لماذا تتعمد الحكومة الفرنسية اجبار مسلميها رفع الراية البيضاء

لقد اجبرت الحكومة الفرنسية قادة مسجد باريس المقرب من الجزائر واتحاد الجمعيات الاسلامية المقرب من الاخوان المسلمين والمجلس الفرنسي للديانة الاسلامية المقرب من المغرب. توقيع ميثاق جعل الاسلام في فرنسا تحت وصاية الحكومة وذلك في 18 يناير/ جانفيه 2021. تبين بعد اقل من شهرين ونصف بان الحكومة تخطط لافراغ الاسلام من محتواه الروحي الايماني وجعل مسلمي فرنسا مسلمين بالاسم فقط وترسم الحكومة معالمه وتفرض حلاله وحرامه وعلى المسلمين الاذعان والطاعة.
لقد صرحت الوزيرة المفوضة في وزارة الداخلية الفرنسية لشؤون المواطنين على قناة LCI بضرورة الالتزام موقعين الميثاق بتعهداتهم. منها ضرورة ان يتكلم الائمة في المساجد على ضرورة تسهيل زواج المثليين من الجنس الواحد. في صباح اليوم التالي انكر مدير مسجد باريس في تصريح رسمي مكتوب بان المثياق المذكور لم يتضمن اطلاقا مثل هذا التعهد.
امام هذه الفضيحة التي كشفت اهداف الميثاق الخفية وما تحتويه من طلاسم وفخوخ تحتمل تفسيرات كثيرة. تتضح جريمة هؤلاء القادة قبولهم باسلام فرنسي وفق مبادىء الجمهورية. لان هذا الباب يفتح المجال لفرض ما تريده الجمهورية على المسلمين ما تشاء. لذا فقد بدات المطالبات الحكومية لمنع ذبح اللحم وفق الشريعة الاسلامية وتسهيل زواج المثليين وقد يطلبون بالمستقبل القريب اباحة الكحول والزنى وغيره.
ان من حق مسلمي فرنسا ان يتهموا قادة تلك التجمعات الثلاثة بخيانة الامانة وتوقيع ميثاق الذل والعار في الغرف المغلقة دون استشارة الجمعيات الاسلامية الاخرى. بل ارتكابهم جريمة عظمى بحق الاسلام فسمحوا للغير بالدخول الى البيت الاسلامي ليشوهوا معالمه ومبادئه. ان كان هؤلاء القادة صادقين برفضهم لتصريحات الوزيرة المفوضة فلماذا لم يرفعوا شكوى الى المحاكم الفرنسية والاوربية او على الاقل يهددوا بذلك.
فعلى سبيل المثال ان قضية زواج المثليين يعارضها اكثرية الشعب الفرنسي وخرجت مظاهرات عارمة وسط باريس قبل عدة اعوام تقول احدى شعاراتها المهمة: رجل + امرة = عائلة. كما ان الكثير من مدراء البلديات الفرنسية يرفضون عقد مثل ذلك الزواج ولا تستطيع الدولة اجبارهم. كما ان كل الديانات السماوية ترفض هذه العلاقات الشاذة. ان الحكومة تعلم علم اليقين بان مثل هذا الزواج محرم في الاسلام ومن يفعله يخرج من دائرة الدين ولا تتجرا ان تطالب به الديانات الاخرى.
ينبغي ان يفصح هؤلاء القادة لمسلمي فرنسا ان كانت هناك بنود سرية وقعوا عليها مع السلطات الرسمية. وعلى كل حال وبعد ان توقيعهم المخزي وفشلهم منذ اربعة عقود من توحيد الجالية عليهم الاستقالة من مناصبهم التي فرضوا انفسهم بها ويتركون الجالية اختيار ممثليهم بحرية وديمقراطية. واعطاء الفرصة للجيل المسلم الفرنسي الجديد لقيادة الجالية وتوصيلها الى بر الامان وفق القوانين المرعية. لا سيما معتنقي الاسلام الفرنسيين لانهم ادرى بضروف وشعاب فرنسا من غيرهم. فهم كفيلون بتحويل الدين الاسلامي الى عمق النسيج الاجتماعي الفرنسي ويكون دين جزء من اهل البلد الاصليين وليس دين وافد من قبل العرب والافارقة. ليكون واحدا من الركائز المهمة جنبا الى جنب دين النصارى واليهود. هناك ضرورة ايضا لاستثمار علم وانفتاح وتسامح الشباب المسلم المثقف المولود هنا للإصلاح. كما يجب توسيع دائرة القاعدة الاسلامية عن طريق الاعتماد على بقية المسلمين الذين لا يرتادون المساجد او غير الملتزمين الذين يمتلكون كفاءات كثيرة ويريدون خدمة جاليتهم.
اما فيما يتعلق بالسلطات الفرنسية فتدخلها السافر في شوون المسلمين مناقض للعلمانية الحيادية التي يدعون الالتزام بها. فباي حق يسمحون لانفسهم يمنع الذبح الحلال في فرنسا ويطلب من ائمتهم ترويج زواج المثليين. وكيف تسمح الحكومة للتدخل في الشان الديني الاسلامي علما بانه منعته من التدخل في الشان السياسي.
من المؤكد ان هدف الحكومة التكتيكي معروف فبعد فشلها في معظم الاصلاحات الاجتماعية والاقتصادية تهدف اليوم لظلم مسلمي فرنسا من اجل ربح اصوات المثليين واليمين المتطرف والعنصريين المعادين للعرب والمسلمين. كذلك تريد تمزيق النسيج الاسلامي واشغاله بمعارك داخلية بين قادة جمعياته الكبرى وقواعدها. كما تبغي الى ممارسة الضغوطات الكبرى على الجالية واشغالها في ازمات مصطنعة لقطع الطريق على الجيل المسلم الفرنسي الجديد من ممارسة حقوقه الانتخابية والاعتماد على نفسه
الدكتور نصيف الجبوري
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here