لماذا التملص من تنفيذ المادة 140 لحد الآن

عماد علي

السؤال الاهم هو من وراء عدم تنفيذ المادة الدستورية 140 حول المناطق المتنازعة عليها من سنجار الى خانقين، و لماذا، و من يقف عائقا في طريق التوجه الصحيح لمستقبل العراق، و من وراء هذا التملص العلني و من هو المستفيد، و ما دور الجهات الداخلية المتعددة الشكل و التركيب و القوى الخارجية المهيمنة على زمام الامور سرا و علنية و بشكل مباشر او غير مباشر في عدم ضمان مستقبل جميع الفئات والمكونات. و ما دور الكورد و العقد التي صنعت جديدا نتيجة عدم الايفاء بوعودهم كما يدعي الاخرون، و من هو الطرف المتملص حقا في تنفيذ هذه المادة و خلاص العراق من كافة المشاكل التاريخية التي اصابت العراق نتيجة هذه العقدة.

لو قارنا بين موقف الكورد و السلطة المركزية حول هذه المادة التي اصبحت قضية مابعد سقوط الدكتاتورية و التي جاءت بعد عقدة هذه المناطق تاريخيا، و حاولنا ان نبيّن و نذكر من له الدور الاكبر في عدم تنفيذها او التملص منها، و من يتمكن من فرض تنفيذها او رفضها، يستوضح لدينا بان النسبة الاكبر من القصور تقع على عاتق الحكومة المركزية بحكوماتها السابقة التي حملت جوهرا فئويا مذهبيا حزبيا ضيقا و كان رؤساء الوزراء السابقين مابعد السقوط اصحاب العقد الماضيية و حاملو الامراض الفكرية العقيدية الناشئة من تعقيد و فحول المشاكل بين الفئات نتيجة قمع و دكتاتورية الحكومات العراقية قبل السقوط و التي اعتقدت بان العراق يجب ان تحكمها فئة دون اخرى و انها ظُلمت منذ انبثاق الدولة العراقية على ايدي الاستعمار و اعطيت السلطة لفئة دونها، و ان هذه السلطة الحاملة لتلك العقد حصلت على ما هي اعتبرتها حقها واصبح شعارها ( ماينطوها بعد) ابدا وفق نظرية الاحساس بالغدر استنادا على احقية حكم الاكثرية التي سرقت منهم بحيَل دولية استعمارية و من اجل مصالح خارجية، وبقي العراق منذ حينه الى اليوم مركزا للفوضى وعدم الاستقرار و الامان و بعيدا عن التعايش السلمي و التآخي.

و عند استلام هذه الفئة الحاسة بالتظلم على ايدي مؤسسي هذه الدولة، فانها عوضا عن اتخاذ العبرة منها و ان تكون بعيدة عن السلوك و التصرف ذاته الا انها و من استغلال سلطتها فانها نفذت فيما بعد السقوط ما نفذته السلطات السابقة باسم و فكر و فلسفة اخرى و بالهدف ذاته. هذا من جهة السلطة العراقية التي حملت هذه التوجهات و النظرة الى العراق وتاريخه و مستقبله و سلكت الطريق التي لم تاتي بالخير او الاحساس بالاستقرار او بالحلول للقضايا الشائكة التي تعقدت نتيجة تراكم ما بدر من السطلات السابقة و بالاخص الدكتاتورية التي لم تدع اي مجال للتراجع و ايجاد الحلول الجذرية المقنعة للجميع.

اما عن الكورد و ما وقع عليهم، فانهم ايضا اغتروا بالوضع الجديد الذي جائهم و لم يصدقوا بانهم تحرروا نسبيا من تحت نير السلطات السابقة و ما هضمت حقهم، و لكنهم بدل الاتعاض من الاخطاء السابقة فانهم اخطئوا كثيرا بداية و ركزوا اهتامامتهم بالمناصب و المصالح الحزبية و الشخصية بدلا من الاصرار على الحقوق التي سلبت منهم منذ تاسيس هذه الدولة و حل المشتكل التي تفيد جميع المكونات قبل الكورد انفسهم فانهم هرولوا الى بغداد دون ان يضمنوا ما يمكنهم من تحقيق الاهداف التي سُكبت من اجلها انهار من الدماء و ضحي له الشباب الغالي و النفيس طوال الثورات المتلاحقة . ان المال و المناصب عميت عيونهم و لم يروا الفواجع التي اصيب بها الشعب الكوردستاني طوال العقود الماضية و الكرسي اسدل الغشاوةة من على رؤياهم و لم يروا الماضي حتى القريب. و من جهة اخرى، انهم لم يكن لديهم الخبرة التي كان من المفروض ان يتمكنوا بها اللعب الجميل وفقها من اجل ضمان ما يريده شعبهم و الحقوق التي لا يمكن ان يتنازل عنها حتى الطفل الكوردستاني في اي يوم كان. انهم اما خُدعوا بما لم يعتقدوا او يتصوره من فسح المجال للحكم في بغداد او كيف خامرهم الشعور بالعظمة الكارتونية المؤقتة التي وهبتها السلطة المرحلية التي تمتعوا بها في مركز العراق و لم يعتقدوا بان الظروف سوف تتغير و لم يتمكنوا من الاستمرار حتى على حزء بسيط من مكانتهم و مقدار سلطتهم و ان كانت حقة لهم. و كما اتجه العراق نحو الامن و الاستقرار النسبي في مراحل ما في تاريخه بالقمع و واد الحرية و اصبح ما نتج بشكل مؤقت على حساب الكورد و المكونات، اما مابعد سقوط الدكتاتورية ففقد الامن و الامان و الاستقرار بسبب النظرة الجديدة و السياسة التي تريد الفئة الغالبة الانتقام من الاخرين نتيجة عقدة المظلومية التي فرضت نفسها علىهم في بغداد.

نتامل ان تكون السلطة الحالية قد استفادت من اخطاء ما افرزته هذه العقدة من قبل من جا بعد السقوط مباشرة و بالاخص في مرحلتي المالكي و العبادي، و نعتقد بانها سوف تصحح الامر ان تمكن من تنفيذ نظرته الى الامور و ان فُسح لها المجال و لم تعيقها اصحاب العقدة الفئوية المذهبية.

لقد اهملت هذه المادة الخاصة بالكورد و بجوهر قضيتهم الحساسة التي فرضت نفسها على مصيرهم من قبل السلطات عمدا و كان للشوفينية العرقية و المذهبية دور سلبي كبير في التملص من تنفيذها، عدا تدخلات القوى الخارجية الاقليمية و الدولية و شتى انواع

المخابرات الدولية وبالاخص مصالح الشركات الكبرى التي تسيّر الحكومات وفق مصلحتها و ربحها المادي و مستقبلها كما هي حال شركة النفط البريطانية (برتش بتروليوم) و دوهرا الخبيث في العراق ماضيا كانت ام الان و ما تخططه للمستقبل.

اليوم و بعد بيان الافق السليم من احتمالية نفاذ هذه المادة من خلال وصول السيد عادل عبدالمهدي الى سدة الحكم و ما يحمل من النظرة المعتدلة الى كافة القضايا المصيرية، و لكن و هو تحت تلك الضغوطات التي تسلطها نتلك القوى التي تملصت من المادة وتضعها محرجة، فان المجال غير واسع للوصول الى الحل الذي يمكن ان يقنع الجميع ايضا، و هذه نتيجة سيطرة العقلية الشوفينية التي اصبحت تحت تاثير الافرازات السلبية للسلطات السابقة و عقدها، و اليوم هناك جهتان يواصلان في جر الحبل الى اتجاهين متعاكسين، احدهما يراهن على عدم تنفيذ المادة املا في اهمالها نهائيا، و الثانية تريد تنفيذ ما تضمها وفق ما تسمح الظروف السياسية الحالية لعدم تلقي الضربة السياسية عند تنفيذها مباشرة و بالسرعة الممكنة.

و عليه، يمكن ان يُلقى العتب على الكورد انفسهم على عدم معرفتهم في التعامل مع السلطة العراقية مابعد السقوط من اجل حل القضايا المصيرية و تضحيتهم بما هو الاهم من اجل المهم المؤقت المرحلي، انهم لم يصروا على تنفيذ هذه المادة التي تخصهم و تتبنى حلا للعقدة التي صنعتها السلطات نتيجة تمسكهم بالقضايا المرحلية او بالاحرى المصالح الضيقة دون ان يتاملوا ما يحصل، و يمكن ان نقول انهم ضحوا بها دون علمهم او نتيجة لافعالهم و سياساتهم الخاظئة او عدم امتلاكهم الخبرة و الدراية اللازمة للتعامل مع الواقع الجديد علاوة على المؤامرآت الدولية بهذا الجانب و ما فيها من التربص الاقليمي للتاثير على ما يمكن من فرض ما يريديون على الموالين او من لهم اليد في تاسيسه او من له المصلحة معهم في العراق من القوى الجديدة بشكل مباشر او غير مباشر من اجل عدم التقرب من الحل النهائي لهذه اقضية، سواء كانت تركيا صاحبة عقدة كركوك ام ايران المؤمنة باحقيتها لامتلاك العراق بارضه و شعبه و هي تعتبره ضمن امبراطوريتها و سُلب منها تاريخيا من قبل الغازين.

و هنا يتوضح لدينا الجوانب المعقدة الصعبة من تنفيذ هذه المادة الدستورية المهمة. يجب ان نقول بانه سيسجل التاريخ للقضاء والعدالة العراقية بقراره في استمرارية نفاذ هذه المادة بعدما حاول العديد من الدوران حولها و التملص منها استنادا على الحيل القضائية و التربص بالفجوة التي يمكن ان يجدوها او يصنعوها في المادة من اجل التملص منها او فرض اطالة تنفيذها بالسفسطة و عدم الالمام و التضليل.

و لهذا علينا ان نقول؛ ان كان جزء من السبب في تملص هذه المادة يقع على عاتق الجانب الكوردي فان النسبة الاكبرمنه تقع على عاتق السلطة المركزية و بالاخص السابقات مابعد السقوط من خلال التملص نتيجة العقد النسيطرة على عقليتهم و العقائد و النظرات التخلفية ازاء الاخر بعيدا عن الحقوق و ما صنعه التاريخ من ظلم الاخر على ايدي الغادرين.

نعتقد بان اليوم و في هذه المرحلة و في ظل الحكومة المركزية المعتدلة البعيدة نسبيا عن عقدة الغدر للفئة المعتقدة بالتظلم، يمكن ان يجتمع الجميع لوضع الحجر الاساس للحل الجذري النهائي و استئصال كل العقد في كيان الفئات، و ان نجحت هذه السلطة ما يقع عليها فان الترايخ سيسجل للسيد عادل عبد المهدي بماء الذهب هذه المهمة، لانه سيزيل امام الشعب العراقي العلة و السبب الرئيسي لعدم ضمان الامن و الاستقرار المستقبلي لكل العراق و ليس للكورد فقط، و يمكنه ان يعيد مجريات حياة العراقيين الى السكة الصحيحة التي حرفتها القوى الاستعمارية العالمية منذ تاسيسها من اجل ضمان مصالحهم على حساب هذا الشعب المغدور بكل فئاته من اساسهم.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here