لماذا لا تريد امريكا حل أزمة توليد الطاقة الكهربائية في العراق؟!‎

إيهاب المقبل

تمتع العراق خلال الفترة 1917 – 1991 ببنية تحتية ممتازة للكهرباء، حيث أمر الرئيس العراقي الراحل أحمد حسن البكر ببناء نحو عشرين محطة توليد للطاقة الكهربائية خلال الفترة من 1970 إلى 1979. كما أمر الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ببناء محطات توليد إضافية للطاقة الكهربائية خلال الفترة من 1980 إلى 1990، بحيث بلغَ إجمالي القدرة على توليد الطاقة الكهرباء نحو 9.295 ميغاوات، لعدد سكان بلغَ نحو 18 مليون نسمة قبيل حرب الخليج الثانية عام 1991. وهذا يعني ان نحو 90% من سكان العراق حصلوا على الكهرباء خلال الثمانينات، وهي نسبة ذهبية مقارنة بالبلدان الأخرى في تلك الفترة.

خلال حرب الخليج الثانية، وتحديدًا في الثالث والعشرين من يناير كانون الثاني سنة 1991، كتبَ الصحفي الأمريكي بارتون غيلمان في صحيفة واشنطن بوست مقالا يقول فيه انه تم تحديد نحو 700 هدف لقصفه في العراق، منها 28 نقطة رئيسية لتوليد الطاقة الكهربائية. وقد أطلقت قوات الحلفاء بقيادة الولايات المتحدة نحو 215 طلعة جوية تستهدف محطات توليد الطاقة الكهربائية العراقية بالقنابل غير الموجهة وقنابل جي بي يو-110 الموجهة بالليزر. ويضيف غليمان بالقول: (علينا أن نؤكد أن التخطيط لخطة القصف بدأ فعليًا قبل الغزو العراقي للكويت في اغسطس اب الماضي). وهذا يؤكد بحد ذاته ان الهدف الرئيسي لامريكا من الحرب على العراق لم يكن تحرير الكويت أو العراق من نظام صدام حسين كما زعمت الإدارة الامريكية آنذاك، بل كانَ هدفها تدمير كامل البنية التحتية المدنية العراقية. وقد بلغت الأضرار التي لحقت بمحطات توليد الطاقة الكهربائية في العراق جراء حرب الخليج الثانية من 70 إلى 80%. وتمكنَ العراق رغم ذلك من إصلاح المحطات الكهربائية ومصافي النفط المدمرة جزئيًا خلال حملة إعادة إعمار البلاد في الفترة 1991-1993، ولكن قدرته على إنتاج الطاقة الكهربائية إنخفضت إلى نحو 5300 ميغاواط جراء نقص قطع الغيار اللازمة بفعل الحصار الإقتصادي المفروض على العراق.

وقصفت القوات الجوية الامريكية خلال حرب الخليج الثالثة لغزو العراق عام 2003 محطات توليد الطاقة الكهربائية العراقية بقنابل ألياف الكربون، مما أدى إلى إنخفاض إنتاج الطاقة الكهربائية إلى نحو 20٪ فقط من القدرة الأصلية للمحطات الكهربائية العراقية. ونتيجة لذلك، بلغَ متوسط الإمدادات اليومية للكهرباء في منازل بغداد ما بين 3-5 ساعات فقط. ولأن أنظمة تنقية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي تعمل بالطاقة الكهربائية، فإن الرعاية الصحية والصرف الصحي والخدمات الأخرى ذات الصلة واجهت أعطالًا كبيرة في البلاد.

ويعاني العراقيون منذُ الغزو الأمريكي عام 2003 من أزمة إنقطاع التيار الكهرباء. بغداد ومدن أخرى، مثل ذي قار وميسان وبابل والبصرة، تأثرت بقوة من هذه الأزمة لأنها الأكثر حرارة من حيث طقسها الصيفي مقارنة ببقية مدن شمال البلاد. أنفقَ العراق نحو 41 مليار دولار في قطاع الكهرباء، إلا ان معدل التوليد الحالي يصل إلى نحو 10900 ميغاواط، لعدد سكان يبلغ اليوم نحو 37 مليون نسمة. وهذا يعني ان نحو 50% فقط من سكان العراق يحصلون على الكهرباء، وهي نسبة منخفضة جدًا مقارنة بالبلدان الاخرى.

اليوم يفتقر العراق، البلد الغني بالنفط ومصادر الطاقة، إلى توليد الطاقة الكهربائية الكافية! تعمل الإدارة الامريكية في الواقع على إدامة أزمة توليد الطاقة الكهربائية في العراق من خلال مستشاريها القابعين في المنطقة الخضراء ببغداد، لان هدف امريكا ليس بناء العراق أو تطويره، بل تدمير كامل البنية التحتية المدنية في البلاد. فمثلًا، تسببت أزمة توليد الكهرباء في العراق بمشاكل بيئية وصحية وإقتصادية هائلة، وترتبط بعض هذه المشاكل باستخدام مئات الآلاف من المولدات المنزلية التي تستهلك الوقود الأحفوري (النفط الخام والنفط الثقيل وزيت الغاز والبنزين والكيروسين وهلم جره). مشاكل مثل ما يلي:

أولًا: إنبعاث حوالي 8.2 مليون طن متري من ثاني أكسيد الكربون كل سنة إلى الغلاف الجوي، مما يساهم في الاحترار المحلي والعالمي.

ثانيًا: زيادة انبعاث الهيدروكربونات نتيجة للوقود غير المحترق أو المحروق جزئيًا من المولدات. تحتوى الهيدروكربونات على العديد من المواد الكيميائية السامة، واستمرار التعرض لمثل هذه المواد السامة يسبب السرطان وغيرها من الآثار الصحية الضارة.

ثالثًا: تفاعل أبخرة الهيدروكربونات الناتجة من المولدات مع أكاسيد النيتروجين في وجود ضوء الشمس ينتج عنه غاز الأوزون في الغلاف الجوي السفلي، مما يُشكل ضباب دخاني كيميائي يسبب السرطان ومشاكل في العين والقلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي.

رابعًا: إرتفاع درجات الحرارة، والتي لا يمكن تحملها في العراق، جراء الخسائر المفرطة في الحرارة الناتجة عن المولدات.

خامسًا: تبعث المولدات تشويش صوتي عالي، مما يزيد من المستوى المسموح به للتلوث الضوضائي.

سادسًا: إزدياد المشاكل النفسية المتعلقة بعدم توفر الإمدادات الكهربائية، ولاسيما لأفراد الأسرة الذين يعانون من مضاعفات صحية.

سابعًا: عدم توفر إمدادات كهربائية مستمرة يعني عدم توفر وسائل تبريد مستمرة. ونتيجة لذلك، يعد التسمم الغذائي مرضًا مألوفًا للغاية بين سكان العراق الذين يعانون من أعلى المعدلات لوفيات الأطفال في المنطقة.

ثامنًا: عدم توفر إمدادات كهربائية مستمرة يعني ان المستشفيات لا تعمل بصورة مستمرة، وتكون الأدوية قابلة للتلف، كما لا يمكن تنقية المياه أو معالجة مياه الصرف الصحي بالشكل الصحيح.

تاسعًا: تضطر كل أسرة لإنفاق حوالي 200-300 دولار أمريكي على الإمدادات الكهربائية الخاصة بها، مما يسبب في الغالب مشاكل إقتصادية للأسرة العراقية.

عاشرًا: إزدياد المشاكل الإقتصادية المتعلقة بنظم تحويل مياه الصرف الصناعي والري، حيث تتحول ملايين الأفدنة من الأراضي الزراعية إلى مناطق صحراوية

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here