حوار مع الشاعر والتشكيلي حاتم عباس بصيلة…..

حوار اجراه طارق الكناني

هو تشكيلي وشاعر وكاتب واعلامي كتب عن مفاهيم الجمال في القرآن وكتب الشعر وله ف المسرح الشعري عدة مسرحيات منها (الاصنام ) و(البحث عن ضمير ) ، جسد كل صور الجمال التي عاشها على ضفاف الفرات من خلال مدينته الغافية على شط الهندية (فرع من نهر الفرات) حضوره الدائم في المهرجانات والامسيات والنشاطات الادبية والفنية يختصر تاريخه الطويل والعاشق للفن ،لايحتاج إلى تعريف اينما ذهب ،فهو بين كل هذا وذاك مربي لجيل في فترة غابت عنها كل معاني الجمال مما جعل مهمته عسيرة .

الهندية او قضاء طويريج مصنع كبير للطاقات الفنية والادباء ورافد لاينضب للجمال والادب والشعر ،وأحد هذه الروافد التي جادت علينا بها مدينة الهندية بها هو الشاعر حاتم عباس بصيلة ، سنكون نحن الحقيقة في العراق في ضيافته اليوم لنستمع إلى عذوبة الحديث وجواهر الكلم ونستمتع بصحبته كما عهدناها غنية بتفاصيلها ممتعة وكبيرة بمعانيها .

نتشرف اليوم استاذنا حاتم عباس بصيلة لاجراء هذا الحوار معكم لصحيفة الحقيقة في العراق …فمرحبا بكم :

مرحبا بكم وبالحقيقة في العراق وشرف لنا هذا الحوار مع قامة اعلامية كبيرة

س 1:الحقيقة:

الهندية هذه المدينة الجميلة الغافية على ضفاف الفرات لها تاريخ عريق مع الادب والشعر والمفكرين ،هل هناك دور لهذه الأجواء بالتأثير على شاعرية وفن الاستاذ بصيلة ؟

– المدينة الساحرة على ضفاف الفرات الهادر بامواجه سابقا كان لها دور عظيم في تشرب الشاعرية الملهمة وهي ترى عناصر الجمال في طبيعة خلابة هادئة

لقد كانت المدينة حقا سببا في تكوين شاعريتي منذ ايام الطفولة حيث كنا نقرأ ايام الامتحانات على ضفاف نهرها الساحر في غبش عجيب مكون لاروع اللوحات الفنية اضافة الى طبيعة المجتمع الراقي في ذلك الزمان حين كان الجميع يقرأ الادب ويتابع اساطين الفن الغنائي وكان ابي واحدا من هؤلاء الافذاذ ومازلت اذكر لوحة معلقة في غرفته لاشهر رسام فرنسي (رينوار)عرف بعذوبة وغنائية رسمه خاصة رسم النساء والفتيات الضاجات بالعافية والجمال وكانت المقاهي ايام طفولتي تفيض بالمثقفين والادباء والسياسيين ولا يمر يوم دون مناقشة لقصيدة او كتاب في حوارات راقية ترتقي للروح الاكاديمية

س2: الحقيقة:

الطفولة والمعاناة وكل تفاصيل الحياة الأخرى تولد الكثير من الابداع لو اردنا ان نقلب اوراق وتاريخ الفنان والشاعر حاتم بصيلة ماذا سنجد .؟

– ستجد مرارة المأساة في طفولة مبعثرة بين الاقرباء وبين بيوت متعددة نتيجة الخصام والمشاكل المستمرة داخل اسرتي الا ان ذلك جعلني اكثر خبرة منذ الطفولة بالمجتمع وبقيت الصور المؤلمة تطاردني الى الآن منها مثلا صورة مالك البيت الذي كان يهددنا برمينا في الشارع وكنت المح صورته من ثقب الباب وكان بكرش عظيم ارعبني وانا طفل لم يدخل المدرسة بعد !! كما توجد صور مؤلمة اخرى يمكن ان تكون ملحمة اجتماعية فريدة في كشف زيف الانسان !!

س3: الحقيقة:

من اين كانت البداية التشكيل ام الشعر وما تأثير كلا الفنين على بعضهما البعض في مسيرة حاتم بصيلة ؟

كنت في بدايتي الاولى ارسم بعض اللوحات بشكل فطري وفي يوم من الايام لمح والدي احدى تلك اللوحات فاعجب بها وشجعني على الاستمرار بالرسم الا انني كنت ايضا اكتب الشعر في وقت مبكر من حياتي ومن حسن الحظ اني كنت قد سجلت ذلك شعريا في قصيدة تحكي عمري الشعري المبكر كما في هذا المقطع (آه من ست وعشر

آه منها كم بكيت

كم بها عذبت نفسي

كم انا فيها تعبت ,

كلما مرت فتاة

بجوى صدري احترقت

, لاتقولوا في شباب

فانا شيخا ولدت ) فجذبني الشعر اكثرمن الرسم لسبب بسيط وهو انني بدأت النشر مبكرا في مجلات عربية وخليجية وذلك يثير مراهقا مثلي يرى اسمه في تلك المجلات خاصة وانني بدأت مراهقتي بعشق فتاة احببت ان ترى اسمي مع قصيدتي التي اتغزل بها بينما اللوحة التي ارسمها تبقى في بيتي لا احد يراها الا في معارض المدارس البائسة لكن الروح التشكيلية ممتزجة مع الشعر والشاعرية حيث تتجلى اللوحات في كثير من مقاطع الشعر كما في هذا المقطع :

في صغري

جلست فوق دكة صغيرة لبيتنا

منتظرا رسالة تأتي مع الطيور

ومرت الطيور باختلافها

ومرت الاوجاع باختلافها

ولم ازل اجلس فوق دكة صغيرة لبيتنا

منتظرا

محطم الشعور

س4:

الحقيقة :

في المقهى اسمع اغنية تأخذني لبراءة طفل

كان يظن العالم فجرا .مملوءاُ بضياء الحب الصافي

وردا ابيض

فوق العشب الهادئ فوق ضفاف الروح

تأخذني الكلمات إلى اول ضحك كان يسير مع الروح

برغم الاهات !!

لكن الاغنية اليوم تدور تدور تدور…

• كتبت الاغنية الخرساء واطلقت عليها ملحمة شعرية (ماذا اراد ان يقول حاتم عباس بصيلة في ملحمته هذه وخصوصا وهو يخاطب نفسه ((ما بالك يابن بصيلة لاتكتب شيئا)) )؟

– اراد ابن بصيلة ان يسجل موقفا من الحياة بتفاصيلها في العراق بعد التغيير الذي كنا نتأمل فيه خيرا كثيرا الا انه صدم صدمة عنيفة حين كان الاسوأ في التاريخ يدور حولنا فغاص ابن بصيلة داخل الماء صارخا بوجه الظالمين من الفاسدين والخونة والادعياء فكانت صرخته او اغنيته خرساء تحت الماء وفي ذلك دلالات عظيمة في تناقض الاغنية لانها خرساء في زمن الجهل والتجاهل والانحراف لذلك مهما كتب ابن بصيلة فهو لم يكتب شيئا !!

• وهل كان كل هذا الحزن مخزونا في ذاكرة الشاعر عندما تفجر الآن ام هو محاكاة للواقع الحالي بعيدا عن الذكرى المختزنة في وجدان الشاعر ؟

– لا اخفيك انني عشت صدمة اجتماعية عنيفة هزت كياني الروحي والوجداني فتفجر كل شيء في داخلي خالطا ذكرى مؤلمة مع حياة واقعية بائسة منطلقا من المأساة الفردية الى المأساة الجماعية فانطلق الخيال معانقا الواقع ولقد كتبت الاغنية الخرساء في مقهى بائس مليء بالمآسي الاجتماعية

س5: الحقيقة :

• مفردات يكررها الشاعر وخصوصا في عناوين كتبه منها (الشيطان)وهذه المفردة اخذت حيزا كبيرا في عناوين اصداراتك ترى ماذا تمثل صورة الشيطان عند حاتم عباس بصيلة ؟

• وهل قصد به شيطان الشعر ام شيء آخر؟

شيطان الشعر شيطان جمالي ايجابي يهدف الى الابداع الخلاق والى ايصال الانسان الى الكمال اما الشيطان الذي اقصده هو شيطان الاستغلال والفساد والانحراف وقتل الضمير ومخادعة الله وقد تجسد كل ذلك بصور انسانية متعددة منها صورة المرأة الغادرة وصورة التاجر المستغل وصورة السياسي المنحرف والانتهازي الخائن لبلاده ولا يتم كل ذلك الا بواسطة (المال) الذي قال عنه الشاعر العظيم بدر شاكر السياب ) المال شيطان المدينة رب فاوست الجديد! )

س6: الحقيقة:

(مائدة الشيطان) مسرحية شعرية بشخوصها وثيمتها ارى ان الاغنية الخرساء فاقت عليها في ثيمتها المسرحية ،هل اعتبرتها ايضا من المسرح الشعري ام بقيت قصيدة فقط ؟

هي مسرحية شعرية تنتظر مخرجا مثقفا لاخراجها وكان موضوعها محددا بينما الاغنية الخرساء ملحمة كاملة تدين الاوضاع كاملة باسلوب شعري جمالي يمكن ايضا لمخرج كبير ان يخرجها برؤيته الخاصة والمشكلة تكمن في ان المسرح الشعري لم يأخذ حقه بعد ان ظن البعض انه انتهى !!

س7: الحقيقة

ثلاثية (الضياع والألم) قرأنا شعر الرباعيات لشعراء كثيرين وقرأنا القصورة (قصيدة + صورة ) للشاعر الامارة وقرأنا اللزوميات وقرأنا شعر الثلاثيات وشعرائها قلة امثال سليمان جوادي ،من اين استوحيت هذا الاسلوب وبمن تأثرت من شعراء الثلاثيات.؟

– لقد هربت من الرباعيات خوفا من التأثر بشعراء عرفوا تاريخيا ولم افكر باي ثلاثيات اخرى ولكني في حقيقة الامر رأيت نفسي متألمة الى ابعد حدود الالم فترجمت ذلك الالم الى ثلاثيات تختصر الصور المؤلمة في جمال فلسفي متمرد ويبدو لي ان المعري كان يركض ورائي بفلسفته المتشائمة ولكن يبدو لي ايضا انها تكملة للاغنية الخرساء في تمرد مؤلم على الاوضاع الفاسدة اما القصورة فلا اعتقد انها ستنجح لان الصورة شيء والقصيدة شيء آخر والجمع بينهما هدفه التعبير رغم شاعرية علي الامارة الجميلة !!

س8 : الحقيقة :

• الفلسفة نضوج فكري يشتغل عليه الكثير من الشعراء امثال ابو العلاء وغيره ارى انك مهتم بالجانب الفلسفي ،بمن تأثرت من الفلاسفة؟

• وهل هناك استعارات فلسلفية في اعمالك الأدبية ممكن ان نطلع عليها ؟

الفلسفة ام المعارف واعجب من شعراء هذا اليوم وهم بعيدون كل البعد عن الفلسفة ولقد تأثرت بفلسفة ابي العلاء التشائمية الا انني كنت اهرب منه الى فلاسفة الجمال الخالص وكان( كانت)ابرز فيلسوف تأثرت به رغم انني اكتشفت ان فلسفته كانت تأكل نفسها في كتاب (نقد العقل الخالص) فقد نقد العقل بالعقل ولا ينقد شيء بشيء غير معترف به او هو اداة لا تصلح للحكم على العالم ولقد اضحك احد اساتذتي هذا الامر واعطاني درجة كاملة في علم الجمال بعد ان رأى الكتاب بيدي قائلا : ابني لن تفهم هذا الكتاب !!

ومع هذا كان افلاطون بنظريته (اسطورة الكهف ) مثيرا لي ويبدو لي ارسطو عملاقا في فلسفة الفن التي تبدأ بالحس لترتقي بالمثال !!

س9: الحقيقة:

• وماعشت ترى عجبا ونحن جيل عشنا في فترة العجائب والحروب والانقلابات واخيرا زمن الاحتلال والحروب الاهلية والطائفية ،هل أثرت هذه المراحل على شعر وفن حاتم بصيلة ؟

• هل هناك تحولات فنية وادبية عند حاتم بصيلة جاءت نتيجة تحولات المرحلة حيث تلقي هذه الامور بظلالها على الادب والفن ومسيرة الحياة الاخرى ؟

طبعا الحروب تؤثر جدا فهي تعيد التساؤلات الكبرى حول الموت والحياة والحق والعدالة والظلم والاستبداد وموت الجمال وخلقه والانسان هذا الكائن الشرس الذي اصبح عدوا للانسان ومن الطبيعي ان تتحول الاساليب الفنية والجمالية في الفن والادب على وفق التحولات الكارثية التي مر ويمر بها العراق فتلقي بظلالها على الحياة

س10 : الحقيقة :اسئلة مابيها ترك من ثلاث فروع

• إلى اي جيل من الشعراء ينتمي حاتم بصيلة؟

– الى كل الاجيال !!

• واين يقف من شعراء جيله ؟

الامر متروك للتاريخ

• وهل يؤمن الاستاذ حاتم بالمجايلة ؟

لا اؤمن بها ابدا فالابداع الخلاق يخترق التاريخ

س11: الحقيقة :

لا أريد ان اثقل عليك باسئلتي وسيكون هذا السؤال الأخير:

• هل الأقدار هي من جعلتك شاعرا وتشكيليا ام هو السعي للوصول إلى هذا النوع من الفن والادب ؟

– لا هو التكوين الفطري الذي وهبني اياه الخالق العظيم

• اذا لم تكن تشكيليا وادبيا ماذا كنت ترغب ان تكون ؟

– ارغب ان اكون روائيا يضم في اعطافه الفلسفة

• هل تمكن حاتم عباس بصيلة من ايصال رسالته إلى الناس من خلال فنه وادبه ؟

– اظن ذلك والرحلة مستمرة

• ماهي نصيحتك لجيل الشعراء الجدد ؟

– ان يقرأ كثيرا ويحفظ كثيرا ولا يفكر بالكتابة بل تجبره لحظة الالهام على كتابة ما تريد !!

شكرا لسعة صدرك واجابتك على هذه الاسئلة التي اقل مايقال عنها مطولة واتمنى ان يتجدد لقاؤنا بك مرّة اخرى لنقف على جديد ما انتجت ولك مني انا طارق الكناني ومن اسرة صحيفة الحقيقة في العراق اطيب الامنيات واجمل التحايا والموفقية .

– الشكر لك استاذ طارق الكناني على هذا الحواروهذا الوفاء وهذه الارشفة لما قدمناه من نتاج ادبي وفني كما اشكر الاخ الوفي وهاب الهنداوي وكادر صحيفة الحقيقة في العراق

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here