الكذب والدفاع عن المجرمين والسلطوية المقيتة

د. كرار حيدر الموسوي

لماذا يتشبّث المواطن عندنا بالسّلطة ؟ لماذا يتهالك على العنوان ؟ لماذا يصرّ على ان يكون رأسا حتى إذا كان راسَ حمار؟ لماذا ترى الواحد منّا مستعدّ ان يتنازل عن قيمه ومبادئه وشعاراته ووعوده كلما تطلّبت السلطة منه ذلك ؟ لماذا نتغافل عن تاريخنا من اجل ساعات نقضيها في السلطة ؟ لماذا نبدي استعداداً غريباً لإهانة أنفسنا اذا كان ذلك هو الطريق الوحيد للتشبّث بالسلطة ؟ لماذا نتغافل عن الواقع ونسعى لتجاوز المعادلات لحساب الموقع ؟ لماذا نقبل بتدمير كلّ شيء اذا كان ذلك يضمن لنا سلطة ومن اي نوع كان ؟ لماذا السلطة عندنا ادمان، فاذا جرّبها احدنا تشبّث بها حتى القتل أو السحل أو الاهانة ؟ واخيرا: لماذا لا يوجد شيء من كل هذا في الغرب؟.
لقد قدّمت لنا الزمرة السياسية التي ورثت السلطة من الطاغية الذليل صدام على قاعدة “يُهلك ملوكاً ويستخلفُ آخرين” اسوأ الأمثلة والنماذج لكل المعاني التي ذكرتها للتو، اذا بهم كرقعة الشّطرنج، يتبادلون المواقع فقط بلا أدنى تغيير لا في العقليّة ولا في المنهجية، فاحدُهم يُدار به على الوزارات ليتركّب على واحدة منها (حي الله) وآخر ثرثار لغوي فاشل يتصدى للدبلوماسية، وثالثٌ يصرّ على إهانة نفسه أمام الملأ متجاهلا عمره وتاريخه وجهاده وكل شيء، ورابع لما يبلغ الحلم يصرّون على تسميته وزيراً، وخامسٌ يفضحُه كذِبه حتى الثّمالة، وهكذا، ولكلٍ منهم تبريراته القرآنية والشرعية والدينية والوطنية والسياسية، واذا شِئتَ سردَ لكَ من التبريرات الكافرة والفاسدة والفاسقة والمنافقة الشيء الكثير!!!.
لا اريد ان أتحدث هنا عن دور الثقافة والبيئة وازدواجية الشخصية ودور (الفهم الديني) في تبرير كل ذلك، إنما أردت ان أبحث في ثلاثة امور مهمّة:
الاول: هو ان المواطن عندنا لا يرى نفسه الا في السلطة، لماذا ؟ لانه في السلطة يحصل على كل شيء، اما إذا كان خارجها فلا يحصل على شيء.
فالسلطة عندنا تصنع من الحمار وزيراً ومن الفوضوي مديراً ومن الوضيع نائبا ومن الفاشل عظيما، ومن الغبيّ قائداً، اما خارج السلطة فالعكس هو الصحيح.
ان السلطة عندنا بلا هدف مقّدس، ولذلك ترانا نسعى لتركيب الهدف على السلطة وليس العكس، ولهذا ترى أهدافنا متقلّبة من حال الى حال، وعادةً ما تكون من سيئ الى أسوأ.
الثاني: عندنا العنوان هو الذي يزيّنُنا وليس العكس، ولذلك نبحث اولا عن العنوان لنغطّي به عيوبنا وفشلنا واخطاءنا، بينما مبنى العقلاء يقول “قِيمَةُ كُلِّ امْرِىء مَا يُحْسِنُهُ” كما يقول امير المؤمنين (ع)، فلا السلطة ولا العنوان ولا الموقع ولا اي شيء آخر يمكن ان يضيف شيئا للمرء اذا كان خالي الوفاض، واذا صادف ان خدعت العناوين، فإنّما لبعض الوقت وليس لكلّ الوقت،
الثالث: انّ السلطة عندنا اعظمُ بلاء، فهي مصدر فساد وإفساد لمن يتصدّى لها، ولذلك يسعى من يتذوقها التشبّث بها هرباً من الملاحقات القانونية،
هل انتفعَ الطاغية الذليل صدام وزبانيته منها ليتهرّب من شيء ؟ اذا كان الجواب نعم، فسيستفيدُ منها الخلَفْ، والا، فلكلٍ بالوعته، وأرض العراق واسعة !.
يهمني هنا، الشخص المتحمّس لنظامٍ بعينه، ولقضية بعينها، إلى درجة الاستعداد للدفاع عن الجرائم، بغض الطرف عن فداحتها، وكلما كان الظلم أفظع، ازدادت بلادته الشعورية. هذا هو نوع الشخصيّة التي أوافق على تسميتها بالشموليّة، أو السلطويّة، بمعنى أنّها على استعدادٍ لإخضاع الحكم الأخلاقي، أي التمييز بين الخير والشر، لمسائل مثل التقسيم بين عصبياتٍ طائفيّةٍ، أو قوميّة، حيث يصبح الشرّ خيراً، إذا ارتكبه من في ملّتي؛ والخير نفسه ينقلب شراً إذا قام به الآخرون؛ أو تتملكّه فكرةٌ مجرّدة، تستحوذ عليه، وتجعله يعتقد أنّ فعل أي شيء في خدمتها مباح. وغالباً ما لا تكون الفكرة التي ينقاد إليها أكثر من كذبة، هي في الواقع أيديولوجيّة، تبريريّة لنظام حكم إجرامي فاشي. هنا نقع على شخصيّةٍ مسطّحةٍ ضحلةٍ سهلة الانقياد، فقدت صورة الإنسان، وفقدت مقومات الشخصيّة الإنسانيّة، مثل التفكير المتعدد الأبعاد، وإمكانية رؤية الفكرة التي يتحدث عنها عن مسافة وإدراك موقعها في خدمة نظامٍ بعينه؛ والأهم من هذا وذاك فقدان البعد الأخلاقي في الشخصيّة الإنسانيّة، والحساسيّة للظلم وغيره.
وليس مهماً لهذا الغرض، إذا ما كانت عصابية هذا الشخص انطوائيةً، وتنطوي، أيضاً، على كره للناس، وإعجاب بقتلهم من أناسٍ أجهل منهم، أو إذا كانت عصابيةً، استعراضية، تهتف مرحى للقتل والقاتل، في نرجسيةٍ تتحدى العقل والمنطق والخير والشر، أو عصابيةً مهووسةً، تبتسم بخبث، وهي تدافع عن القتل، وتتوعد الزمانَ بالمزيد. يهمني، هنا، أن العصابية تصل حداً مرعباً في اعتبار عملية استبدال الشعب، بواسطة القتل والتهجير، أفضل من استبدال الحاكم؛ بل وقد يعد تخفيض عدد الأغلبية، وتحويلها إلى أقلية بالقتل والتهجير، نصراً انتخابياً، لأن الحاكم، هنا، ينتخب له شعباً، وذلك بقتل الأغلبية وتشريدها، حتى يمكنهم أن يشربوا نخب مثل هذا الحاكم. ولا يهمني كيف يُسمَّى هؤلاء الناس، هل يُكنّون يساريين أو يمينيين، قوميين أو إسلاميين، أو غيره ؟ فمن يقبع ما قبل الخير والشر، ويفقد الأخلاق والعقل الإنساني المركب، والمتعدد الأبعاد، لا يستحق أن يصنّف إلى يمين ويسار، وقومي وإسلامي، ووطني وغير وطني. لأن هذه التصنيفات يفترض أن تكون للبشر.
يبدو الكذب المباشر، لبعض النوع من الناس، أسهل من الدفاع عن القتل، ولكنه لا يدري أنّه غالباً ما يرتكب الخطيئتين، الكذب والدفاع عن القتل؛ لأنّ الكذب، هنا، مجيّرٌ في خدمة القتل. فليست أنواع الكذب سواسية، فأن تكذب على مشغلِّك بشأن الغياب عن العمل، ليس كالكذب بإنكار مقتل الآلاف، وأنت تدري أن ذلك وقع.
مشكلة الفصل بين السلطات انه يعاني الكثير من البلبلة وعدم الدقة، فالكثير من التشريعات تجري في فروع السلطة القضائية والتنفيذية في تغول واضح على السلطة التشريعية وذلك لأنه لو اسند كل قانون للسلطة التشريعية فان الدولة ستصاب بالشلل مع انه ضمن القانون الامريكي فان اي قانون يسعى الى منح الرئيس سلطة تشريعية (لا يكون دستوريا), اذن المشكلة في الدولة الحديثة، انه لا يمكن فيها للسلطة التشريعية وحدها ان تضع القوانين، فتقوم السلطتان التنفيذية والقضائية بممارسة هذا الفعل في خرق واضح لمبدأ الفصل بين السلطات والادهى من ذلك ان السلطة التنفيذية تمارس احيانا عمل السلطة القضائية في فرض القوانين العقابية ورسم حدودها الامر الذي يجعل مبدأ الفصل الصارم بين السلطات في الدولة القومية مستحيلا، وبعكس مفهوم الدولة الحديثة حول الفصل بين السلطات، فان السلطة التنفيذية والقضائية تخضعان للشريعة والشريعة هي (السلطة التشريعية) ولا تستطيع السلطة القضائية المشاركة في التشريع، وبخلاف الدولة الحديثة فان الشريعة خولت السلطة التنفيذية التشريع في مجالات محدودة مقيدة جدا.لقد اظهرت ثقافة السلطوي تأثيرا عميقا على المحيطين وعلى غمله, المدير هو الشخص الذي يدير مجموعة معينة كبرت أو صغرت، ووظيفته أن يقود تلك المجموعة سواء كانت بشرية أم تجارية أم سياسية أم تنظيمة وغيرها إلى تحقيق أهدافها، فهذا المدير يسعى جاهداً مع مجموعته المختلفة في ترتيباتها في مواقعها للوصول نحو نقطة معينة، وهذا المدير لا يتعامل عادة بعقلية المتسلط والآمر والناهي، إنما عادة يشعر بروح الفريق مع مجموعته بعيداً عن النهج السلطوي، وهذا لا يؤثر أبداً على محيطه المتمثل بأهله وزوجته وأبنائه وأصدقائه وأقاربه ومجتمعه. الحديث عن الانسان السلطوي الذي تؤثر وظيفته على تعامله مع مجتمعه، فيشعر ذلك المجتمع بجميع صنوفه بالنفور منه، منهو السلطوي إذاً!؟ السلطوي هو ذلكَ الذي يقوم بتدخلات مباشرة تجاه الانسان الآخر بمعنى أنه يتدخل في حريته أو يحد من تصرفاته، هل هو يقوم بأدوار سيئة في وظيفته!؟ لا ليس بالضرورة، فمثلاً العسكري حين يأمر من تحته، وتحته يستجيب دون رفض ودون حوار فهذا يرسم شخصية ذلك العسكري أو الضابط ويتبرمج على أن أوامره مطاعة دون نقاش، حين ينزل هذا الضابط أو العسكري إلى بيئته التي يلجأ إليها عند أبنائه أو زوجته أو مجتمعه فإنه يمارس معهم تلك العقلية معهم فيدخل في صدام لا يستطيع الأنفكاك منه لأنه تبرمج على أن ينصاع الأخرين له، أو بشكل أدق أعتاد أن يتدخل في حريات الأخرين، وهو بهذا يتشكل ويشعره بأنه دائماً على صح وأن على الأخرين الانصياع لما يقوله أو يراه، ولذلك نجد كثيرا من الناس يعاونون من أولئكَ الأشخاص.الأمثلة كثيرة جداً، مثلاً هذه العقلية لانجدها عن السياسي ولا عند العالم وعند الباحث فهم يتصرفونا بعيداً عن الوصاية على الأخرين، لكن نجدها كما أشرنا عند الضابط والمحقق والحارس والمشرف والمراقب وغيرهم ممن وكل لهم التدخل بشؤون الغير !! فكان الله بعون من هو تحتهم أو له علاقة مباشرة بهم.
التسلط يعني الانتقائية في تنفيذ القرارات على شخص معين وهذا خطأ كبير قد يوقع صاحبه في دائرة التحيّز لطرف على حساب الاخر ولكن عندما يتم تنفيذ القرار بشكل عادل على الجميع فهنا تسقط تهمة التسلط عمن بيده سلطة القرار أو الوصاية لانه قد وضع له منهجا واضحا يسير عليه من دون تمييز ولكن السؤال هل تنفع سياسة شعرة معاوية دائما وفي كل المواقع لان تطبيقها احيانا قد يحرج صاحب القرار كثيرا وقد يتهم بالمحاباة وفي امر كهذا يتم الدخول في النوايا التي لا يعلمها الا الله عموما تظل العلاقة بين الرئيس والمرؤوس محكومة بنظام محدد يحدد واجبات كل منهما قبل حقوقه فالعاقل هو من يفصل بين طبيعة عمله وسير حياته اليومية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here