الكراسي والجنس!!

الوعي الجمعي المتوارث يختزن العجائب والغرائب المختلقة والتي تدور في أفلاك الكراسي , وهي أشبه بالفنتازيا والتهيؤات الناجمة عن الحرمان الشديد.

والعجيب فيها أنها ذات صلة بالحياة الموعودة بعد الموت , حيث ما لذ وطاب من الرغائب العُجاب.

فما هو قائم في وعينا أن أصحاب الكراسي ومنذ فجر التأريخ وحتى اليوم لا هم لهم إلا الجنس , فتوارثنا ما لا يمكن تصديقه من القصص والحكايات عن أن الخليفة والسلطان والحاكم والأمير بل وحتى النبي , لا هم لهم ولا شاغل عندهم سوى ممارسة الجنس مع الجواري والغلمان , ووصلتنا أعداد هائلة من الجواري لدى هذا الخليفة أو ذاك.

وتقف متحيرا أمام مصداقيتها , لأنها تتنافى وقدرات البشر الفسيولوجية والنفسية , لكنها مغروسة في رؤوسنا ولا يمكن القول بغيرها أو مساءلتها.

ومهما توهمنا وتخيلنا فلا يمكن للرجل مهما إمتلك من قوة بدنية وصحة وعافية أن يمارس الجنس يوميا وبلا إنقطاع , بل أن المعدل المعلوم للرجل بتمام صحته وعافيته أن يمارس الجنس مرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع , وهذا العدد يتناقص مع تقدم العمر.

فكيف يعقل القول بأن هذا الخليفة أو السلطان لديه كذا مئة جارية وأنه يجامعهن جميعا , فحتى الكلب الذي هو أشره مخلوق لممارسة الجنس والأكل لا يمكنه أن يقوم بذلك , وإنما يطارد كلبة واحدة حتى تنهكه وتخور قواه.

ووفقا للفهم الفسيولوجي والبايولوجي للجسم البشري من الصعب التصديق بما توارد إلينا في كتب التأريخ من مرويات , ذات نفحات أسطورية وخيالية لا رصيد لها من الواقع , إذ يتم تصوير الذي في كرسي السلطة على أنه كبش وسط قطيع من الجواري , ولا شغل عنده سوى أن يمارس الجنس مع مَن يشتهي منهن!!

هذه الروايات تقول بأن الخليفة أو السلطان إنسان آلي بلا نفس ومشاعر وأحاسيس , وأن قوته وهيبته في قضيبه الحديدي , وأنه يختلف عن باقي البشر , فلا يشبع من الجنس وعليه أن يكون في مخدعه ليل نهار , والجواري تتقاطر إليه ولا ينهار!!

يبدو أن في ذلك إنتقاص من قيمة وهيبة الخليفة والسلطان أيا كان , فلا يُعقل أن يتمكن مسؤول بهذا الموقع أن يمارس مهام عمله بحكمة ورجاحة , وهو منهوك بدنيا ومسلوب عقليا وفاقد لقدرات التفكير لإنغماسه أو إدمانه على الجنس , وكأنه يسعى لحتفه.

ولا ننسى في تلك الأزمان كثرة الأمراض وقلة العلاجات , ومعاناة البشر من الحرمان , فما يعيشه أبسط إنسان في زماننا أفضل مما كان يعيشه ملوك وسلاطين تلك الأزمان , الذين لم تتوفر لديهم أبسط وسائل الراحة والإستجمام , التي نتمتع بها اليوم.

وعليه فأن القراءة الموضوعية لتلك الحالات تشير إلى أنها غير واقعية , ولايمكن لبشر أن يحققها مهما توهمنا بقوته وقدرته البدنية , ولا يمكن لرجل أن يرضي حاجات أكثر من إمرأة , وحتى القول بأربعة نساء

فيه نظر , فهل وجدتم رجلا مع أربعة نساء , أم أن السائد وهو شاذ أن يكون مع إمرأتين , وقد بدى منهوكا ومصابا بالوجيع النفسي ومشاعره في إضطراب.

ومن الممكن القول بأن العقل الخرافي السائد يتقبل مثل هذه الحكايات , ويطورها حتى يتحول بطلها إلى رمز أسطوري لمطمورات فاعلة في أعماق الأجيال التي يفترسها الحرمان.

فهل لنا أن نعيد النظر بما يُقال من التخريف والهذيان , وأن نُعمل العقل فيما يكون وكان؟!!

د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here