المعارضة المثقفة حاضرا، خير ضمان لمستقبل افضل ح7

المعارضة المثقفة حاضرا، خير ضمان لمستقبل افضل ح7(*) انشرها كل اثنين ح1

د. رضا العطار

الثقافة في اصلها السامي تهذيب وتشذيب، وردت كلمة مثقف بمعنى الرجل المستقيم – وهذه كثرت في العصر العباسي لكن لم تسمع بمعناها المعاصر – فقد كانت لفظة العلم والعالم هي الاكثر تواصلا منذ صدر الاسلام – وعلى هذا قوله في نهج البلاغة من خطبته الشقشقية : اخذ الله على العلماء ان لا يهادنوا على لفظة ظالم ولا سغب مظلوم اي ان لا يسكتوا حين يكون هناك ظالم متخوم ومظلوم محروم.

ويميل معنى العلم في صدر الاسلام الى معنى الوعي دون الثقافة، اذ وصفت به شخصيات لم يكن لها قدم في الثقافة مثل ابي ذر الغفاري وسلمان الفارسي ووصفهما بالعلم يجب ان يفسر بوعيهما الاجتماعي الذي عُرفا به وجعلهما من قادة المشاعية الاسلامية الاوائل. ومع التصاق وصف العلماء في عصر لاحق بارباب العلوم الدينية راغ المتصوفة الى العارف والمعرفة – – فالعارف هو الصوفي والعالم هو الفقيه. ومن في حكمه – ولو انهم قيدوا الوصف فقالوا : علماء الدولة اي (علماء الظاهر) كما استعمل وصفا تناقضيا لعلماء الدين هوعلماء الدنيا.

وللتفريق بين العلم والمعرفة جعلوهما طورين ادنى وارقى، فالعلم مقرون بالخشية والمعرفة بالهيبة – ومعناه ان العالم يخشى الله والعرف يهابه ولا يخشاه، – وفي الهيبة ندّية ليست في الخشية – وجعلوا العلم مقارنا للصحو، حيث يُدرك العالم ويمارس ما يدركه الناس ويمارسونه. والعارف بخلاف ذلك. والعالم اذا لم يكن عارفا داخل في جملة الاغيار ، وهذا يشمل عالم الدين وعالم الطبيعة اللذين يشتركان في ضعف الوعي الاجتماعي والميل الى المادية الصرفة.

المثقف الصوفي في حكمته متراوح في علاقة مزدوجة مع الروح الكونية التي يسميها الحق او الباري، ومع الخلق في آن واحد. وهو بهذا يكتسب الطاقة الاستثنائية التي تضعه في مواجهة السلطات الثلاث : سلطة الدولة وسلطة الدين وسلطة المال. وفي هذا الطور الاعلى من الاستقطاب، يتخلى المثقف الكوني عن اللذائذية التي يتمودد بها عالم الدين الذي يقول : دعهم يتلذذون ونحن نزهد ونتجرد. – لان روحانيته المشاعية ملتصقة بحقوق الناس ومن هنا جاء القول : (افضل الاعمال اطعام الجياع) ورجل الدين الصالح يتمنى ان يملك الدنيا حتى يوزعها على الفقراء بدلا من بقائها محاصصة بين الخاصة من اهل الدولة والدين.

ان اقتران المعرفة بالمسؤولية يرجع الى منحنى عام سلكته الثقافة العربية في العصر الاسلامي وهو منحنى المعارضة التي كانت لا تزيد على 12% من مثقفي ذلك العصر ، كانوا مع الدولة والباقي توزع على المعارضة او المقتطعة السلبية، واكثرهم كانوا من الشعراء والكتاب، أخذوا يكثرون بعد القرن الثاني.

في خط المعارضة انتظم الفقهاء والمتكلمون والاحبار المستقلون، وانضم اليهم اقطاب المتصوفة، صغارهم في العموم. ووقف الفلاسفة على الحياد وانقسم الزنادقة الى فريقين معارض وهم الاكثرية ومتعاون وهم الاقلية، اما علماء الطبيعة والاطباء فكانوا في حاجة الى دعم الدولة لبحوثهم – لكن القليل منهم من وقف مع الدولة ضد الشعب. وكان الحياد سمتهم الاقرب مع استفادتهم من الدولة وترفههم في العيش على طريقة رجال الدين – – و وجد بينهم كما وجد بين رجال الدين نماذج انسانية عالية بتأثير التيار الغالب في خط المعارضة.

* مقتبسة من كتاب المرئي والاّمرئي في الادب والسياسة للمفكر العربي هادي العلوي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here