السابق واللاحق وديدن التماحق!!

العامل الأخطر في الإنهيارات التي تعصف بالأمم والبلدان هو سلوك التماحق , إذ يسعى اللاحق لمحق ما شيده السابق , وهذه الدائرة المفرغة تسببت بسقوط العديد من القوى ودمار البلدان.
وأوضح مثال على ذلك ما جرى ويجري في العراق منذ (14\7\1958) , فجميع أنظمة الحكم التي تلت ذلك التأريخ تماحقت وإنتهت , ولا يزال الحبل على الجرار , وبهذا وصلت البلاد إلى أسوأ الأحوال.
وفي التأريخ (سر من رأى) تحولت إلى (ساء من رأى) , بعد أن عمتها الفوضى المعروفة بفوضى سامراء , بعد مقتل المتوكل (247) هجرية , حيث إنطلقت مسيرة التماحق الشامل بقسوة ووحشية مروعة , حتى أصبح الخلفاء دمى عند المستثمرين بالتماحق الفتاك.
واليوم توجد عدد من الدول التي كانت تسمى عظمى أو كبرى , إتخذت من التماحق منهجا , فتسببت بتداعيات داخلية وخارجية , ذات خسائر فادحة.
بينما الأمم المحافظة على إقتدارها وتقدمها لا تتماحق فيها أنظمة الحكم ولا تتناطح الكراسي.
والعديد من الدول الإقليمية لم تتخذ من التماحق سلوكا في الحكم , إلا بعض دول الأمة , التي يتحول فيها اللاحق إلى بلدوزر لإجتثاث السابق.
ذات مرة كنت في زيارة لعائلة فلاحية بولندية , فأخذتني ربة البيت إلى زاوية في غرفة الإستقبال , وقد حولتها إلى أرشيف بملصقات تبين تأريخ بولندا.
وعندما سألتها , أن ما أراه يعود للحقبة الشيوعية , وقد سقط الإتحاد السوفياتي , والمفروض أن يكون نظام الحكم مغاير ؟
فأجابتني الفلاحة , إنهم أصحاب خبرة في إدارة شؤون الدولة , ولا يمكننا إقتلاعهم , وسيتدرب معهم جيل جديد ليقود المسيرة وإلا ستدمر البلاد , وهي ببساطتها ورؤيتها العفوية تعني أن القوة تحتاج للتكاتف لا للتناكف.
أما عندنا فأي نظام حكم يأتي , يضع أعضاء الحكم السابق في السجون , ويقضي عليهم بأحكام جائرة , ويبدأ كما يرى حتى يأتي بعده مَن يفعل به مثل ما فعل بسابقه.
وتلك معضلة أن لا نكون!!
د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here