القوى السياسية في العراق…فرصة فريدة لأثبات الوجود.

حكمت مهدي جبار

لم يشهد تأريخ العراق السياسي منذ تأسيس الدولة العراقية وحتى هذا اليوم حراكا سياسيا ورفضا ضد الحكومة العراقية وبهذا الشكل الذي زحزح اركان الحكومة وأيقض عناصرها واركانها.ومن يقرأ التأريخ السياسي العراقي لم يجد ثباتا وأصرارا لمتظاهرين ازاء تصرفات الحكومة وسوء ادارتها وفسادها وتراكم اخطاءها ووعودها الكاذبة.

أن القوى السياسية تقف اليوم امام مفترق طرق عندما تعرضت الى هذه الصدمة الشعبية للعراقيين.وتلك القوى باحزابها وكتلها وتياراتها تعرف جيدا العلة والمرض.وشهدت الاخطاء والسلبيات عبر الستة عشر عاما.لكنها لم تقدر على معالجتها وحل مشاكلها مكتفية بترقيعات هنا وهناك لتقنع بها الناس بطريقة واخرى مستغلة حسن نية الشعب وسذاجة البعض وخداعهم بوسائل وادوات وشعارات البسوها عناوين الخلاص والحرية والعيش الرغيد.حيث ظل نثر الاموال وهدر الثروات بعبث وفوضى.

لقد اكتسبت الاحتجاجات في العراق زخما جديدا نتيجة الدعم الذي تلقاه من المرجعية الدينية العليا في البلاد، حيث شكلت اغلب الخطب الصادرة عن السيستاني انعطافات واضحة لصالح الشارع وانتقادا صريحا للسلطات العراقية. فبعد انتهاء كل خطبة ، تشهدت المظاهرات مزيدا من المشاركة في المدن الجنوبية وبغداد يسقط خلالها شهداء وجرحى برصاص رجال الأمن.فكيف سيرد اصحاب السلطة على تلك الخطب والتي كان اهمها هو:إذا كان من بيدهم السلطة يظنون أن بإمكانهم التهرب من استحقاقات الإصلاح الحقيقي بالتسويف والمماطلة فإنهم واهمون”. مضيفا “لن يكون ما بعد هذه الاحتجاجات كما كان قبلها في كل الأحوال، فليتنبهوا إلى ذلك”.

وكان السيد السيستاني قد أكد في معظم خطبه.أن المواطنين لم يخرجوا إلى المظاهرات المطالبة بالإصلاح بهذه الصورة غير المسبوقة ولم يستمروا عليها طوال هذه المدة بكل ما تطلّب ذلك من ثمن فادح وتضحيات جسيمة، وانه يدعم الاحتجاجات وليس مطالبها فقط، في ما يعد انعطافة كاملة لصالح الشارع.انه يمكن اعتبارتلك الخطب عبارة عن انتقادات صريحة للسلطة الحاكمة،لتكشف كل الاخطاء المتراكمة عبر السنوات التي مضت.

أن السيد السيستاني كان دائم الحرص على عدم استنفاد رصيده بالسياسات الضيقة، وحفظ كلماته للمواقف الأكثر خطورة. وأضاف أن كلماته الأخيرة عن الاحتجاجات كشفت مدى جدية إدراكه للوضع الحالي في العراق. ومن خلال انحيازه بشكل أوضح للمحتجين، قام السيستاني بأكثر تحركاته جرأة حتى الآن، والتي قد تحدد نتيجة ميزان القوى داخل البيت الشيعي والسياسة العراقية لسنوات مقبلة”.

وظلت المرجعية تجدد تأكيداتها عبر خطب الجمعة من (أن معركة الإصلاح التي يخوضها الشعب العراقي الكريم إنما هي معركة وطنية تخصه وحده ولا يجوز السماح بأن يتدخل فيها أي طرف خارجي. وهي (اي المرجعية) حتى وان لم تسمي اولئك الذين يتدخلون في شؤون العراق فأن جزء كبير من الشارع العراقي يوجه أصابع الاتهام إلى إيران، على أنها المتدخلة القوية في امور الدولة العراقية، خصوصا مع الزيارات المتكررة لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني إلى البلاد.ومكوثه فترة طويلة من الزمن!.

والذي أكد ذلك هو ان هناك مصدر سياسي رفيع مقرب من دوائر المرجعية لوكالة الأنباء الفرنسية قال إن طهران حاولت في الآونة الأخيرة إيصال رسائل إلى المرجعية تطلب منها دعم الحكومة الحالية في خطبتها ودعوة المتظاهرين للانسحاب من الشارع، وإعطاء فرصة للقيام بإصلاحات خلال مهلة زمنية محددة.غير أن المرجعية رفضت الاستجابة لتلك الرسائل أو حتى تلقيها. ولذلك لم توافق أيضا على استقبال (رجل الدين الشيعي مقتدى) الصدر بعد عودته مباشرة من طهران، كي لا يظن الشارع أنه يحمل رسالة من طهران. وأشار المصدر إلى أن “سليماني نفسه، سمع كلاما قاسيا من المرجعية حيال الدور الإيراني في الأزمة العراقية من دون مزيد من التفاصيل.

لذلك، بدا أن الشارع بدأ يستعيد زخمه، خصوصا بعدما وجدت السلطات نفسها محرجة في قمع المظاهرات، بعدما نفت المرجعية أن تكون طرفا في أي اتفاق لتجفيف الشارع، وباتت الآن تحت ضغط الشارع والحراكات السياسية والدبلوماسية.فهل تستجيب الحكومة العراقية لدواعي المرجعية.؟ وهل تثبت حقيقة انتماءها الديني والمذهبي والعقائدي بمرجعية السيد السيستاني وتنفذ كل ما يصرح ويخطب وينادي؟؟

وعندما التقى السيستاني قبل ايام رئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق جينين هينيس-بلاسخارت، التي طرحت عليه خارطة طريق حظيت بموافقته، مقسمة على مراحل، تدعو إلى وضع حد فوري للعنف، وهو مناشدة للحكومة بأن تفعل ذلك لكن الواقع شيء والتصريحات شيء آخر.والقيام بإصلاحات ذات طابع انتخابي، ايضا هو أمر تناقشه الحكومة بلا حماس ولاحرص يظهر على السياسيين امادعوتها لأتخاذ تدابير لمكافحة الفساد في غضون أسبوعين، فهو أمر مكرر وممل.وتلك امور سأمها الشعب ولم يعد يتحملها .تتبعها تعديلات دستورية وتشريعات بنيوية في غضون ثلاثة أشهر.

وفي هذا السياق، اعتبرت المرجعية في خطبتها الجمعة أن إرادة الشعب تتمثل في نتيجة الاقتراع السري العام إذا أُجري بصورة عادلة ونزيه، داعية إلى الإسراع في إقرار قانون منصف للانتخابات يمنح فرصة حقيقية لتغيير القوى التي حكمت البلد خلال السنوات الماضية. وأضافت أن إقرار قانون لا يمنح مثل هذه الفرصة للناخبين لن يكون مقبولا ولا جدوى منه.

لقد وضعت المرجعية الدينية العليا امام اصحاب السلطة والقرار فرصة قالت انها (الفريدة) وهي بذلك وبفضل موقعها الروحي الخطير في قلوب المجتمع العراقي وخاصة الشيعة تضع الحكومة في زاوية حرجة لامناص من الانطلاق منها في تصحيح المسارات وتعديل البرامج ووضع الاشياء في مكانها الصحيح.وماذلك الا دليل على حرص المرجعية على أمن الشعب وغذاءه وحياته ومستقبله منطلقة من ان العراق انما هو شعب واحد عانى ماعانى من ظلم السلاطين…

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here