قطر فعلا ليست وحدها !

أحسست، شخصيا، بأنني لم أخطئ حينما راهنت على تركيا أردوغان في مختلف مراحل حياته السياسية، فالرجل لم يقصر مع حلفائه في الدوحة، بل اعطى صفة الاستعجال للتصويت البرلماني الكاسح الذي قضى بإرسال جنود أتراك الى قطر.
هولاء لا يغيرون مسار حرب، لكنهم يمنعون اندلاعها، ويدقون بعنف بوابات الغرف التي يحيك فيها اصحاب الرؤوس الحامية مؤامراتهم ضد دولة صغيرة كل ذنبها انها اعلنت عشقها للحرية وتمسكها بالاستقلال والسيادة والقرار المستقل.
كانت ليلة الخميس مفصلية في رسم مسار الازمة وفرض الندية على حلبة صراع تصور الطغاةُ أنْ ينتهي بالضربة القاضية خلال ايام. فالحصار كان في تصاعد، والدول المضغوط عليها او المهددة بقطع المال عنها في تزايد، والصمت العربي الرسمي التام عن استهداف قطر، مورس الى جانب تجاهل دولي شبه كامل للجريمة.
غير ان موافقة البرلمان التركي على ارسال قوات الى قطر واتصال دونالد ترامب بصاحب السموالشيخ تميم بن حمد آل ثاني عارضا المساعدة في ايجاد حل، قَلَبا الامور فورا لصالح الدوحة، خاصة وأن هذا الاتصال الذي شمل امكانية استضافة البيت الابيض مؤتمرا لتسوية الصراع الخليجي الذي فرضه المقاطعون على المنطقة، حمل في طياته اعتذارا مبطنا عن تغريدة للرئس الاميركي طالب فيها بعزل قطر كخطوة استهلالية لإنهاء الارهاب.
وفيما رسم مساعدون لترامب خطا فاصلا بين التغريدات والتصريحات الرسمية، جاءت اتهامات رئيس مجلس النواب الاميركي للدوحة ملطفة بصورة لافتة، مطالبا فقط بتعديلات طفيفة على السياسة الخارجية القطرية.
قطر فعلا ليست وحدها، بفضل الاتراك من جهة، وبفضل الشعب الذي يساند القيادة وهي تدير الازمة بأعصاب صلبة وبإرادة ترفض التخلي عن الثوابت القطرية السارية منذ 22 عاما، من جهة اخرى.
وكانت الدوحة موفقة في تبني خطة وطنية شاملة اثبتت للمواطن والمقيم بأن السلع والخدمات متوافرة على الدوام، وكذلك الامن والاستقرار، واستمرار الحياة على طبيعتها وكأن شيئا لم يكن.
ومن الاجراءات التي ساعدت في تأمين الشعور بالامان طمأنة مواطني الدول الاربع العاملين في قطر على وظائفهم، وحرصها على عدم الدخول في مهاترات لامعنى لها كما الحال في قنوات وإعلام الفتنة، وهذا مسلك حضاري وإنساني وأخلاقي لا يلجأ الى الانتقام والإذلال وما الى ذلك من تصرفات سادية.
لقد اتبعت الدوحة، كما ألاحظ، نهجا واعيا واستشرافيا يسمو على الخلافات بين الدول والانظمة ويحسب حساب الشعوب التي تنحدر جميعها في منطقة الخليج العربي من قبائل وأسر وأصول واحدة، وذلك من منطلق إدراكها بأن هذه الشعوب الشقيقة ليس لديها مكان آخر تذهب اليه، وان الجيران سيبقون جيرانا مهما حدث، كما الحدود الباقية الى الابد.
حتى الآن لم تُهرق نقطة دم واحدة، بحمد الله، ولا اشعر بأن الصراع سيتطور الى مواجهات عسكرية، وهو ما يدركه كل ذي حس سياسي.
بقلم : مازن حماد

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here