عصر الادمان

عصر الادمان :
بقلم ( كامل سلمان )
نعم هذا هو عصر الادمان فالادمان اصبح هو الذي يتحكم في الناس ، ادمان على المخدرات ، ادمان على التدخين ، ادمان في الولاء السياسي ادمان في الولاء الديني ، ادمان على جهاز التلفون النقال ، ادمان على الاخبار ، ادمان على كرة القدم ، ادمان على الفوضى ، وحتى بعض كتابنا اصبحوا مدمنين على الكتابة الخالية من القيمة العلمية او الثقافية فقط كتابة لاجل الكتابة ، ادمان على سرقة الاموال يوميا ، واذا مر يوما على السارق ولم يسرق قد لا ينام ليلته ، ادمان على القتل ، يصاب بالانهيار العصبي دون ان يستبيح الدم . اما الفقير فهو مدمن على الركض لاجل لقمة العيش ، فهو لن يتوقف عن الركض حتى وان توفر له الطعام لأنه مدمن على الركض ، والمظلوم مدمن على ضربات سياط الظالم ، فإن أمتنع الظالم عن الضرب او اختفى الظالم من حياته سيبحث عن ظالم جديد او يختلق ظالم لنفسه …
لم اكن اتخيل ان الإنسان مستعد ان يدمن على كل شيء مهما كان سيئا او كان حسنا ، ولكن مع كل هذا الادمان الذي يرافق الإنسان في حياته فالعجب العجاب لماذا في مجتمعاتنا يرفض الإنسان الادمان على تطبيق القانون وبناء مجتمع يقدس القانون مثلما يدمن على تقديس كل الاشياء الاخرى . في المجتمعات المتطورة هنالك ادمان على اشياء أسوأ من التي في مجتمعاتنا ، فتجد الادمان الجنسي والادمان على العمل والادمان على امور غريبة ومع ذلك تجد ادمان على تطبيق القانون وادمان على احترام حريات الاخرين ، يعني هناك توازن بين الادمان الضار والادمان النافع ، لا دينه ولا انتماءه السياسي ينعكس سلبا على حياة الاخرين بل احترامه للقانون ينعكس على الاخرين بالايجاب ، فهل الادمان السيء اختصاصنا ، او ان تركيبتنا لا تتقبل غير الادمان السيء . بمجرد ان تمر علينا حالة سيئة ثم تتكرر نجد أنفسنا مدمنين عليها ولا نكاد نفارقها ، كلنا نصرخ على المخدرات ومدمنيها وننسى اشياء أدمن عليها مجتمعنا هي أسوأ من المخدرات ، ما فرق الادمان على المخدرات عن الادمان على الذلة ، ما فرق الادمان على المخدرات عن الادمان على الكذب والنفاق وامور كثيرة سيئة أصبحت لا تعد ولا تحصى نتوارثها بكل أريحية بل وأصبحت لنا تراث نباهي بها الامم .
الادمان على أشياء تتوافق ومصالح الإنسان قد يكون فيها شيء من المقبولية مثل الادمان على العمل او الادمان على العلم لكن الادمان على أشياء تتنافى ومصالح الإنسان فهذا يمكن تسميته ضياع للنفس وضياع للمجتمع ، والمشكلة ان المدمن يجد نفسه غير قادر على التحرر والخلاص من الشيء الذي أدمن عليه بسبب ان الادمان يؤدي الى ضعف الارادة اولا وعدم الرغبة على المواجهة وتحمل المسؤولية ثانيا ، فيرضخ للأمر الواقع ، وكأنه قدر مكتوب . الادمان يزداد قوة وشراسة عند تجمع الجهلاء فهؤلاء يحض بعضهم بعضا على عدم التحرر فيجدون لأنفسهم المبررات كي يبقون في مستنقع الخضوع للإدمان .
الاستسلام للإدمان السيء او الحسن هي عملية تربوية ترافق الإنسان منذ الصغر ، فالإنسان الذي تنمو إرادته بنفس القدر الذي ينمو فيه جسده وحجمه ويستطيع تحديد كل نافع وكل ضار منذ الصغر سيكون اكثر استعدادا لرفض الادمان واكثر قدرة لقيادة نفسه لحياة افضل ، وهذه العملية التربوية تحتاج الى عائلة ذات وعي عالي وقابلية كبيرة على تحمل المسؤولية والى مؤسسة تعليمية علمية يقودها أناس أكفاء ، فالمجتمعات البشرية مع عصر الادمان تتمشى على حافة الهاوية ، لذا يجب ان تكون الجهود داخل العائلة وفي المدرسة وفي الاعلام كلها تصب في هذا الجانب او تعلن الاستسلام المهين .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here