أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الخامِسَةُ (١٢)

نــــــــــزار حيدر
{وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَخَاهُ ۖ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
إِذا أَراد النَّاجحُ والمُنتِجُ والنَّافعُ في المجتمعِ أَن يهتمَّ بما يُقالُ عَنْهُ من قِبل الفاشلينَ والعاطلينَ والذين هُم كَلٌّ على المجتمعِ الذين يستهلكونَ ولا يُنتجونَ شيئاً مفيداً! لانشغلَ بالقيلِ والقالِ وتركَ رسالتهُ وتوقَّف عن الإِنتاجِ وبالتَّالي إِلتحقَ بركبهِم!.
يوسفُ (ع) طلب من أَخيهِ أَن لا يبتئِس [أَي لا يحزنَ ولا يكتئِبَ ولا يغتمَّ] بما يعمل إِخوتهُ وبدلاً عن ذَلِكَ دعاهُ للإِنشغالِ بما هُوَ أَهم، الرِّسالة الإِلهيَّة التي يحملانِها والتي تحتاجُ من صاحبِها الكثير من التَّفكير والتدبُّر والتَّخطيط والعمل والتَّضحيةِ لإِنجازِها!.
أَمّا الذين يحزنُون إِذا أُشيعت عنهم كذبةٌ مثلاً ويكتئبُونَ إِذا تعرَّضوا لدعاياتٍ مُغرضةٍ ويغتمُّونَ إِذا صدَّق أَقربُ النَّاسِ إِليهم تلك الدَّعايات المُغرضة والأَكاذيب التسقيطيَّة، فمثل هؤلاءِ لا يمكن أَبداً أَن يُواصلُوا مشوارهُم وينشغلُوا برسالتهِم! فالانشغالُ بالقيلِ والقالِ يقلِّلُ من العزيمةِ ويُبعدُ المرء عن هدفهِ!.
عندما سلَّم أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) الرَّايةَ إِلى ولدهِ محمَّد بن الحنفيَّة في يَوْمِ الجمل أَوصاهُ قائلاً؛
تَزُولُ اَلْجِبَالُ وَ لاَ تَزُلْ عَضَّ عَلَى نَاجِذِكَ أَعِرِ اَللَّهَ جُمْجُمَتَكَ تِدْ فِي اَلْأَرْضِ قَدَمَكَ اِرْمِ بِبَصَرِكَ أَقْصَى اَلْقَوْمِ وَ غُضَّ بَصَرَكَ وَ اِعْلَمْ أَنَّ اَلنَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اَللَّهِ سُبْحَانَهُ.
ويشرحُ إِبنُ أَبي الحديدِ المُعتزلي [صاحبُ الشَّرحِ المعرُوف والمشهُور لنهجِ البلاغةِ] كلامَ الإِمام (ع) بقولهِ [قولهُ تزولُ الجبالُ ولا تزلَ خبر فِيهِ معنى الشَّرط تقديرهُ إِن زالت الجبالُ فلا تزلْ أَنْتَ والمرادُ المُبالغةِ].
ويُضيفُ [والنَّاجذُ أَقصى الأَضراسِ وتِد أَمرٌ من وتَدَ قدمهُ في الأَرضِ أَي أَثبتها فيها كالوَتدِ ولا تناقضَ بين قولهِ إِرمِ ببصرِكَ وقولهُ غُضَّ بصركَ وذلك لأَنَّهُ في الأُولى أَمرهُ أَن يفتحَ عينهُ ويرفعَ طرفهُ ويُحدِّق إِلى أَقاصي القَوم ببصرهِ فِعل الشُّجاع المِقدام غَيْرَ المُكترثِ ولا المُبالي لأَنَّ الجبان تضعُف نَفْسَهُ ويخفَق قلبهُ فيقصُر بصرهُ ولا يرتفع طرفهُ ولا يمتدَّ عُنقهُ ويكونُ ناكسَ الرَّأسِ غضيضَ الطَّرفِ وفي الثَّانية أَمرهُ أَن يغُضَّ بصرهُ عن بريقِ سيوفهِم ولمَعانِ دروعهِم لِئلّا يبرق بصرهُ ويدهش ويستشعرَ خوفاً وتقديرُ الكلامِ؛ واحمل، وحُذفَ ذلك للعلمِ بهِ فكأَنَّهُ قال إِذا عزمتَ على الحملةِ وصمَّمتَ فغُضَّ حِينَئِذٍ بصركَ واحمل وكُن كالعَشواءِ التي تخبُط ما أَمامها و لا تُبالي.
وقولهُ عضَّ على ناجذِك قالُوا إِنَّ العاضَّ على نواجذهِ ينبو السَّيفَ عن دماغهِ لأَنَّ عِظامَ الرَّأسِ تشتدَّ وتصلب وقد جَاءَ في كلامهِ (ع) هذا مشروحاً في موضعَ آخر و هو قولهُ وعضُّوا على النَّواجذ فإِنَّهُ أَنبى للصَّوارمِ عن الهامِ ويُحتمل أَن يريدَ بهِ شِدَّة الحَنق قالوا فُلان يحرق علي الأَرم يريدُون شِدَّة الغيظ والحرق صريفُ الأَسنان وصوتها والأَرم الأَضراس].
هَذِهِ هي شرُوط النَّجاح! أَن تُرَكِّز نظركَ على الهدفِ بِلا تردُّدٍ أَو إِنشغالٍ بالتَّوافهِ أَو تلفُّتٍ!.
لا ينبغي للنَّاجحِ المُنتجِ أَن يبتئِس إِذا شنَّ الفاشلُون ضدَّهُ حملةً سلبيَّةً مُضادَّةً من أَيِّ نوعٍ كانت فتلكَ هي طبيعةُ الأَشياء، فَلَو كان قد جلسَ في بيتهِ أَو كانَ من الفاشلِينَ في المُجتمعِ هل استهدفهُ أَحدٌ بدعايةٍ سوداءَ أَو إِشاعةٍ مُغرضةٍ أَو نبأ كاذبٍ؟! بالتَّأكيدِ لا!.
إِنَّ مُجرَّد تعرُّضك لسِهامِ الفاشلِينَ والفاسدِين وأَبواقِ وذيُول العجُول السَّمينة التي أُتخِمت بالمالِ الحرامِ دليلٌ على أَنَّكَ ناجحٌ وأَنَّك توجعهُم بإِنتاجِكَ! وصدقَ من قَالَ [إِذا ضرَبكَ أَحدٌ من خَلفِكَ فتأَكَّد بأَنَّكَ في المُقدِّمةِ].
إِنَّ الحسدَ والحِقد والغيرةَ تدفعُ الفاشلِينَ للتعرُّض للنَّاجحينَ والمُنتجينَ بغزارةٍ! ولإِفشالِ خُططِهم التَّسقيطيَّة يلزم النَّاجح تجاهلهُم وعدم إِعارتهِم أَيَّ اهتمامٍ وكذلكَ عدم الإِنشغال بالردِّ عليهِم أَو مُحاكاتهِم مَثلاً!.
٢٧ مايس [أَيَّار] ٢٠١٨
لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
‏Face Book: Nazar Haidar
‏Telegram; https://t.me/NHIRAQ
‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here