العاشر من العاشر…!!!

العاشر من العاشر…!!!

سنخرج زرافاتٍ وفُرادى في العاشر مِنْ الشهر الجاري لإنتخاب (الأصلح)، مُجرِّبينَ غيرَ المُجَرَّب.. بعد ثمانية عشر عاما من المحاولات المستميتة الدامية لتجربة المُجَّرَّب من جديد، ذاك الذي يتحول فقط وفقط عشية الإنتخاب، الى ملاك طاهرٍ، بهيِّ الضياء، فياضٍ بالطيبة والسماحة والوقار، فنختاره من جديد، مانحين إياه سنواتٍ أربعاً أخرى (وربما أخيرة) منسلخة من أعمارنا، وعلى طبق من ذهب..!

ذهب…!!! ما أسحرَ وقع الكلمة، وأوقعَ رنينها، بينما بتنا ليلة أمس بمعيّة جارنا الجنب، إلى سابع جار، والجار ذي القربى أيضا – كما في كل ليلة – دون عشاء، وفطورنا كان نسمات الصباح الرطبة الباردة، أما غداؤنا فكان كُسَيْراتٍ من خبز الأمل المغمّس بالحيرة، المُدافة بالقلق من وعلى مستقبَلـَيْنا القريب والبعيد..

يحدث كل ذلك.. لحظة أن ننتهي من مسْح أصابعنا المضمَّخة بدمائنا البنفسجية الداكنة.. لنعود بعدها إلى بيوتنا الموزعة ما بين تأجير، وتجاوزٍ، وعَراء.. على أمل إمتلاكها في يوم ما، وإن كان تحقيق ذلك الأمل من خلال الجيل الرابع من أحفادنا، وذلك بحسب الوعود، والعهود من ولاة أمرنا كل اربع سنوات، وعود وعهودٍ، كانت ـ وستبقى ـ مصحوبة بفخذ دجاجة، نسدّ به رمقنا، ورصيدٍ لهاتفنا الجوال غير الذكي.. نتلقّفُ كل ذلك ونحن فرحينَ مُبتسمين، كما خجلين من أولياء نعمتنا، على سخي عطاياهم، بالإضافة إلى صورة (بالألوان) للإله الذي نعبد..!! نعم.. صورة له…! رغم أنه يَرى ولا يُرى الا (نهاية) كل دورة انتخابية و(بداية) أخرى جديدة، من حياته ـ المتجددة كل أربع سنوات ـ قوةً، وشباباً.. كما نفوذاً وسلطاناً مطلقا.. مُحاطةٍ (الصورة) بآيٍ من الذكر الحكيم، لها علاقة بأدبيات وجوب اختيار ـ وبالتالي اتّباع وتولّي ـ مَن يَحكم بما أنزل الله دون غيره، وإلا فلا مصير لنا، إلا كمصير الكافرين والظالمين والفاسقين..!!! مصحوبٌ كل ذلك بالخُطب الواعدة بالعيش الرغيد، وبناء الوطن وكل مواطنيه، من الكهل إلى الوليد، ومُذّيَّلة، الخُطَب كل الخطب، بأغلظ الإيمان بأن الله على ما يقولون شهيد…!!
بعد ذلك بيوم، أو اسبوع، أو حتى أشهر.. وعلى وجه الدقة، وخد التحديد، وإصبع الإشارة.. حين يقرّر مَن له أن يقرر إعلان النتائج.. ستصرخ كل كتلة بفوزها الساحق أمام باقي كل الكتل.. ومن لحظتها وساعتها ويومها.. سيغضب الجميع من الجميع، وعليهم، ولا حطب لكل ذلك وما شابهه مما سِواه، غيرنا نحن، بمعية كل الوطن ولوازم وجود شيء إسمه وطن..

فنتيجة لذلك الغضب ـ الشرعي ـ تجاه كل مغتصب للحقوق.. ستحترق صناديق الإقتراع بنيران صديقة، وستضيع بطرفة عين ـ حتى قبل أن تنزل دمعة واحدة – أسفا وحزنا، قرابة السبعمئة مليار دينار، تلك التي صُرفت على فعاليات هذه المهزلة المقدسة منذ وعينا على سقوط بعبع الطاغية، تنبثق في خضم ذلك، لجان تحقيق، تتبعها لجان، بعدم ـ أو حتى لعدم ـ الوصول الى نتائج، مُسببة لذلك الأمر الجَّلَل إلى اتهام ذلك المسكين، دون سواه، الثعلب المتخفّي الذي لن يظهر إلا عند الحاجة.. وهو التماس الكهربائي..

حينها سيجلس قادة كل الكتل السياسية، كلا منهم أمام غريمه الآخر.. ونحن عندها سنصيح بالمقابل بأعلى أصواتنا.. لقد فُرجَت، وكنا نظن أنها لن تفرجِ.. حيث ستتوافق الرؤوس البصل، من قومي الذين لم يكونوا يوما من قومي وعشيرتي.. وسيعود الشعب للرقص فرحا باللاجدوى.. كما سيعود كلٌ منا بعد ذلك بدقائق.. بخُفَّيْ حُنين، إلى مُستقره ومهجعه.. هذا إلى بيته المتجاوز فيه على أملاك الدولة.. وذاك الذي لاسقف لديه سوى السماء، ولا فراش له إلا العَراء.. وبالتالي نعود بدورنا من جديد وطوال الأربع سنوات المقبلة، إلى ممارسة الحلم بالعيش من جديد، على أمل التغيير من جديد…!!!

المهندس نسيم الكاتب

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here