مفهوم الصوت في القرآن الكريم (الحلقة الثامنة) (صوت ردع الفساد 1)

الدكتور فاضل حسن شريف

ذكرنا في حلقة سابقة للصوت معنى مادي واخر معنوي. و تطرقنا الى مفاهيم الصوت المعنوي ومنها الصوت المصلح. وفي هذه الحلقات سنتطرق الى صوت مكافحة او ردع الفساد. وتعتبر الدول النامية من الدول التي ينخر فيها الفساد حتى تتراجع بدل ان تتقدم. ومن هذه الدول مع الأسف العراق. فعلى الصوت العراقي ان يكون عاليا ضد هذه الآفة.

الفساد هو الابتعاد عن الصواب، وعكسه الصلاح هو الاقتراب من الصواب. وصيغة فعل الفساد ذكرت في القرآن في عدد من الآيات. وجاء في القرآن الكريم بصيغتي الفعل والاسم. والمفسد عكس المصلح. وهذا يدل على خطورة الفساد وضرورة مكافحته لانه اساس البلاء والفتنة. ومن الآيات التي جاء فيها الفساد بصيغة الفعل “وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ” (البقرة 11)، و”لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ” (المؤمنون 71)، و “لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا” (الانبياء 22)، و “وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا” (البقرة 205)، و “قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا” (النمل 34). وأكثر الأفعال في القرآن الكريم هي عن فساد الأرض.

ومظاهر الفساد هي الفساد السياسي وخاصة في النظم الشمولية الدكتاتورية او الديمقراطية المنفلتة التي لا تخضع للمسائلة، والفساد المالي الذي لا يخضع للمراقبة او الاحتيال على القوانين، والفساد الإداري وخاصة في الوظائف الحكومية والعامة ومنها التعيينات غير الاصولية وضياع وقت العمل، والفساد الأخلاقي كالاعمال المخلة بالحياء داخل العمل.

ويتطلب من صاحب الصوت ان يحطم سعي المفسدين. والفساد يتطلب السعي أي حركة وجهد كما في الآيات المباركة “وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ” (المائدة 64)، و “وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا” (البقرة 205)، و “إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا” (المائدة 33). لذلك عند مكافحة الفساد يتطلب ايقاف سعي المفسدين قبل حصولهم على مرادهم.

والقرآن الكريم يوضح الحالة بمعرفة أضدادها كما أوضحنا ذلك في حلقات سابقة عن الإصلاح وعكسه الفساد. فالله سبحانه يأمر بالشئ وينهى عن ضده كما “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ” و “وَيَنْهى‏ عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ”. والفساد مع الإصلاح في تضاد “وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ” (الاعراف 142)، و “إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ” (يونس 81)، و “وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ” (البقرة 11)، و “وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ” (البقرة 220)، و “وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا” (الأعراف 56) (الأعراف 85)، و “الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ” (الشعراء 152)، و “وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ” (النمل 48)، و “إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ” (ص 22).

والتبليغ التي من أهم واجبات صاحب الصوت المناهض للفساد هو أحد وسائل مكافحة الفساد وهو أسلوب الرسل ولكن أقوامهم جاحدون “وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ” (المائدة 110). ويتطلب توفير الإمكانيات والقوة لمكافحة الفساد “وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ” (الأنفال 60) فإذا لم يتعظوا فمجابهتهم تصبح فرض لانهم الأعداء حقا. وعلى جهاز مكافحة الفساد ان لا يصبح هو جزء من الفساد “وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ” (هود 113) فلا يغرنكم ما يدفعه الفاسدون لكم لتغضوا النظر عنهم فتذهبوا إلى النار معهم. و “وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ” (الاعراف 142) اي عدم الرضوخ للفاسدين. و فلا يغرنك الشيطان بمسايرة الفاسدين فتصبح من الغاوين “فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ” (الاعراف 175). والله سبحانه وتعالى هو الأكثر اطلاعا على الفاسد “أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ” (المجادلة 7) فاجتماع الفاسدين في الخفاء يراقبه الله حيث يتناجون بالإثم والعدوان. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أحد أساليب مكافحة الفساد “وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” (ال عمران 104) فحاملوا مكافحة الفساد الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر أنهم المفلحون حقا.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here