنسان شي ء آخر . . و حتى الآن ما تجرأ أحد على الزعم بأنه عثر على رفات آدم أبي البشر و حطامه . . أو أن المدعي يعتمد النقل و الرواية . . و الشرط الأول في النقل أن يروي ما رأت العين وشاهدت ، و أية عين هذه رأت خلق جدها وأبيها؟ ، بل أية عين رأت خلق نفسها بالذات ؟ والله يقول (أشهدوا خلقهم) 19 الزخرف » . و إذن لا سبيل على الإطلاق إلى العلم بأصل الإنسان الأول ، و كيف خلق إلا بالوحي من خالق الإنسان ،وعلى هذا الوحي الذي نزل على الرسول محمد ص وحده اعتمد الإمام عليه السلام بعلومه عن خلق الإنسان و أصله .و الانسان سلسلة متصلة الحلقات ، تبتدى ء بآدم أبي البشر ، و لا ندري بأي مولود تنتهي . . و لا يختلف مؤمن وجاحد على أن الإنسان بجميع أفراده ، من كان منه ومن يكون ، هو من تربة هذه الأرض ومائها وهوائها ، و انه يعيش عليها كضيف مؤقت ، ثم يعود إليها لا محالة . . أبدا لا خلاف في شيء من ذلك ،و إنما الخلاف : هل كان للإنسان وجود سابق في عالم آخر غير هذه الأرض ؟و كيف وجد عليها ؟ هل وجد أول ما وجد على صورته الحالية أو على غيرها ؟ومتى بدأ ظهوره على الأرض ؟ و ما هي العناصر التي يتألف منها ؟ و من الذي أوجده ؟ و ما هو الهدف من وجوده ؟ و هل له رساله خاصة في هذه الدنيا ، أو أنه لا رسالة له إلا أن يصنع نفسه على إرادته وحريته وهواه كما يقول الوجوديون أصحاب النظريات المادية ؟.و أيضا هل يخرج من الأرض بعد موته ، ويعود ثانية إلى الحياة، إلى غير ذلك من الموضوعات والخلافات .ما أعجب الإنسان، أنه يبحث عن نفسه بنفسه، و ربما هو الكائن الوحيد الذي امتاز بهذا الوصف، و مع ذلك قال بعض أفراد الإنسان يرى كان أبوه قردا وتطور ، و ترقى . و قال آخر : كلا ، إن أباه تولد من عفونة القذارات تماما كما تتولد الحشرات، و لا أعلم هل يدلنا هذا القول وذاك على أن الإنسان أنواع و أقسام منهم قرود ، و منهم حشرات في صورة الإنسان، ومهما قالوا انه يبتعد عن كمال اللّه كل البعد، ومهما يكن فإن ما قاله الإمام عليه السلام هنا عن أصل الإنسان هو شرح و تفسير لما جاء في القرآن الكريم . المعنى :خلق اللّه سبحانه آدم من جسم و روح ، و لكن بالتدريج لا دفعة واحدة ، كمثل البنيان الذي يبني بيت يبني حجرا على حجر – المثال للتقريب – فخلق أولا جسما بلا روح و أيضا خلق هذا الجسم على أطوار كما يظهر من قول الإمام عليه السلام، وهذه الأطوار أربعة
وهي
1 ( ثم جمع سبحانه من حزن الأرض و سهلها ، و عذبها و سبخها تربة ) .قول الإمام : « جمع سبحانه تربة» صريح في أن آدم لم يكن له عين ولا أثر قبل هذه الأرض ، و قال تعالى : (إن مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) 59 آل عمران. أي لم يكن في هذه الأرض فكان . . أبونا آدم من تراب ، و نحن أيضا في لحمنا و دمنا من تراب ، لأن ما نأكله من اللحوم و الحبوب و الفواكه و الخضار والنبات ، كل ذلك كان في الأصل ماء وترابا : (هو الذي خلقكم من تراب) 67 غافر.أما قوله ( عليه السلام ) : (من حزن الأرض و سهلها ، و عذبها و سبخها) فهو إشارة إلى أن الإنسان كأمه الأرض يجمع في استعداده و غرائزه بين المتناقضات والمفارقات كالطيب و الخبيث ، و الأسود و الأبيض ، قال الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) : « خلق اللّه آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض ، فجاء بنو آدم على مثل الأرض ، منهم الأسود و الأبيض و الأحمر ، و ما بين ذلك » .
2 (و سنها بالماء حتى خلصت ، و لاطها بالبلة حتى لزيت) . يشير بهذا إلى قوله تعالى : (إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين) 71 ص .و قوله في الآية 11 من الصافات : « من طين لازب » . وتساءل : لماذا لم يخلق اللّه آدم بكلمة « كن » ؟ . و ما هي الحكمة لخلقه من تراب ؟ أليس اللّه على كل شيء قدير ؟الجواب :قال البعض : أراد سبحانه أن يعلّم الناس الروية والأناة و عدم الاستعجال في أمورهم . . أما نحن فنظن انه تعالى أراد أن يعلم الناس أنهم في الخلق سواء ، لا فضل لأبيض على أسود ، كما قال الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) : كلكم من آدم ، وآدم من تراب . . وأن يعتبروا بقدرة اللّه التي خلقت من المادة الصماء إنسانا عاقلا يفعل الأعاجيب ، و يومىء إلى ذلك قوله تعالى : (أكفرت بالذي خلقك من تراب) 37 الكهف و أيضا أن يستدل الإنسان على النشأة الثانية بالأولى كما تشير الآية 5 من سورة الحج : « يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب » . و قال الإمام : « عجبت لمن أنكر النشأة الأخرى ، وهو يرى النشأة الأولى »

3 ( فجعل منها صورة ذات أحناء ووصول ، وأعضاء وفصول ) . ضمير (منها) يعود إلى التربة ، و المراد بالصورة صورة آدم ، قال سبحانه : (و صوّركم فأحسن صوركم) 64 غافر . و في جسم الإنسان أجزاء كالرأس و اليدين و الصدر و الرجلين و إليه أومأ بكلمة أعضاء ، و فيه أضلاع ، وإليها أشار بالحناء ، و فيه مفاصل ،و هي ملتقى العظام و لولاها لعجز الإنسان عن الحركة ، و قد عبّر الإمام عنها بالفصول ، و فيه عصب يشد الأعضاء بعضها إلى بعض ، و هي المقصود من كلمة وصول من الوصل .

4 ( أجمدها حتى استمسكت ، و أصلدها حتى صلصلت ، لوقت معدود ، وأمد معلوم ) . بعد أن صار الماء و التراب طينا جمد و تماسكت أجزاؤه ، و أصبح جسدا واحدا ، يابسا و متينا ، إذا هبّت عليه الريح سمع له صلصلة ، و أسند جمود الطين و صلصلته إلى اللّه ، لأنه هو الذي خلق التراب و الماء ، و مزجها حتى صار طينا .و بهذه الأطوار الأربعة تم الجسم و كمل ، و مع هذا أبقاه سبحانه بلا روح إلى أمد معين ، لأن حكمته تعالى قضت أن يكون لكل أجل كتاب . ( ثم نفخ فيه من روحه ) . اختلفوا في معنى الروح من حيث هي ، وبصرف النظر عن التي نفخها سبحانه في آدم ومريم ، فمنهم من قال : ان اللّه سبحانه حجب علمها عن العباد ، فلا ينبغي الحديث عنها بحال لقوله تعالى : (قل الروح من أمر ربي) 85 الإسراء . و قال آخر : هي على هيئة الإنسان ، لها رأس ويدان ، و بطن و رجلان ، و لكنها ليست إنسانا و قال ثالث : هي نور لطيف و هواء خفيف . و للروح في لغة القرآن معان ، منها:الرحمة : (و لا تيأسوا من روح اللّه) 87 يوسف .و منها جبريل : (نزل به الروح الأمين) 193 الشعراء . و منها القرآن : (و كذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا)52 الشورى .و القاسم المشترك لمعنى الروح هو كل ما يحيا به الشي ء ماديا ومعنويا .أما المراد بالروح التي نفخها سبحانه في آدم فهي الحياة . . حتى و لو كان للروح ألف معنى و معنى ، لأن الحديث في كلام الإمام ع و في قوله تعالى : (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي) 29 الحجر مساق عن جسد آدم الذي بقي جمادا بلا روح لوقت معدود ، وأمد معلوم . . و مثلها تماما الروح التي نفخها سبحانه في مريم : (فنفخنا فيها من روحنا )91 الأنبياء » أي أنه تعالى خلق جنينا في رحم مريم بلا تلقيح. قيل : إن اللّه سبحانه خلق الإنسان كي تتجلى فيها قدرته و عظمته .و معنى هذا أنه تعالى أنشأ الإنسان على أكمل وجه جسما وروحا بحيث لا شيء فوق كمال الإنسان من هذه الجهة إلا خالق الانسان . و كفى شاهدا على هذه الحقيقة عظمة محمد ( صلى الله عليه وآله ) سيد الكونين الذي قال : إنما أنا بشر . . إن الإنسان تماما كالكون في عظمته و أسراره ، كلما اكتشف منه سر خفيت منه أسرار . .و من أجل هذا أطلق بعضهم على الكون اسم الإنسان الكبير ، و على ابن آدم اسم الإنسان الصغير أو الكون الصغير، ولهذه التسمية وجاهتها، فحتى الآن و على الرغم من تقدم العلوم التي رفعت الإنسان إلى الكواكب لم ينجح العلماء في التعرف على حقيقة الإنسان ، وكل ما فيه من طاقات و أسرار وعلوم. وإذا كانت حقيقة كل شي ء هي ما يحققه ذلك الشي ء فقد حقق الإنسان أعجب من العجب ، و ما سوف يحققه في المستقبل القريب أو البعيد يفوق التصور ، و يستحيل التنبؤ به .و بهذا نجد السر لقوله تعالى : (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) و تدركون ان الانسان العجيب خالقا أكمل وأعظم ؟.( معجونا بطينة الألوان المختلفة ، و الأشياء المؤتلفة ، و الأضداد المتعادية ،والأخلاط المتباينة من الحر و البرد ، و البله و الجمود ) . يشير الإمام (عليه السلام) بهذا إلى أن في طبيعة الإنسان ومزاجه توجد قوى عناصر مهمة، منها ما ينسجم بعضها مع بعض كانسجام العلم مع الحلم أي أن العالم يجب ان يكون حليم، و الصدق مع الوفاء، أي لاصدق بدون وفاء، و انسجام الجبن مع البخل ،والكذب مع الرياء . . و منها ما يختلف بعضها مع الآخر ، كاختلاف الرضى والغضب، والسعادة مع الشقاء و الضحك مع البكاء،و الحفظ و النسيان والذكاء مع الجهل والمعرفة مع اﻹمية.وكل هذه اﻹمور تصب لخير الإنسان و صالحه ، و بقائه و استمراره ، و لو نقصت منه صفة واحدة لاختل توازن الإنسان ، و لم ينتفع بشيء . . ونضرب لذلك مثلا واحدا، لولا نعمة النسيان تراكمت الهموم على الانسان ، و لم يستمتع بشيء ولولا اﻷمل لما عم اﻹعمار والبناء وانتهت حياته في أمد قصير . و لو لا الحفظ لانسد باب العلم بشتى أنواعه ، بل و لم يهتد الإنسان إلى أمه و أبيه ، و صاحبته و بنيه ، و إذا خرج من بيته استحال ان يعود اليه .وهكذا سائر الصفات المتباعدة منها و المتقاربة . . و كلها تجري على نظام مشترك ،وقدر جامع ، وإن دل هذا على شي ء فإنما يدل على وحدة الخالق و المدبر الذي لا إله إلا هو : قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرً.
مع تحيات نعيم عاتي الهاشمي الخفاجي Sendt fra Samsung TabSendt fra

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here