العرب محظوظون : فالكلام لا زال مجانا و بلا ضريبة !!..

بقلم مهدي قاسم

و لئَّن العرب ــ وهنا لا
نقصد التعميم المطلق ــ قد امتازوا بكونهم ظاهرة صوتية وكلامية غزيرة و صاخبة و فارغة ، تأتي على شكل تموحات هادرة لا تهدأ و لا تتوقف طوال اليوم و أواخر الليل حتى مطع الفجر!! ، فوجدوا ضالتهم في كثرة الكلام لغرض الهروب من المسؤولية تارة و تبرير الفشل و الاتكالية
تارة أخرى و التنفيس عن معاناتهم و ضغينتهم وكراهية بعضهم لبعض آخر تارة ثالثة ..

ربما لهذا السبب العرب يعشقون
فنون الكلام وتزويقاته و ديباجته وبلاغته ومتونه و عروضه عشقا غريبا يصل لحد الهوس ، بل لديهم استعداد دائم أن يتأثروا لعبارة و فقرة أو نص ، تأثيرا بالغا وبحسّاسية مرهفة جدا !! لحد تدمع العين !! حتى لو سمعوا أمثاله ألف مرة ومرة ، و لكن مع ذلك يبقى القلب متحجرا
صلدا فظا و غليظا ، حتى ولو سمعوا نفس العبارة أو الفقرة عشرات مرات وفي كل يوم !..

و لأن الكلام عندهم يُطلق
على عواهنه بدون أدنى التزام أو تنفيذ أم تحقيق أو تجسيد ، فتجدهم من خلال هذا الكلام طيبين و إنسانيين جدا و رقيقين كثيرا و عطوفين إلى حد كبير و شفافين لحد رقة وردة و موجة ، حتى تظن و كأنهم يحرصون على عدم دعس حشرة واحدة ، و كذلك هم دعاة خير ، ولكن ليس فاعلوا
خير ، ينادون بالتغيير لصالح الوطن ولكن لا يحبذّون المساهمة في هكذا التغيير ، عقائديون في قناعاتهم وطروحاتهم و أفكارهم ولكنهم لا يضحون بعيشهم المرّفه لصالح تنفيذ و تطبيق العقيدة في أرض نشؤها وتكوينها ، مثلما ينبغي ويجب ليطّبقوا النظرية مع العمل ..

و قد سبقوا لهم أن أهدروا
ملايينا من كلام في الشعر و النثر والخطابة ، الآن وجدوا لذتهم ومتعتهم بل تنفيسهم الكلامي في الرواية قراءة أو كتابة، و ذلك لوجود مساحة أكبر وأوسع وأطول لقول الكلام الكثير و الكثير و البروز بدور الحكيم و الشافي البديع والناقد الإصلاحي المجيد و العظيم !!..

لذا فأكبر مصيبة و لعنة ومحنة
يمكن أن تُصيب العرب و ربما ستدفعهم نحو ثورة وانتفاضة و تغيير حقيقي إلى جانب إنتاج و إبداع ، هو ، جعل الكلام بالفلوس مع فرض ضرائب عليه فإنذاك ستصبح حال العرب مثل أسماك محتضرة خارج نهر أو بحر ، سوف يختنقون بدون كلام و يشحّبون ويسقّمون لأن خزينهم سيُنضب ومعينهم
سينُفد و أوهامهم الباطلة والزائفة ستُكشف و حيّلهم ستُفشل وحقيقتهم ستُبرز فيظهرون كفقاعات ممتلئة هواء فاسدا وهي تتفّقع و تتفرّقع دخانا زائلا و غبارا منثورا

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here