المفكرون يدمرون!!

الواقع العربي ومنذ بدايات القرن العشرين وحتى اليوم يزدحم بالمفكرين الذين أسهموا وبقوة في تدميره من أقصاه إلى أقصاه , فهم يبررون ويسوّغون ومعتقلون في زنزانة لماذا , ولا يتجرؤون على النظر إلى فضاءات كيفَ , بل يخشون الإقتراب منها , وبهاذا فهم ” المأسنون” (من آسن) و”المُرسّخون” من (رسخ) , و”المثبطون” من (ثبط).

فطروحاتهم وبلا إستثناء تدور في فلك الدين والتأريخ ولا يمكنهم الخروج من قبضتهما , ويكررون ذات الطروحات وبمفردات وتعبيرات متجددة , وينتقدون ويحللون ولا يقدمون حلولا.

يقولون أن الأمة بحاجة إلى أربعة قرون أو أكثر لكي تخرج من عصرها المظلم كما حصل في أوربا , بل أن البعض يرى أن الزمن سيزداد لأن الدنيا تتقدم وهي تتخبط في متاهات الدين والتأريخ , وآخرون ينسفون وجود الأمة ويعتبرونها منقرضة أو آيلة للفناء , وطروحات أخرى تدور في ذات المحور والمدار.

ويحسبون أن الأمة ميتة , وأنها لا تتفاعل مع العصر , وأنها لا تنتج معارف , ولاتمتلك القدرات اللازمة لبقائها , ويمعنون بإستحضار أسباب وموجبات موت الأمة وإعترافها بالهزيمة والإنقراض الحتمي , وعليها أن تتبع وتخنع وتذبل وتُستعبَد من قبل الآخرين.

وفي طروحاتهم إلغاء للزمن المعاصر , وتوهم بأن الدنيا تعيش في عزلة كما كانت في القرون الوسطى , ولا ينظرون إلى المجتمعات الأخرى كيف خرجت من معتقلات عصورها المظلمة في ظرف بضعة عقود , كما حصل في الصين وماليزيا وسنغافورا وغيرها من مجتمعات الدنيا التي نهضت من تحت ركام العصور.

ولا بد من القول بأن الأمة حية وستكون رغما عن جميع الطروحات اليائسة البائسة , وأن فيها أجيال واعدة ومتفاعلة مع عصرها , وتعيش في قلب الحياة وتساهم بالإبداع والعطاء المعاصر على مختلف مستوياته وإتجاهاته , فالحضارة المعاصرة ليست غربية أو أوربية أو صينية , إنها حضارة إنسانية وناتجة من تفاعل عقول البشرية مع بعضها , والدول الغربية ما هي إلا حواضن للعقول البشرية من أصقاع الدنيا كافة , ولهذا تحقق التطور السريع والهائل , والمنطلق بخطوات شاسعة نحو جديد بعد جديد.

فالحضارة إنسانية واحدة , والفرق بين العقود القليلة الماضية وما سبقها من قرون , أن البشرية تمكنت من التواصل والتفاعل بثقافاتها المتنوعة , فأوجدت ما لم تكن قادرة على الإتيان به كل ثقافة لوحدها.

أي أننا تعيش في عصر سبائكي (من سبيكة) العقول , فالسبائك العقلية هي التي تنتج هذه النوعية الأصيلة من الإبداعات على جميع المستويات , فالأمة الإنسانية تتفاعل مع العصر بكلها , وأمتنا العربية جزء فعّال منها وفيها , فلا يجوز إفرادها والتعامل معها على أنها معزولة أو منقطعة وخارجة عن العصر.

فالأمة لا تختلف عن غيرها من الأمم بكل ما فيها وعليها , والمشكلة أن الطروحات التي تسمى فكرية تخلو من المصداقية والعملية , وتدور في دوائر مفرغة من التعجيز والتيئيس والقبول بالدونية والهوانية والتبعية النكراء.

فالأمة يمكنها أن تكون في غضون بضعة عقود وتعاصر وتنطلق في مشوارها الحضاري , فعليها أن تتحرر من الأفكار السلبية والتوجهات الإحباطية وتؤمن بنفسها وبإنسانها , وتثب بعزيمة وإصرار نحو مستقبلها الزاهر.

وليبتعد مفكروها عن المقارنات التدميرية والإنحرافات التحليلية لواقعها, وكأنهم يغفلون جوهرها وطبيعة السلوك البشري.

قد يتصور البعض إن ما تقدم بعيد المنال , لكنه قريب وقريب , وأقرب من حبل الوريد , عندما نؤمن بأننا نكون!!

د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here