الوقاية من الغرق يا أمة الأرق!!

رحم الله جدتي التي ربّت أولادها وبناتها وأحفادها وأحفادهم على ضفة نهر دجلة , الذي عايشَته بكل تقلباته على مدى عقود , وما غرق واحد من أبنائها أو أحفادها في النهر , رغم صخبه وشدة تياره في معظم الأيام.

نعم لم يغرق أحد في نهر دجلة , وإنما كان يمثل روح الحياة ومصدر الرزق والإستجمام والطعام , ومبعث السعادة والألفة والتخاطب بأعذب الكلام.

جدتي كانت لها أجندتها وتحسباتها وتعرف كيف تكون العلاقة الحميمة مع النهر , فقد وضعت عند شجرة قريبة منه أعدادا من أحزمة “الكرب” التي صنعتها بيديها , وجعلتها جاهزة للإستعمال , فلا تسمح لمن لا يجيد السباحة أن يخوص في النهر من غير أن يتحزم بالكرب , ولا يمكن لضيف أن يأتي بأولاده وبناته لزيارتها , ويقترب من الماء من غير ذلك الشرط , كما أن هناك أعداد جاهزة من ” الجوب” وهو الأنبوب المطاطي الذي يكون داخل إطار السيارات , جاهزة للإستعمال.

فجدتي كانت حازمة ولا يمكن الخروج عن أوامرها وضوابطها في التعامل مع النهر , لأن في ذلك خطورة غير مبررة على الحياة , فالنهر جميل ورائع عندما نحسن التعامل معه , ولديه القدرة على إبتلاعنا عندما نتجاهل الإحتياطات ولا نعرف طبعه.

فما أسهل الغرق في النهر , وحتى السبّاح الماهر قد يصرعه التيار الشديد ويسكنه القاع , أو يدحرجه إلى حيث يمسك به جرف.

وفي مجتمعنا يغرق العشرات كل صيف في أنهارنا , وما تعلمنا مهارات وضوابط الوقاية من الغرق , وإنما تتكرر الصورة وبفجائعية متعاظمة مع تطور تكنولوجيا وسائط النقل النهري , لأننا نجهل مبادئ وأصول الوقاية من الغرق وغيره من الأخطار , وهذه ثقافة مغيّبة أو معدومة , ولا تجد مادة دراسية في مدارسنا تعلم ثقافة الوقاية من الأخطار بأنواعها.

فلو توفرت لدينا أحدث وسائط النقل النهري , فأنها تبقى ذات خطورة عالية لآننا لا نعرف مهارات الوقاية مما قد ينجم عن إستخدامها , وهذا ما جرى في نكبة العبارة في الموصل , ومهما قيل وسيُقال , وما سيتخذ من إحراءات ويُصرح به من إتهامات , فلن يحل المشكلة وستتكرر ما دامت ثقافة الوقاية لا وجود لها ولا أثر.

فعلينا أن نعلم الناس مهارات الوقاية من الأخطار , وأن تكون هناك هيئات ومراكز لتعليمها وتدريب الناس عليها , لكي يكونوا مؤهلين لمواجهتها وعدم السقوط ضحايا لها.

ففي المجتمعات المعاصرة هناك إحترازات وقائية للعديد من الأخطار من الحريق إلى الفيضان والأعاصير والهزات الأرضية وغيرها الكثير , ونحن لا نستطيع تعلم فنون الوقاية من الغرق؟!!

إنها لمحنة سلوكية تستدعي المزيد من النظر , لأن إهمال تعليم مهارات الوقاية من الأخطار , من أساليب العدوان على البشر.

فهل نحن أعداء أنفسنا ومجتمعنا؟!!

د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here