دور القطاع المصرفي في العمق المالي :

العمق المالي مفهوم يشير الى زيادة الخدمات المالية بوسائل متعددة و متنوعة من اهمها زيادة الاحتياطي من الموجود المالي ويمكن ان يعبر عنه بانه قدرة الفرد او المؤسسة على الوصول الى الخدمات المالية بسهولة من خلال مؤسسات مالية متطورة و كفوءة وقادرة على تقديم الخدمات المالية بتكلفة منخفضة و عائدات مستمرة ولهذا المفهوم عدة متغيرات و اوجه اهمها ما يرتبط بدور القطاع المصرفي بتطبيق مفهوم العمق المالي فهي القدرة على التعبئة الفعالة للموارد المالية من اجل الوصول الى الحد المقبول من التنمية ،وان مفهوم العمق المالي في فلسفة الادارة المصرفية هو مجموع الودائع بالنسبة الى اجمالي الناتج المحلي بمعنى توسيع حجم و نشاط القطاع المالي و دعم تنميته و تصاغ عمليا من خلال تعبئة المدخرات و الودائع و تحويلها الى استثمارات منتجة ولهذا فان تنفيذ المفهوم و الوصول الى نتائجه المرجوة تحتاج الى نظام مصرفي متطور كوسيط و اداة لتنفيذ ستراتيجية هذا المفهوم ، ويمكن النظر اليه على انه تعبير ايدلوجي لقابلية السوق على تنفيذ معاملات تداولية كبيرة دون تاثير سلبي على سعر الورقة النقدية مستندة بذلك الى نظريات نقدية تعتبر ان السوق الاكثر سيولة هو الاقل تاثرا بمتغيرات الاسعار و نمط التعاملات و الفائدة ، و لتطبيق هذا المفهوم و عكسه على القطاع المصرفي يجب ان نحدد شكل السياسة المالية و النقدية المناسبة التي تقف بجانب تطوير الخدمات المالية و المصرفية و برغبة توسيع قاعدة السوق المستهدف والذي تؤدي بنهايته الى تراكم الاصول المالية بوتيرة متسارعة .

ورغم ان العمق المالي هو احد اركان مربع مؤشرات التنمية المالية و المتضمنة بجواره الشمول , الكفاءة و الاستقرار المالي ولكن نعتقد ان الاولوية في القطاع المصرفي العراقي هو التركيز على مفهوم العمق المالي ليخلق الاحتياطي النقدي و المالي وهي اهم اداة يمكن من خلالها تحقيق اركان هذا المربع و بواقعية تتجاوز من خلالها اي مشكلات او تحديات قد تتعارض مع تنفيذ الستراتيجية و الخطة الواجب اعتمادها .

ان القطاع المصرفي العراقي حاله حال جميع القطاعات الاخرى يعاني من تحديات لا حصر لها بادوات اضعف بكثير من هذه التحديات والتهديدات المباشرة وغير المباشرة ، فالقطاع المصرفي العراقي مصاب بامراض يجب استئصالها ومنها جمود في القوانين و السياسات المالية والنقدية المعمول بها مع تقادم هذه القوانين بما لا يتناسب مع التطورات الحاصلة في هذا القطاع المهم و الستراتيجي ، ولا تتوقف المعوقات على هذا الجزء بل تتجاوز ذلك بعدم قدرة الادارات العليا لهذا القطاع على تنفيذ خطط تطويرية و تنموية لاسباب متعددة معلومة و واضحة لكل مختص .

ولهذا يجب التغلب اولا على هذه التحديات من اجل توفير الادوات و البيئة اللازمة لتنفيذ المفاهيم التنموية للقطاع المالي و العمق هو من اولوياتها الستراتيجية ، فالارضية الاساسية تبدأ في البيئة الصحية المؤثرة لتنفيذ المفاهيم التنموية للقطاع المصرفي و يتمثل بعدة عوامل منها انخفاض التكاليف المعلوماتية و تسريع نمط الانجاز من خلال تخصيص الموارد المتاحة و تحديد المخاطر المباشرة والتي سوف تنصب في مصلحة الخطة التنفيذية لمفهوم العمق المالي و تحقيق ايجابياته التنموية المجتمعية . و عليه يجب ان يتم التركيز على صياغة سياسات مالية و نقدية تساهم في زيادة العمق المالي و تساعد القطاع المصرفي على تنفيذ هذه الخطط ، ولهذا فان تخفيف القيود على المصارف و اعادة النظر في السياسة الائتمانية للبنك المركزي و تعويم اسعار الفائدة و البحث عن الية جديدة في تسعير قيمة العملة و خلق سياسات نقدية جديدة هي من تولد في نهاية المطاف الظرف المناسب لتعزيز السيولة النقدية ومنح مرونة اكثر للاستثمار ، ولا تتوقف عند السياسات المباشرة

لدعم القطاع المصرفي بل يجب ان تكون هناك تغيرات جذرية في تنوع الادوات المالية المستخدمة في الاقتصاد الكلي للبلد والتي تؤثر في تنفيذ المفهوم المطروح .

ان العمق المالي باطاره التنموي و بأداته المصرفية يتطلب اصدار قوانين اكثر ثقة بين المستثمر و المصرف و ان سد الفجوة بين القطاع المصرفي الحكومي و الخاص بشكليه التقليدي و الاسلامي من اهم هذه الاوليات ورغم الدور الذي تلعبه رابطة المصارف الخاصة العراقية بهذا الاتجاه ولكنها ظلت اسيرة القوانين العائقة لسد هذه الفجوة . و للوصول الى الخطوة الاولى الحقيقية لتنفيذ مفهوم العمق المالي يجب ان ننطلق من تاسيس خطة تنموية للقطاع المصرفي مستندة الى مراجعة التحديات و العوائق وتحديدها بشكل صريح و واضح لجميع الاطراف بما يخدم المصلحة العامة ويمكن البدء بها بتشجيع التفاعل المشترك و المنظم بين صانعي السياسات المالية و المشاركين بتنفيذها وصولا الى ابعد من هذا بان يكون التفاعل مع السوق نفسه من خلال البحث عن الفرص المتاحة و استغلالها لتنفيذ المفهوم التنموي للعمق المالي .

د. سيف الدلي

اكاديمي و باحث

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here