الدين والدولة، ح 4 *

د. رضا العطار

كان الاسلام السياسي في الفكر العربي الكلاسيكي يدور حول محاور محددة، كانت سببا في خلاف تيارات هذا الفكر وتباينها بعضها بعضا وكان من هذه المحاورالتي شغلت مساحة كبيرة من الفكر السياسي العربي هي :

* النسب القرشي: لقد شغل هذا المحور معظم التيارات الفكرية الاسلامية المختلفة التي حارت بين احاديث نبوية مختلفة، فمنها ما كانت تنص على ضرورة ان يكون خليفة المسلمين من قريش – وحديث آخر مخالف ينص على طاعة الحاكم العادل ولو كان عبدا اسودا.
وهذه الاحاديث – ان صحت ـ تكرس الولاية لقريش وتحصرها في هذه القبيلة الصغيرة، بينما كانت هناك قبائل في الجزيرة العربية اكبر حجما واشد باسا وارفع مقاما : كتميم والازد وقضاعة وهوزان وغطفان وعبد القيس وغيرها. وان الثروة التي اصابة قريشا كان محصورا في آل عبد مناف. – ورغم تمييز الكثيرين من رؤساء العرب على القريشيين في فضائل الجود والكرم، فان قريشا كانت تزعم لنفسها امتيازا على بقية العرب – بسبب عملهم في التجارة – – فقد عرف القريشيون بالطمع والمغالطة والاحسار في الكيل والميزان والمقياس والرشوة. وهو ما عبر عنه الشاعر ابن قيس الرقيات قوله

ان تودع من البلاد قريشا * * * لايمكن بعدهم لحي بقاء:

– كما يكفي قريش ذلا، انها حاربت النبي ونفته من مكة وارادت قتله.- – – فكيف يجوز هذا والخلفاء الذين جاؤا من بعده، كلهم من قريش ؟

* عصمة الامام : عرّف المعتزلة العصمة بانها اللطف الذي يمنع عن عمل القبح.
اما الشيعة فقد عرفوها بانها اللطف من الله والتهذيب النفسي من العبد للعبد.
واختلف المفكرون المسلمون بشأن ضرورة او عدم ضرورة عصمة الامام الحاكم.
فقد كانت الشيعة الامامية ترى من انه لا بد من وجود واسطة بين الله وعباده سواء كانت هذه الواسطة نبيا او مبشرا او حاكما. وان الشرع الذي جاء به النبي لا بد له من حافظ، والحافظ هو الامام.

• علم الامام : لقد اعتبر الشيعة احكامهم في العصمة كما في الامام احكاما مثالية، قولهم ان الامام عالم بجميع الامور التشريعية وبكافة الاحكام وبكل ما كان وبكل ما يكون او ما هو كائن. معتقدين ان الامام كالنبي، يتلقى الوحي الالهي.
• وبهذا نرى ان المعتزلة الذين احتلوا مساحة كبيرة في الفكر العربي السياسي والكلاسيكي – قد فصلوا صراحة بين الدين والدولة. وبين مهمة الداعية الديني ورجل الدولة. وبين علم الحاكم وعلم النبي وبين المعرفة الدينية والمعرفة الدنيوية – – ومن هنا قيل قديما لو ان القيصر كان له قلب كقلب المسيح، لما استطاع ان يحقق الفتوحات التي حققها.

• اما الشيعة العلوية فقد ربطوا ربطا محكما بين الدين والدولة. وبين الامام الديني والامام الدنيوي. – بل انهم اعتبروا ان هناك اماما يقبض على الدين والدنيا واعتبروا الائمة حفظة الدين وحكام الدين والدولة في الوقت نفسه – وهو ما تحقق اليوم في الجمهورية الاسلامية الايرانية منذ العام 1979 وهو ما تسعى الجماعات الاسلامية السياسية الى تحقيقه في انحاء متفرقة من العالم العربي.

• وما التبرير المنطقي في ربط الدين بالدولة الا نتيجة العوامل التالية.

1 – الايديولوجية المتزمتة والملزمة التي يعتقدها العلويون، تتشيع لآل البيت، نسل فاطمة الزهراء على وجه الخصوص. بينما ايديولوجية المعتزلة كانت غير ملتزمة ولا ملزمة.
2 – لقد اغلق الشيعة عن الامام، الاجتهاد السياسي ووضعوا تصورا محدودا للامامة. في الوقت الذي ينمو التاريخ الانساني بنمو المعرفة، ولا يمكننا بالتالي التنبؤ بكيفية سير التاريخ. في حين فتح المعتزلة تصورهم السياسي وظل فكرهم بلا نهاية.
3 – كان الشيعة محترفي سياسة. وكان لصراع الامام علي مع معاوية الاثر البالغ على ذلك. – في حين ان المعتزلة كانوا مفكرين وفلاسفة اكثر منهم مجرد ساسة محترفين.
4 – كان الشيعة العلوية يسعون الى السلطة من خلال الدين، ومن خلال دور العلويين في الدين – في حين ان المعتزلة كانوا ينظرون الى السلطة من جانبها الفكري والتطبيقي البحت.
5 – كان الشيعة من السياسيين المثاليين – في حين كان المعتزلة من السياسيين الواقعيين.
6 – كان فكر الشيعة السياسي مقتصرا على الاسلام وحده، في حين كان فكر المعتزلة مفتوحا على الثقافة العالمية.
7 – كان الشيعة من السياسيين، يؤمنون بالديكتاتورية ولا يؤمنون بالديمقراطية بمفهوم العصر الحديث.

دخلت الشريعة الاسلامية كطرف في اللعبة السياسية في العهدين الاموي والعباسي – وبدات السلطة الدينية تخضع شيئا فشيئا الى السلطة الدنيوية – من هنا جاء الربط بين الدين والدولة منذ الدول الاسلامية القديمة.

* مقتبس من كتاب الفكر العربي في القرن العشرين، المجلد الثالث، د. شاكر النابلسي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here