كركوك الحقائق والوقائع التاريخية تتكلم عن أصالتها الكوردية وعراقتها الكوردستانية ٢/٢١

محمد مندلاوي

إن هذا الإنسان، الذي مر بمراحل عديدة، وتميز عن جميع المخلوقات الأخرى، وارتقى فكرياً حتى أصبح عنصراً عاقلاً وتاج المخلوقات بكل معنى الكلمة، وأصبح يواجه في مسيرة حياته جبروت الطبيعة ومخاطرها بعقله الجبار وبقدرته الجسدية والعضلية، وفي نهاية المطاف انتصر عليها في غالبية الميادين على الكوكب الدوار، وصار يؤثر فيها تأثيراً إيجابياً لصالحه، الذي مهد لسيادته على أديمه، وانتشر بمرور الزمن على كافة أصقاعه أكثر بكثير من الكائنات الأخرى التي تشاركه السكن فيها. إن هذا الإنسان الذي ولد في المناطق الخصبة؟ الصالحة للعيش البشري، لزيادة نسله ومتطلبات الحياة كما أشرنا لها في سياق المقال فرضت عليه أن يدخل في صراعات متعددة مع الطبيعة. في هذا المضمار، يقول العلامة (طه باقر): دخلت البشرية في أخطر تجربة وامتحان لا تزال تعانيهما، بانتقالها إلى طور الحضارة. انتهى الاقتباس. لقد بدأ لأول مرة في كوردستان – لأن الأراضي المنخفضة أما كانت مغطاة بالمياه أو متصحرة لم تصلح للعيش؟. كان هناك بحراً باسم بحر الـ”تيثس= Tethys” الذي كان موجوداً في الأزمنة القديمة وكانت مياهه تغطي أراضي واسعة من العراق وبلدان أخرى، لقد سمي بهذا الاسم نسبة إلى آلهة البحار الإغريقية. – بحرث الأرض وزراعتها بالقمح، وقام بتدجين الحيوانات، وصنع الأدوات التي يحتاجها من الحجر والعظام، كالمناجل والملاعق الخ، وقام لأول مرة ببناء المنازل، وإنشاء القرى كقرية “چەرموو = Charmoo” المحرفة عربياً إلى “جرمو” والتي تقع على سفوح سلسلة جبال زاگروس (زاغروس) شرقي مدينة (کەرکووک = كركوك) في جنوب كوردستان، التي تاريخ بناءها – جرمو- يعود إلى 7000عام ق.م. وقبل تلك الأدوات ابتكر اللغة للتعبير عن معاني ما يجيش في رأسه. لقد جاءت في الموسوعة الحرة: أكتشف موقع “جرمو” في أربعينيات القرن الماضي وأوكلت الجهات المختصة عملية التنقيب إلى معهد الدراسات الشرقية في جامعة شيكاغو، الذي أرسل مجموعة من خبرائه وعلى رأسهم العالم (روبرت بريدوود= Robert Braidwood) 1907- 2003. استناداً إلى كتابات “بريدوود” كانت جرمو تحوي 100-150 شخص كانوا يعيشون في 20 بيتا مبنياً من الطين حيث يمارس سكان جرمو الزراعة بطرق بدائية وكانوا يربون الحيوانات الأليفة، أو تلك التي دجنوها. عزيزي المتابع، أليست هذه الأشياء التي ذكرناها أعلاه تعتبر ألف باء الحضارة على الأرض؟ أليست أولى إشارات الحضارة انطلقت من موطن الكورد كوردستان؟. لكن في المقابل، بعكس

الكورد هناك شعوب متخلفة وعنيفة… محيطة بكوردستان لا تبعد كثيراً عن الكورد جغرافياً، لكنها تبعد عنهم كثيراً زمنيا؟، للأسف أن تلك الشعوب لم تقدم شيئاً إيجابياً للإنسان في كل مراحل التاريخ البشري، ولا زالت تتصرف وفق طبعه الهمجي ولسان حاله يقول: ما يحق لي لا يحق لغيري؟. أدناه صورة لقرية جرمو:

للعلم، أن قرية جرمو ليست القرية الوحيدة في كوردستان وجدت قبل الميلاد بـ7000 عام، بل هناك قرى أخرى في كوردستان تاريخ بناءها ليس أقل من تاريخ بناء جرمو، كقرية “زاوچەمی= Zawcemi” وقرية “چوخمامی= Çwskmamy “و”تەپەگاور= Tepegawer”الخ. عزيزي القارئ، بعد هذه الزيارة لكوردستان كتب عالم الآثار ما قبل التاريخ (انثروبولوجيا) “بريدوود” عن الحضارة والمدنية والزراعة الأولى للقمح وغيرها في العالم.لا ننسى، إنه فيلسوف الحضارة الشهير صاحب نظرية التفسير الحضاري لحركة التأريخ وتطور البشرية عبر تسلسل “كرونولوجي= Chronologie ” لنقرأ معاً ماذا قال هذا العالم الفيلسوف عن الكورد وكوردستان: إن الشعب الكوردي كان من أوائل الشعوب التي طورت الزراعة والصناعة ومن أوائل الشعوب التي تركت الكهوف لتعيش في منازل بها أدوات منزلية متطورة للاستعمال اليومي. وقبل “بريدوود” شهد على المدنية التي كانت سائدة بين الكورد القائد والمؤرخ وتلميذ سقراط البطل اليوناني (گزينفون =كزينفون= كسينفون) 430 – 352 ق.م. في كتابه (رحلة العشرة آلاف مقاتل). يقول هذا الفيلسوف والمؤرخ والقائد العسكري اليوناني القادم من بابل عام 401-400 ق.م.: بعد وصولنا إلى قرية للكردوك – الكورد- خرجوا من منازلهم وأخذوا النساء والأطفال إلى أعالي الجبل. ويستمر: لقد حصلنا في منازل الكردوك على طعام وفير، ويضيف: كانت في تلك المنازل أدوات منزلية عديدة، لم نأخذ من بيوت الكردوك سوى الطعام، ويقول كزينفون أيضاً: بعد المواجهة القتالية مع الكردوك احتل الجيش اليوناني قرية أخرى من قرى كردوك وأيضاً وجدوا في منازلها الطعام الكافي، ويصف أيضاً جمال منازل القرية، ويقول: إنهم حصلوا على الشراب والطعام أيضاً كان قد حفظه الكردوك في مخازن خاصة عدت لهذا. ويتحدث كزينفون عن سلاح كردوك: كان لهم القوس، وكان لهم مقاليع مصنوعة من الخيط – يضع فيها الحصى ويرمى بها العدو-. ويقول كزينفون: سرنا في بلاد الكردوك سبعة أيام بلياليها، خلال هذه الأيام والليالي قاتلونا الكردوك، وخلال القتال كانوا ينشدون الأناشيد الخ. عزيزي المتابع، يظهر من خلال حديث (كزينفون) أن الكورد في ذلك العصر، في القرن الخامس قبل الميلاد كانت بلادهم واسعة بحيث سار الجيش اليوناني في جزء منها سبعة أيام بلياليها؟، وكان الكورد في وضع اقتصادي مرفه، حيث الطعام الوفير والشراب الكثير؟ ويتحدث (كزينفون) عن طراز منازلهم بأنه جميل الخ. كل هذا يدل على صحت كلامنا بأن ألف باء الحضارة التي باءت اليوم لها مفاهيم كثيرة انطلقت من كوردستان، أو أن الكورد من أوائل الشعوب التي تحضرت وانتقل من حياة الكهوف إلى العيش في منازل. عزيزي القارئ، الفضل ما شهدت به الأعداء. هذه شهادة من الفيلسوف (كزينفون) ومن العالم (بريدوود) نعتز بها نحن الكورد لأنها صدرت من شخصين الأول مؤرخ، والآخر عالم ذي اختصاص، له وزنه ومكانته في العالم حيث يذكر التطور الذي بدأ في كوردستان وعند الشعب الكوردي قبل الكثير من الشعوب الأخرى؟ وكان  نتاج هذا التطور وضع اللبنة الأولى لبناء صرح الحضارة البشرية. كما أسلفت، عندما كانت الأراضي المنخفضة مغمورة بالمياه، كانت أعالي جبال كوردستان تنبض بالحياة والحركة من قبل أولئك الكورد، والشاهد على ذلك التأريخ والآثار المكتشفة في كهوف وقرى كوردستان ككهف “بيستون= Biston ” في شرق كوردستان حيث يرجع تأريخها إلى مائة ألف سنة قبل الميلاد، وكهف شاندر في جنوب كوردستان حيث يرجع تاريخه إلى عشرات آلاف السنين. أدناه صورة لكهف شاندر على سفح جبل برادوست ضمن سلسلة جبال زاگروس= زاغروس في قضاء مێرگە سوور =ميركه سور في جنوب كوردستان. لقد عثر فيه على هياكل عظمية لإنسان النياندرتال:

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here