مسلسل صدام حسين (الحلقة الأولى)..ربيـــــــــــــــــع تكـــــريـــــــت…

يتناول الكاتب الصحفي أمير إسكندر في كتابه «صدام حسين، مناضلا ومفكّرا وإنسانا» الصادر في سنة 1980، تفاصيل كثيرة عن سيرة الشّهيد صدام حسين، ومواقف تاريخية للزعيم والقائد، الذي حاول بناء دولة عربيّة قويّة، إلاّ أنّ قوى الشرّ العالميّة، المعادية لتحرّر الأمّة العربيّة، أبت إلاّ أن تنتقم من صدّام حسين وأن تقوم بإعدامه فجر الثلاثين من ديسمبر 2006. “الشروق” تقّد لقرّائها حلقات من مسلسل صدام حسين، من قرية العوجة التي ولد فيها ذات ربيع، من العام 1937، إلى قرية العوجة التي عاد إليها جثّة هامدة في نفس يوم إعدامه.

يقول أمير إسكندر، إن مرحلة طويلة من الظلام كانت جاثمة في تلك اللحظة التاريخية. ولم تتمثل ظلمتها في انهيار الثراء المادي والثقافي والازدهار الحضاري للأمة فحسب ولم تكن علاماتها الكئيبة تغير طرق التجارة الدولية وضمور المدن العربية الزاهرة أو تدفق جحافل الصليبيين – تتار الغرب – على قلب الوطن فقط وإنما تمثلت أشد ظلمتها وأكثر علامتها كآبة، في انفراط تكامل الأمة العربية نفسها وتمزيقها. ويضيف، ولسوف نحتاج إلى عدة قرون حتى يبزغ من الألم والمعاناة، ومن مرارات النضال الطويل ضد تعرجات التاريخ وتراجعاته، نجم. وآنذاك سوف يكون أوان المخاض الجديد قد آن، وستبدأ لحظة (البعث).
إن صدام حسين قد ولد في زخم تلك اللحظة العربية العسيرة ووسط آلامها وربما كان للتوافق التاريخي بين لحظة ميلاده وميلاد البعث دلالة أعمق وأبعد من مجرد المصادفة العشوائية أو الاتفاق الشكلي في الزمن بين لحظتين. ذلك لأن المسرح عندما يكون قد تهيأ للبحث عن بطل، سيكون صدام حسين قد اشتد عوده ووقف في الكواليس على تمام الأهبة ليلبّي نداء التاريخ بجدارة.

ولم يكن مولده في عام 1937 بهيجا. ولم يُحط مهده بالورود والرياحين. ولم يفتح فمه ليتلقى ملاعق الذهب. لقد ولد يتيما مات أبوه قبل أن ترى عيناه النور(تقول عدة مصادر إنّ ولده قد توفّي قبل خمسة أشهر من مولده). ولد فقيرا من صلب فلاحين صغار فقراء مثل الكثرة الغالبية من قادة التاريخ الحقيقيين. وكان عليه من لحظة وعيه لنفسه أن يواجه تحديات الحياة بأن يصنع وجوده بنفسه.
وكان ذلك في الربيع في فجر اليوم الثامن والعشرين من أفريل عام 1937 عندما وضعت السيدة صبحة طلفاح المسلط مولودها في بيت أخيها الحاج خير الله طلفاح وكان عمه حسن المجيد هو الذي أطلق عليه اسم (صدام). وكان البيت الطّيني يقع في منطقة تدعى (الحارة). وهي مكان تجمع أقارب صدام حسين حيث غالبا ما كانت تقسم مناطق السكن في المدن الصغيرة على هذا الأساس وفق التقاليد الاجتماعية الماضية وفي تلك المدينة الصغيرة الواقعة على ضفة نهر دجلة اليمنى والتي اتخذت اسمها (تكريت) من كلمة رومانية كانت تطلق عليها من قبل وهي : ميونيا تيجريدس « MIONIA TIGRIDIS»، ومعناها قلعة دجلة. ويحيط بها سور مثمن له أربعة أبواب .

ومع ذلك فإن شرف الأصل لا يتوافق بالضرورة مع الثراء. فصدام حسين، ولد في هذا البيت الطيني الذي ينتصب على أعمدة من الخشب لا تكاد تقوى على حمله، من أصلاب الفلاحين الفقراء – وهكذا كانت في الأغلب والأعم بيوت تلك المدينة الصغيرة – ينتمي في الواقع إلى أسرة من أعرق الأسر في تاريخ العرب الديني والسياسي على السواء. ذلك أنّ تأمل شجرة الأسرة التي انحدر منها صدام حسين يدلنا على أنها تمتد جذرا بعد جذر إلى الأسرة العلوية وتاجها الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه). والغريب أنّ صدام لم يذكر في أحاديثه ولقاءاته قط هذه الحقيقة. وربما لأنه يرفض المزايدة بالأصول التاريخية والدينية أمام من لا يملكون سواها. بل سعى الى أن يجسد المعنى العلماني العصري للكرامة والشرف وأن تكون كرامة المواطن مستمدة من كرامة الوطن وأن ينبثق شرف المناضل من نضال الثورة غير أنه في لحظة مواجهة مريرة وشاقة على النفس مع الذين حاولوا أن يغدروا به ويخونوا عهده حين أصبح القائد الأول للمسيرة الثورية في وطنه. وقال في خطابه الشهير حينذاك (نحن أحفاد علي) خطابه الذي ألقاه في (8 أوت 1979).
(يتبع)

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here