العقل والإعتقال!!

المفكرون العرب بتنوعهم ومشاربهم وتصدياتهم, ينتهون إلى تحليلات وتفسيرات مجردة لا تلامس الواقع العربي , وتمضي معتقلة في الكتب والرفوف ولا يمكنها أن تساهم بزحزحة الواقع والعمل على إنتشاله من إستنقاعه وتفسخه وتفتته وبهتانه المقيم.

والعلة أن تحديد المشكلة ودراستها لا يؤدي إلى وضع معالجات وحلول عملية يمكن للمواطن أن يتفاعل معها ويصبح قوة مؤثرة فيها , فيكون إنجاز الفكر العربي تحليلا وتفسيرا منقطعا عن الواقع , بل ويساعد على التركيد والتنويم والرقود الأبيد , وإدامة العوامل السلبية وإحتدامها للقضاء على عناصر الحياة ومعالم الرقاء.

أي أن المفكر العربي لم يساهم بتنوير الواقع ورسم خارطة التحرر والنماء , وإنما همه التسويغ والتبرير والتفسير , الذي يتوافق ومنظار الإقتراب المستخدم في الرؤية والقراءة , ولهذا تجد ما لا يحصى من التفاسير والتحليلات التي تبدو وكأنها عقلانية وذات ترابط منطقي , لكنها ليست عملية ولا واقعية , وإنما قوقعية خالصة تقبع في الصفحات ولا تؤثر بمن يقرؤها أو يدرسها.

وهذه مرحلة إندحارية تعيشها الأجيال العربية أسهمت في تأسنها وتوحلها في موضوعات لا تستطيع التخلص منها , وتمعن بالغوص فيها والإندساس في ظلماتها , وكأن العرب يتحركون في دائرة مفرغة من التداعيات , التي أوجدت مَن يعزز إستلطافها والتمتع بها على أنها جسور للنعيم والسعادة الأبدية.

ولا بد من الخروج من هذه القيعان التفسخية , والتخلص من آليات التدحرجية , والعمل الجاد والعزوم على فهم ووعي أبجديات التسلقية والتسامقية والتسابقية , والمواجهات الإصرارية على التفاعل الوثاب مع الحياة بما فيها من مكونات ومستجدات.

وهذا يوجب على المفكرين العرب أن لا يكتفوا بالتحليل والتفسير , وإنما أن ينتقلوا إلى مرحلة وضع البرامج العملية المناسبة للحل ومنع تكرار المشكلة التي تم التصدي لها عقليا.

فما ينقص العرب أن يمضي المفكرون بإعداد البرامج وخرائط التحرر من أصفاد الضياع والخراب والدمار , ولكي تكون البرامج ذات تأثير إيجابي لابد للحكومات أن تتبناها ويكون فيها مجالس لمفكري البلاد , الذين عليهم أن يبحثوا في المشاكل كل حسب تخصصه ومنطلقات رؤاه.

وبدون خطوة عملية وجادة لترجمة الرؤى العقلية إلى برامج عملية , يبقى الواقع راكدا مزدحما بالآفات والعظايا وتتوالد فيه الويلات.

فلماذا لا يحذو الفكر العربي حذو الفكر الفاعل في المجتمعات المتقدمة؟!!

د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here