أخطر من التطبيع ..!

أخطر من التطبيع ..!

نجاح محمد علي
كاتب وباحث متخصص في الشؤون الإيرانية والاقليمية

رغم المحاولات الجارية على قدم وساق لجعل مسألة تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيونى طبيعية بحجج واهية منها قانون تجريم التطبيع نفسه ، يمكن القول إن العراقيين هم الأكثر تمسكاً بقضية فلسطين.

قدَّم العراقيون كوكبة من الشهداء في فلسطين منذ النكبة وخلالها وبعد الحرب عام 1948 ، وقاتل الجيش العراقي، الى جانب جيوش عربية أخرى ببسالة رغم خيانة الحكام آنذاك، حين هبوا الى أرض فلسطين ، من أجل استعادة الأرض الفلسطينية المحتلة، ودفع المغتصب الصهيوني ، لكن الإرادة الاستعمارية وتخاذل الأنظمة العربية وخيانتها ، حالت دون ذلك .

شارك العراق أيضا في حرب 1967 التي أدت إلى النكسة والهزيمة مرة ثانية أمام الكيان الغاصب المدعوم من الشرق والغرب.. و في حرب رمضان عام 1973 كان الجيش العراقي رغم أنف النظام الحاكم ، حال دون سقوط دمشق الحتمي بيد الجيش الصهيوني.

لم يكن هذا الموقف البطولي ، نابعاً عن توجه سياسي لأنظمة كانت تتاجر بالقضية الفلسطينية ، وإنما هو عقيدة راسخة في نفوس العراقيين ، تجسدت في معارك المصير المشترك في جنين، والخليل، والمثلث العربي، وحروب فلسطين الكبرى. وهذه مقبرة شهداء معركة فلسطين في جنين التي تضم جثامين 44 عراقياً والنصب المقام هناك شاهد على ذلك. كما تشهد مقبرة شهداء الجيش العراقي في مدينة المفرق الأردنية كذلك على تضحية العراقيين من أجل فلسطين.
لذا فإن فكرة التطبيع مع الكيان الصهيوني ، تصطدم برفض شعبي وكوابح نفسية غير قابلة للترويض أو القبول ، بل ولايمكن لسياسة فرض الواقع أن تجبر الشعب العراقي على التعامل مع الكيان الغاصب لفلسطين والاعتراف به كدولة ، ولا أن يطلق إسمها على جغرافية فلسطين عدا تسمية الكيان اللقيط. .
من هنا يطرح السؤال نفسه خاصة وأن العراق وهذا الكيان المؤقت في حالة حرب وليس بينهما اتفاق سلام أو هدنة عدا وقف اطلاق النار : هل يحتاج العراق الى قانون يجرم التطبيع وهو موجود أصلاً ؟

قانونياً لا يحتاج العراق إلى قانون لتجريم التطبيع الحكومي والفردي مع الكيان الصهيوني ، لأن قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل عام 1975 الساري المفعول، والذي يعتبر مرجعية قانونية لا تقل أهمية عن الدستور، في مادته 201 قرر معاقبة المُطبّع مع الكيان اللقيط بالإعدام حيث استبدلها القانون البرلماني الجديد بالمؤبد.

وبدا واضحاً منذ مؤتمر أربيل للتطبيع في سبتمبر أيلول العام 2021 ، أن وراء قانون تجريم التطبيع أهداف وغايات أخرى ، ربما من بينها الجدل السياسي حول تشكيل الحكومة والمطلوب منها ، والأطراف الدولية والاقليمية التي تدفع باتجاه التطبيع وتدعم قوى فاعلة تصر على تشكيل ما يسميها “حكومة أغلبية وطنية”.

ومن نافلة القول، إن التطبيع مع الكيان الصهيوني يستوجب أولاً وجود إرادة سياسية لتشكيل حكومة تقوم بمهمة ابرام اتفاق. ولو حصل ، فقد أثبت ذلك فشله في مصر والاردن والدول التي وقعت اتفاقات “سلام” مع الكيان اللقيط ، بدليل أن مصر مثلاً ، وقعت معاهدة مع الكيان الصهيوني عام 1978 ، غير أن الإعتراف به وتبادل العلاقات لم يجعل منه دولة صديقة، ولم تزل قوى الشعب بكافة شرائحه ، ترفض التطبيع .

وفق قانون تجريم التطبيع تم السماح بالزيارات الدينية المتبادلة بين العراق والكيان الصهيوني بعد أن كانت ممنوعة وفي قانون العقوبات لعام 1969 ، وهي خطوة تكشف عن تطبيع فعلي على طريقة “المسار الإبراهيمي” الذي تعمل عليه دول في المنطقة تدعم قوى فاعلة في ما كان يعرف بـ التحالف الثلاثي بعد توقيع “اتفاقات ابراهيم ” سيئة الصيت.

وقد تزامن قرار تجريم التطبيع مع مسيرة الأعلام الإسرائيلية السنوية التي انطلقت في شوارع القدس في ذكرى احتلال الشطر الشرقي من المدينة المقدسة . وأثارت تلك المسيرة الاستفزازية التي ينظمها الصهاينة في ذكرى “توحيد القدس” التي يعتبرونها عاصمة دولتهم اللقيطة ، غضب الفلسطينيين الذين يسعون الى أن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولتهم، وهذا الأمر لوحده يؤكد أن السماح بالزيارات الدينية التي تجري في الجانب الآخر تحت سلطة الاحتلال الصهيوني ، هو الاعتراف بهذه السلطة والتطبيع بعينه ، ويبسط يده أيضاً لتجنيد جواسيس من بين الزائرين العراقيين.

نجاح محمد علي
صحفي استقصائي مستقل من العراق يكتب عن قضايا السياسة والمجتمع وحقوق الإنسان والأمن والأقليات .للمتابعة على تويتر
@najahmalii

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here