الطلاق بداية أزمة أم بداية حياة…

نيــــــــــرة النعيمي

الطلاق في اللغة: هو التحرر من الشيء والتحلل منهأما اصطلاحا.. هو إزالة عقد النكاح بلفظ مخصوص أو بكل لفظ يدل عليه، فهو حَل رباط الزواج الذي يرتبط به الزوجين عاطفيا وروحيا بهدف إرضائهما والوصول إلى الاستقرار النفسي لكليهما.يكون اللجوء إليه في حالة عدم نجاح العلاقة الزوجية بين الشريكين، وهو حق يملكه الزوج من دون الزوجة لان الأمر الغالب فيه هو ضبط النفس عند الغضب وهو من يتحمل اعباءَهُ المالية، الأصل في الطلاق ممنوع وإباحته هو الاستثناء لذلك لا ينبغي التوسع فيه بدليل قوله (صلى الله عليه وسلم) “أبغض الحلال عند الله الطلاق“.تعتبر شيوع حالات الطلاق سلبية في اغلب المجتمعات ومن أكثر الامور الشائكة والشائعة والتي اخذت بالزيادة بشكل كبير في مجتمعاتنا العربية لاسيما المجتمع العراقي حيث اصبحت حالات الطلاق تزداد بشكل مخيف حيث بلغ عدد الحالات كما أشار إليها مجلس القضاء الاعلى في آخر إحصائية قضائية شهرية له إلى أكثر  (٦٢٥٠) حالة طلاق أي ما يقارب عشر حالات طلاق كل ساعة وهذه النسبة المرتفعة أثارت القلق حيث انها ستؤدي إلى خلق جملة من الأزمات والمشاكل التي ستؤثر وبشكل كبير على المجتمع إضافة إلى تأثيرها القوي والمباشر على الأسرة.

أسباب الطلاقلعل الأسباب وراء ازدياد حالات الطلاق ترجع الى أمور عدة ساهمت في تفاقم حالات الطلاق منها الزواج المبكر والقسري، زواج القاصرات، ازمة كورونا، العنف ضد الزوجة.

١– الزواج المبكر والقسري: ان ما يدخل ضمن الزواج المبكر هو اعتماد بعض الاسر تزويج أبنائهم وبناتهم في سن مبكرة دون إدراك للمسؤولية التي تترتب على عاتق الأزواج وهم في هذه السن الصغيرة، فقد أشارت المفوضية العليا لحقوق الانسان في العراق الى ارتفاع ظاهرة الزواج المبكر في عدة محافظات خاصة تلك التي يغلب عليها الطابع العشائري وقالت المفوضية ان خطورة الزواج المبكر لا تكمن في تحديد سن الزواج وإنما في تزويج الأطفال دون السن القانوني الذي يرتبط بضعف الاجراءات القانونية وإيقاع الجزاءات والعقوبات ضد المخالفين.

٢– زواج القاصرات: يندرج زواج القاصرات من ضمن الأسباب الرئيسية في تفاقم ظاهرة الطلاق فتزويج القاصرات يمثل مصدر قلق في ظل أوضاع اقتصادية غير مستقرة الامر الذي يدفع غالبية العوائل تزويج بناتهم الصغيرات للتخلص من عبء الفقر والعوز، فيتم تزويجهن ليعيشن مع ازواج قد يكونون غير مقتدرين ماديا وهذا بحد ذاته دافعا لفشل تلك الزيجات بالإضافة لا سباب أخرى منها تتعلق بالزوج كأن يكون قاصرا او عاطلا عن العمل او رجلا طاعنا في السن ولربما يكون مريضا.إن ارتفاع معدلات الطلاق نجده مرتبطا أساسا بطبيعة حياة الأزواج خاصة في مشكلة عدم التكافؤ الذي يتسبب في زيادة الخلافات، فكثيرة هي حالات الانفصال بين الأزواج والتي تأتي بعد فترة زواج لا تتجاوز الأشهر القليلة بسبب عدم قدرة الشريكة على تحمل الامكانية المادية الضعيفة للزوج او رفضها الاستمرار بالسكن مع زوجها في منزل أهله.

٣– كورونا: أزمة كورونا كانت ولا زالت لها البصمة في زيادة معدلات الطلاق، فعندما خيمت هذه الجائحة على كل شيء أثرت وبشكل مخيف على الازواج الذين كانت حياتهم الزوجية تنعم بالاستقرار نوعآ ما فسببت هذه الجائحة تغيرا في أوضاعهم المادية والاجتماعية والنفسية فكانت كورونا سببا من الاسباب المؤدية الى التفريق بين الأزواج.

٤– العنف ضد الزوجة: ويعتبر من الأسباب الرئيسية للطلاق وذلك بعد استعمال شتى أنواع الضغوط النفسية على الزوجة والسيطرة على تصرفاتها ومبادئها والحد من حريتها وتفكيرها وإخضاعها لقيم معينة، وهذا العنف يتمثل بكل العبارات الصادرة من الزوج والتي من شأنها التأثير معنويآ وماديآ على إرادة الزوجة، بالإهانات والشتائم والحرمان كلها أمور تندرج ضمن أشكال العنف والتي تؤدي بالمرأة ان تكره نفسها وانوثتها وتفقد ثقتها بنفسها الامر الذي يدفعها الى طلب التفريق إن لم يكن الزوج قد استعمل حقه في الطلاق.إن الزوج الذي يمارس العنف ضد زوجته لا يقتصر عنفه عليها فحسب بل على المجتمع ككل لهذا يجب ان يتحرر عقل الرجل من تلك المفاهيم الخاطئة ونظرته السلبية عن الزوجة بأنها أقل شأنا منه، عليه أن يدرك ان للمرأة دور فعال في المجتمع لا يقل عن دوره وأن يحترمها ويقدر مكانتها فالحياة الزوجية تعتبر من أهم الروابط الاجتماعية تعتمد على مجموعة من المهام والمسؤوليات المشتركة بين الزوجين والتي تساهم في تعزيز ودعم اواصر الألفة والمحبة بينهما وبين افراد الاسرة الواحدة.

آثار الطلاقتترتب على الطلاق عدة آثار منها ما يقع على الأولاد ومنها يخص الأزواج:

١– خطورة الطلاق على الاولاد: وتتمثل بالمتاعب النفسية التي يتعرضون لها لأنهم سيشعرون بالتشتت بين الآباء والأمهات فضلآ عن المشكلات الحياتية التي تتشكل لديهم وكثيرآ لا يستطيعون الخلاص منها حتى بعد الكبر، فتأثير الطلاق له خطر كبير على الابناء قبل الآباء حيث يولد فيهم شعور الإحساس بالخسارة و فقدان احد اساسيات الحياة مع فقدان الأمان كما يولد فيهم الحقد والكراهية تجاه احد الآباء.

٢– خطورة الطلاق على الزوجين: بمجرد وقوع الطلاق تترتب عدة آثار نفسية تؤثر على الزوجين فيشعر كلا الزوجين او أحدهما بالألم والخسارة والشعور بالذنب والخجل من الاخرين بل قد تتفاقم تلك المشاعر لا حساس الغضب والاستياء من نظرة المجتمع لتجربته التي انتهت بالفشل، كما ان تجربة الطلاق تؤثر على الزوجين حيث يخلق لديهم مشاكل في التواصل مع الاخرين والتفاعل معهم او قد يحصل العكس وهو رغبة الزوج بالخروج من حالته النفسية للتخلص من مشاعر الحزن والكآبة فيميل الى اقامة علاقات جديدة بشكل متهور الامر الذي يؤدي به الى الانفصال والخسارة من جديد.

وسائل الحد من الطلاقلتجنب حالات الطلاق والتقليل منها هناك بعض التوصيات التي يمكن للزوجين اتباعها من اجل الابقاء على العلاقة الزوجية الناجحة وأهم هذه التوصيات:

١– الاحترام المتبادل ينبغي على الزوجين احترام بعضهما البعض وتقدير كل منهما لشريكه لأن الاحترام احد أساسيات الزواج الناجح وسبب أساسي لاستمرار العلاقة الزوجية ونجاحها ويلحق الاحترام التسامح والمغفرة فاغلب العلاقات الزوجية تنهار بسبب عدم مقدرة الزوجين على المسامحة رغم اعتذار الشريك واعترافه بالخطأ هنا ينبغي التأكيد على ان العلاقة الزوجية تتطلب تقديم التنازلات وإعطاء المزيد من الفرص من أجل الحفاظ عليها.

٢– الاهتمام وتحسين أسلوب التواصل غياب الاهتمام وانشغال الزوجين بمسؤوليات الحياة وظروف العمل والعلاقات الاجتماعية قد ينتج عنه مباعدة المسافة بينهما وشعور بعدم الاهتمام والشك في المشاعر لذلك لا بد من تعزيز أساليب التواصل والعمل على التقرب من بعضهما وتشارك الاهتمامات وحل المشاكل الزوجية والخلافات بالاتفاق على إيجاد طرق سلمية وتخطي العقبات والمصاعب التي تواجه الاسرة والتحلي بالصبر والهدوء وتجنب الاساليب العدوانية والغضب واستخدام الحوار الهادف لإيجاد الحلول للمشاكل وضمان عدم تفاقمها.

٣– إدخال وسيط بين الزوجين وذلك بالاستعانة بوساطة شخص آخر لمساعدتهم على تحسين العلاقة وانقاذ زواجهما واستعادة التوازن الأسري عن طريق طلب المشورة والنصيحة من قبل احد الاقارب او اللجوء الى استشاري او باحث اجتماعي مختص بالعلاقات الزوجية لتقديم الحلول المناسبة ويفضل عزل الباحث في دائرة مستقلة عن محكمة الأحوال الشخصية ويكون مكانها هادئا ومن خلالها يتولى المختصين في تقريب وجهات النظر بين الزوجين.

٤– التأكيد على مسألة التوجيه الأسري المعتمد في كثير من الدول إذ تعمد على عمل دورة قصيرة ومكثفة لمن يعقد الزواج يكون دورها تثقيف الزوجين على الحياة الزوجية وكيفية التعامل معها والسبل الكفيلة لتجاوز منغصاتها مع بيان قدسية الزواج من الناحية الشرعية والقانونية والاجتماعية والنفسية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here