نباح الكلاب لا يحجب ضوء القمر !

بقلم مهدي قاسم

لا أعلم أين ولمن قرأتُ هذه العبارة التي أخترتها عنوانا
لمقالتي لما وجدتُ فيها تصويرا و تجسيدا رائعين لما أريد قوله في السطور التالية ..

بطبيعة الحال إن محتوى أو معنى العنوان هو بحد ذاته تعبير
مجازي و رمزي للحقيقة الدامغة ، بشكل عام ــ والتي عادة ما ينبح في وجهها و يعوي وعاظ السلاطين الذين يتواجدون في كل عصر و دهر وعلى مر التاريخ البشري ، طالما يوجد ثمة حكام وسلاطين و عبيدهم بالطبع ، و الذين يتكونون من صنفين ، أي من صنف مأجورين و مرتزقة و كذلك
من صنف المتطوعين مجانا للدفاع عن سياسات و عقائد و ظلم هؤلاء السلاطين والحكام أو الزعماء ..

و إذا كان المرء يحاول أن يفهم الدوافع الكامنة و المحفزة
التي تجعل مرتزقة و عبيدا مأجورين أن يستميتوا دفاعا عن سلاطينهم و زعمائهم و قادتهم ، طبعا مقابل مال أو عيش ذليل ، فأن الذي يبدو محيرا و عصيا على الفهم هو هذا الاندفاع الأهوج والهستيري الأخرق للصنف الثاني من العبيد المتطوعين ــ عقائديا أو أيديولوجيا ـ في
الدفاع عن هؤلاء السلاطين و الحكام و الزعماء الطغاة و عن أنظمتهم الفاسدة وجورهم الظالم وطغيانهم الفاجر، أجل ، الدفاع عنهم دائما و أبدا ، ضمن و حسب الفهم الجاهلي المشوّه و المنحاز مسبقا و المتجسد أصلا في :

ــ ناصر أخاك أن كان ظالما أو مظلوما ..

فاسدا أو مفسدا ، جائرا أم طاغيا ..

فعبثا يقدم المرء دليلا ، حتى ولو بوثائق و صور ومصادر
موثقة عن فساد هذا الزعيم أو ذلك القائد المظفر و باقي بطانته الفاسدة و البلطجية ، نجد عبيد المال و كذلك عبيد العقيدة والايديولوجيا مستائين و متذمرين من ذلك ، لذا و بدلا من يحاججوا أو يفندّوا هذه الدلائل أو الوثائق و الحقائق بوثائق مضادة وناسفة و بشكل مقنع
، ينجدهم ينخرطون ــ على شكل أسراب غراب زاعقة ــ بالسباب والشتائم ، معتقدين أنهم بذلك إنما يقومون بواجبهم الموكل لهم ــ سواء ارتزاقا أو طوعيا ــ لينظفوا السمعة الملطخة لهؤلاء القادة و الزعماء الفاسدين حتى النخاع ، وهم ومن شدة انحيازهم الأعمى ينسون أو يتناسون
أنه لايمكن تغطية الحقيقة الدامغة بالشتيمة أو المسبة القذرة ..

و لكن الأغرب من كل ذلك هو أن ينخرط هؤلاء أو أولئك العبيد
بالدفاع عن حكامهم و زعمائهم ، مع أنهم في قرارة أنفسهم مقتنعون تماما بفساد هؤلاء الحكام و الزعماء و ظلمهم المهيمن و الوارف ظلالا معتمة هناك و هنالك ، علما أنه فساد واضح وبيّن من القاء نفسه ، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بفساد و ظلم حكام و زعماء شرقيين من ذوي
عقليات بدوية او إقطاعية وعشائرية مقفلة !..

، و ما دمنا عند ” الشرقيين ” فأن الإنسان الشرقي
ــ نقول ذلك بشكل عام و ليس تعميميا مطلقا ــ ميال إلى مثل هذا الانحياز الأعمى دفاعا و تبريرا لكل جرائم و فساد قائده أو زعيمه تحت تأثير عواطف ومشاعر و شحنات عقائدية دينية وقومية أو سياسية فئوية ، وهو بذلك يختلف تماما عن الإنسان الغربي الذي يتسم وعيه المتقدم
ــ عادة ــ برؤية نقدية وفاحصة لمجريات الأمور، سيما تلك التي ذات طابع سياسي له علاقة بطبيعة ومقاليد السلطة وخفاياها ، بحيث قلما نجد إنسانا غربيا يدافع عن حاكمه او زعيمه ، بقدر ما ينظر إليه نظرة نقدية كلها ريب و شك و حذر و انتباه ومراقبة ، لكي لا ينجرف نحو
مستنقع الفساد و استغلال السلطة ، و إذا فعل ذلك مرتميا في مستنقع الفساد فسوف يفضحه عبر صحف ومرئيات إعلامية تمهيدا لتقديمه إلى المحاكم كعقوبة قانونية أولا ، ومن ثم يعاقبه أيضا من خلال صناديق الاقتراع بعدم التصويت له أو لحزبه كعقوبة معنوية واعتبارية ثانيا .

حقا أن نباح الكلاب لا يحجب ضوء القمر ..

أي لا يغطي أنوار الحقيقة الساطعة !..

حتى ولو ارتفع هذا النباح على شكل نباح جماعي صاخب و مزعج
ذات عويل طويل !..

فالقمر سيمضي متنورا بضوئه المتوهج و مشعا عبر أفاق و
أكوان شاسعة ، بينما الكلاب ستتعب حتما بعد قليل و تكف عن النباح مخذولة لتنام مضطربة و قلقة !..

ملحوظة : درءا لأي سوء فهم فأن هذه المقالة لا تستهدف
شخصا محددا بعينه ــ لأنني ضد شخصنة الأمورــ بقدر ما سعت إلى تناول ظاهرة معروفة ولا زالت طاغية و مزمنة في الوسط الإعلامي العراقي و العربي على حد سواء و التي سُميت بوعاظ السلاطين قديما ، وبمرتزقة ومأجورين حسب تعبير جديد و شائع في هذه الأيام حاليا .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here