عالجوهم فإنهم مرضى

بقلم ( كامل سلمان )

عند سقوط بغداد في العام ٢٠٠٣ م هرعت مجاميع من اللصوص والحثالة من أبناء المجتمع العراقي الى مؤسسات الدولة ومرافقها لتسطوا عليها وتسرق محتوياتها وتعبث بكل موجوداتها بشكل وحشي بربري وخلال ساعات قليلة أصبحت ابنية تلك المؤسسات ارض جرداء وقسم منها مستنقع للنفايات ، هنا انتهى دور اللصوص الصغار الذين استباحوا كل شيء خلال ساعات . فكان ظن الجميع ان الأمور ستعود الى طبيعتها خلال ايام او أشهر ، ولم يكن ببال أحد ان دور اللصوص الكبار لم يحن بعد ، ولم يتخيل أحد ان دور اللصوص الكبار سوف لن يستمر لساعات كما حصل عند اللصوص الصغار ، لإن اللصوص الكبار قد أعدوا العدة لجعل السرقة ( صدقة دائمة ) تستمر لأجيال . العراقيون وجميع سكان الأرض امام مجاميع خلاقة مبدعة في اساليب السرقة ، اساليب ربما ستدرس في مناهج المافيات العالمية ، اختراعات تعادل الف مرة للاختراعات التي اوجدت الكهرباء والأنترنيت واللقاحات ولكن بشكل آخر ، وكل يوم نسمع بأسلوب واختراع تذهل عقول البشر وتذهل عقول الشياطين . استطاعوا سرقة كل شيء حتى ضحكات الأطفال لم تسلم من سرقاتهم ، حتى صحة المرضى لم تسلم من سرقاتهم ، نعم أنهم لصوص هذا البلد ، أستخدموا أدوات الدين والعشيرة والتراث بكل أحترافية. عالجوهم فإنهم مرضى ، مرضى يعانون نقصا حادا من الأخلاق والعقل والضمير ، هم يريدون ان يخرجوا منها ولكنهم عاجزون بسبب خواء عقولهم وضعف سريرتهم ، فهم يدركون إنهم منبوذون ويدركون ان الطريق الذي سلكوه لا رجعة فيه ، ويعلمون ان الشعب هو الذي يعرف الدواء المناسب لمرضهم لذلك تراهم حريصين على تدمير بنية المجتمع خوفا من استخدام الشعب لهذه الحقنة الأبدية التي مازالت بيد الشعب وهي العلاج المناسب المجرب لمثل هذه الأمراض .
اللصوصية عند بعض العراقيين طبع متوارث ، وهذا مالاحظناه عند سرقة ممتلكات اليهود العراقيين في منتصف القرن الماضي وهذا ما تكرر في احتلال المحمرة في حرب الثمان سنوات وايضا في غزو الكويت ، أما لصوص اليوم أحفاد هؤلاء فقد توارثوا الخبرة ولكن كانوا في كل مرة يختبئون بين حشود المجتمع لتختفي أثارهم ، أما اليوم فإنهم وجها لوجه مع المجتمع الذي تستر عليهم في السابق وكأن لسان حالهم يقول للمجتمع هذا جزاء ما فعلتموه بالتستر علينا من قبل ونسوا بإن التستر عليهم لا يعني الرضا بما فعلوه لأن العراقيين كانوا دوما يؤمنون بأن يد الغيب هي التي ستعاقبهم ولكنهم الآن أدركوا بإن يد الغيب تبدأ من خلال أياديهم فلم يعودوا مغفلين كما كانوا في السابق ، وما خروج الملايين في تشرين الا الإعلان الأولي لمصداقية تفكيرهم وهذا الإعلان لن يكون الأخير كما يظن اللصوص ، فهذا الإعلان قد بعث برسالة لهم إن الشعب بجميع مكوناته وأعماره ليس بغافل عما تعملون وإن الشعب يرفض سلوككم المشين ولن يرضى عنكم كما جاء في الرسالة الثانية عندما قاطع الشعب الإنتخابات ، وكما هي اختراعاتكم في فن اللصوصية سيفاجأكم الشعب بالرسالة الثالثة التي لا يعرفها أحد ولكنها أكيد ستكون ذات مرارة كبيرة لا يستطيع تجرعها هؤلاء الفاسدون .
إن هذا المرض العضال الذي أنتم فيه ولا تعرفون إنه عضال اخترتموه وأنتم في جهالة ، فما جنيتموه سيكون وبال عليكم ولن تنالوا منه الا بما نالته ايادي من سبقكم وللأيام عبر ودروس ، وهذه تذكرة عسى ان تنفع الذكرى .
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here