أبو إسحاق محمد المعتصم بالله بن هارون الرشيد بن المهدي بن جعفر المنصور ثامن الخلفاء العباسيين (179-227) هجرية , ولد في بغداد وتوفي في سامراء , يوم الخميس (18) ربيع الأول , ودفن فيها. وتأريخ وفاته (5\1\842) ميلادية. , أي مرت على وفاته (1180) سنة , ولا تزال نحوته مدوية في أرجاء الأمة.
وهو الذي بنى مدينة سامراء (سر من رأى) , (220 – 222) هجرية , وأمضى فيها خمسة سنوات من خلافته , حتى وفاته , ومنها إنطلق لفتح عمورية (223) هجرية.
وقد عهد هارون الرشيد لأولاده الأمين والمأمون والقاسم بالخلافة من بعده وإستثنى المعتصم , وعندما توفى المأمون في طرسوس بويع له بالخلافة , التي عهد له بها لبأسه وحاجة الدولة لحزمه.
كان المعتصم يمتلك قوة بدنية وشجاعة متميزة , ويُقال أنه ضعيف الثقافة والكتابة , وهو أبيض أصهب اللحية طويلها , مربوعا مشربا بحمرة , ذو همة عالية , وقوة مفرطة , فصيحا مهابا , وقيل أنه أهيب الخلفاء العباسيين , وقد أدام محنة خلق القرآن , وفي زمنه عانى الفقهاء , ومنهم أحمد بن حنبل الذي نال ما ناله من القهر.
وقد تمكن من التواصل مع ما أراد إنجازه أخوه المأمون , فقضى على الثورات المضادة (ثورة بابك الخرمي , وثورة محمد بن القاسم وغيرها).
وإستمرت عمليات الترجمة والنهضة العلمية في عهده كما إفتتحها المأمون , ومضى على نهج المعتزلة.
فالمأمون لم يعهد بالخلافة لأحد , وعندما مرض إستدعى المعتصم ليوليه , مع أن إبنه العباس كان معه في طرسوس.
يبدو أن المأمون قد عاش يعاني من عقدة الذنب بعد مقتل أخيه الأمين , فقد تربيا كالتوأم , وأخطأ هارون الرشيد ببيعته لأولاده الثلاثة على التعاقب الأمين والمأمون والقاسم , وما خطر على باله أن يكون المعتصم خليفة فلم يهتم بتأهيله وتثقيفه , وتركه مدلالا يأنس بما لديه من أسباب اللهو واللعب , وكان يحب أمه كثيرا وصار إبنه القائق الدلال.
وأمه تركية , وأظنه يعرف التركية , وتعاظم ميله لشراء الصبية الأتراك , فيربيهم ويدربهم على القتال حتى صار ولاءهم له مطلقا.
ويقال أن العباس بن المأمون قد تآمر على عمه المعتصم , وهو في ذروة معاركه لفتح عمورية , فسجنه حتى مات .
فالمعتصم قوي , حاد المزاج , صارم العزيمة , إرادته شديدة , وإقدامه عنيد , ويتميز بنرجسية عالية , وقدرة على الفتك بالآخر بلا هوادة , ولا تأخذه لائمة فيما يقدم عليه , ويبدو أنه كان في شك وتحسب من الذين حوله , فلا يرحم مَن يخونه أو يتوجس فيه عدم الطاعة , خصوصا من الأتراك الذين إشتراهم وأهّلهم
وجعل منهم قادة ومتنفذين في الدولة , فإن تحسس أو ظن في أحدهم بعض سوء أو هوى فأنه يفنية بلا تردد , كما حصل للأفشين القائد الذي أحرقه وأذاقه شر العقاب وجعله عبرة لغيره.
ومن دراسة سلوكه المدوّن في الكتب , يتأكد أثر الشعور بالعظمة ودوره في تفاعله مع الآخرين , فهو الذي أعدم في سامراء قادة أعدائه الذين تم القبض عليهم , ففعل ما فعله بالخرمي , وبطش بكل مناوئ حتى أقرب الأشخاص إليه كإبن أخيه المأمون.
وكان مستبدا وحاكما مطلقا , ومعبرا عن هيبة وقوة الدولة , ويتصرف وكأنه ملك الملوك والقادر على صناعة التأريح وإدارة دفة الأحداث , فكان مرهوب الجانب , يتحرك بكبرياء وهيبة مطلقة , وسط جنده الذين إشتراهم ورباهم ليكونوا عبيده المطيعين المذعنين , فهو كل شيئ في حياتهم , ولا يعرفون ربا سواه.
وقد إرتكب خطيئة لا تغتفر بهذا السلوك , الذي يدل على الأنانية وحب الذات , وعدم الإكتراث لغير ما يتصل بذاته وشخصه.
وكأنه أدرك من الصراع بين أخويه العربي الأمين , والمأمون الذي أمه فارسية , أن لا بد من إزاحة العرب من السلطة والقوة , وإدارة الدولة العباسية بغير العرب , وربما يمكن تفسير إحلال الأتراك في الدولة وتهميش العرب لهذا السبب , أو إستعان بهم للحد من المنافسة الشديدة بين العرب والفرس في الجيش والحكومة.
ففي زمنه لم يكن للعرب دور بارز إلا فيما قل وندر , وكان القادة في الجيش والدولة من الذين إشتراهم ورباهم ليصدقوا الولاء له , وربما كان يرى لأن أمه تركية فأن العرب لا يؤازرونه ويشكون بعروبته.
والعجيب في أمر الرشيد أنه قد أنجب خلفاء من عربية وفارسية وتركية , وتوهم بأنهم سيتواصلون بقيادة الدولة من بعده بسلام , وما فطن لما أقدم عليه من فعل خطير , فكانت كبوته التي كررها من بعده المتوكل.
فإبن الفارسية قتل إبن العربية , وإبن التركية هو الذي إستلم الأمر ومن بعده ذريته , وما نالها إبن عربية أصيل.
ويبدو أن الدولة العباسية قد تحقق إدارتها من قبل الأجانب في عهده , وتحول الخلفاء العباسيون بعد مقتل المتوكل إلى رموز وحسب , وإن شئت إلى دمى تعبث بها إرادة الآخرين.
د-صادق السامرائي
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط