خيانة الأغلبية الهامدة و الصامتة للأقلية المتظاهرة و الصامدة !

بقلم مهدي قاسم

كما هو معروف و معلوم إنه بدون
تحرّك الأغلبية الكاسحة من المجتمع بهدف التغيير الجذري و الإصلاح الكامل فإن الأقلية من المجتمع لا تستطيع أن تفرض شروط التغيير على أصحاب السلطة و الحكم أو تغيير السلطة أو نظام حكم ما تغييرا كاملا نحو نظام حكم جديد وأفضل و أصلح مما كان في السابق ، حتى لو تظاهرت
هذه الأقلية و احتجت و قدمت من تضحيات جسام لسنين طويلة ، لعل تجربة العراق خير دليل على ما نقول ، فعلى الرغم من تدهور الخدمات بشكل كبير ومتواصل ، مضافا إليها شدة الفقر المدقع و نسبة البطالة العالية جدا ومشاهد خراب و دمار و تدهور تبدو شاخصة و صارخة في كل أنحاء
العراق ، مع ذلك فإن نسبة المتظاهرين و المحتجين والمطالبين بالتغيير ضئيلة جدا ــ رغم أهميتها و تضحياتها اليومية وصمودها الدائم ــ بالمقارنة مع الأغلبية الصامتة التي تعاني هي الأخرى و تشكو دوما وبمرارة !! ، ولكنها تأبى أن تخرج إلى الشارع بأعدادها الهائلة ،
حتى تفرض من خلال حضورها المليوني الجارف إرادتها و مطالبها ورغبتها في التغيير الجذري و الإصلاح الكامل ، مثلما كان الأمر و لازال في كل من الجزائر و السودان ، كما في مصر و تونس سابقا ، إذ لا حاجة إلى القول أو التأكيد على أن للأغلبية الكاسحة حضورها الرادع ــ
نفسيا و هيبتها الشعبية المهددِة التي تجعل أصحاب الحكم و السلطة تحسب لها ألف سؤال و حساب وهي ترتعد خوفا و هلعا من احتمالات السحق و السحل أو الشنق إذا وصلت الأمور منفلتة إلى ذروتها ، سيما عندما يجد أصحاب السلطة والحكم أنفسهم عاجزين عن مواجهة الجماهير المليونية
الزاحفة كأسراب النمال ، من كل ناحية و منعطف و ركن و زاوية ، فلا يستطيعون مواجهتها أو وقفها لا بالهراوة و لا بالرصاص .. لا بقتل عشرة أو مائة أم ألفا من بين صفوفها المتقدمة كموجات عملاقة ومتلاطمة و جارفة ! ، فحتى قتل بضع آلاف من المتظاهرين لن تؤثر تاثيرا حاسما
على تقدم بضعة ملايين من المتظاهرين وسيطرتهم الممكنة على أي موقع حكومي يشاؤون ، ، ولعل هذا الحضور المليوني الكثيف و الصامد و المصّر دوما على المضي قدما نحو تحقيق كل المطالب ، كان السبب الرئيسي في استسلام أصحاب السلطة والحكم في تلك البلاد لإرادة الجماهير المليونية
أو الهروب خارج البلاد ، بل الخضوع لإرادتها الشعبية أخيرا ، و من ثم الإقرار النهائي بهزيمتهم ومحاولة بائسة على إجراء مساومة من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه ، أو حتى مجرد الحفاظ على ماء الوجه إذ أمكن ..

ولكن ما حدث في العراق كان
على عكس تماما من مما حدث في السودان والجزائر أو مصر، إذ أن الأغلبية الكاسحة العراقية لم تخرج حتى الآن بجماهيرها المليونية الهادرة ، فهي مترددة و لا زالت صامتة مامتة ، بل و هامدة ، وهي تتفرج على الأقلية المتظاهرة و المتفانية منذ سنوات طويلة وهي تُضرب و
تُعتقل و تُـغتال ، دون أن تحرك ساكنا ، وكأن الأمر لا يعنيها لا من قريب ولا من بعيد ! ، رغم إنها هي الأخرى تعاني مثل غيرها من سوء ورداءة الخدمات و انقطاعها المتواصل ، فضلا عن أشياء سلبية و مزعجة أخرى كثيرة..

فيا لها من أغلبية سلبية و لامبالية
بل واتكالية متكاسة !، إذ وهي بعدم اكتراثها هذا ليس فقط تخون هذه الأقلية المتظاهرة و المضحية من أجل إحقاق حقوق الجميع ، إنما تخون قيمها هي بالذات و التي يجب أن تتجسد بروحية التضامن الجماعية المفروضة أخلاقيا و مسؤولية المواطنة الجماعية ــ فردا و جماعة ــ
في الدفاع عن القيم العراقية والمبادئ الوطنية و الإجتماعية و الإنسانية على حد سواء .

لذا نظن و نعتقد بإن الأجيال
العراقية القادمة ستنظر بعين احتقار و ازدراء لهذه الأكثرية الصامتة و موقفها الراكد و الجامد و لخيانتها الواضحة للأقلية المكافِحة و المتظاهرة يوما بعد يوم ، و بصمود وتواصل رائعين و مثيرين للإعجاب و التقدير ! ، سيما في مدينة البصرة .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here