الإدمان اليومي على الكتابة كما النفخ في قربة مثقوبة

الإدمان اليومي على الكتابة كما النفخ في قربة مثقوبة *

بقلم مهدي قاسم

بفضل صفحات التواصل الاجتماعي عندي آلاف من صديقات و أصدقاء ” شرقيين ” ولكن بينهم كثير من أجانب من أقوام و بلدان غربية و أسيوية مختلفة ، وكنتُ و لا زلت ، و بدافع فضول و حب استطلاع ــ أزور صفحاتهم لأرى فيما إذا كتبوا منشورا ” نثريا أو شعريا ” ، أو كتبوا ” مقالة ” عن الشأن العام وغيره ..

فلم أجد إلا ما ندر جدا ..

أنهم يؤثرون العمل المثمر والملموس على الكتابة في الهباء :

الصينيون ، اليابانيون ، الكوريون ، الماليزيون ، الألمان والإنكليز ، الروسيون و الاسكندنافيون ـ مثلا لا حصرا ..

أناس فُطموا على أهمية العمل و ليس كثيرة الهراء ..

طبعا فيهم لا يكتب إلا مَن هو موهوب بشكل ملفت وبعدد أصابع..

و هؤلاء لا يكتبون إلا ما هو قلّ ودلّ ، وليس دائما وعلى طول الخط ، مثلما أصحابنا آلافا مؤلفة وجحافل مجوّلقة !!..

أما صفحات التواصل الاجتماعي والمواقع والصحف الإلكترونية ” الشرقية ــ سيما منها العربية ـــ فإنها تضج يوميا حتى الطفح بكتابات ومنشورات نثرية أو مقالات أخذ يكتبها الأكاديمي المتمكن و الأديب الموهوب ، و كذلك شبه الأمي المتعلم على حد سواء ( حتى الأمي بالكامل يستطيع إن يقوم بعملية نسخ ولصق منشورات غيره و ينسبها لنفسه ) ، و هذا يحدث يوما بعد يوم و عبر شهور و سنوات ، بهوس وإدمان عجيبين ..

ولم أكن أنا مستثنيا من هذا الأمر قطعا *** !..

ربما لهذا السبب ، غالبا ما كان يخطر على بالي السؤال التالي :

ــ ما الذي يمكن أن يقوله المرء في منشوره اليومي وفي كل يوم ، ويوم بعد يوم ، وعبر أسابيع و شهور و سنوات طويلة وهو يكتب في السياسة وعن الساسة وأمور الفساد وسوء الإدارة أو عن الآخر ، الخصم اللدود ــ مثلا أن وُجد ..

وما هو الدافع أصلا لهذا الهوس الكتابي لحد الإدمان اليومي عبر عشر سنوات أو عشرين سنة غابرة ؟..

طالما بإمكان المرء أن يكتب مختزلا بضع مقالات ومنشورات عن رأيه حول هذه الأمور والمسائل والقضايا و يكتفي بذلك ..

هل هو الوهم الكامن وراء شعور القيام ب” الواجب ” الوطني أو الاجتماعي أو حول أي شيء آخر ، من خلال كثرة كلام فقط ؟ ..

إذا كان الأمر كذلك فهل إن الشعوب المتطورة والمتقدمة المرفهّة تطورت بفعل كثرة الكلام أم نتيجة أعمال و أفعال مثمرة وملموسة و مثابرة جدية ومتواصلة ؟ ..

أم أنه البحث العبثي وبلا طائل عن شهرة مبتغاة أو عن مجد وهمي ..

ربما .. كل هذا مجتمعا ..

ولكن الشيء الأكيد إنه إذا كان الكلام مهما في تهيئة النية الجدية والعزيمة الصادقة نحو العمل البنّاء و المفيد والمساهمة الفعالة في النشاط الاجتماعي لخير المجتمع فأن الكلام سوف لن يكون بديلا أبدا عن المشاركة في دفع عجلة التطور والرقي الاجتماعي نحو الرفاه الجماعي ..

فليست المقالة هي التي ستتمكن من زرع شجرة ، توسيع وتحديث شبكات الصرف الصحي أو تبني مدرسة ، مستوصفا ، رصيفا ، شارعا ، حزاما أخضر لوقف التصحر الزاحف ، ولا تشيد تجمعا سكنيا ، وسائط نقل عامة ، سدودا لزيادة وتنمية الثروات المائية ، أو هندسة حدائق وملاعب أطفال لتنفيس وتسلية عائلات في نهاية الأسبوع و في مناسبات أعياد.. والخ ..

فيبدو نحن شعوب الشرق نستهوي الكلام لوحده و من أجله ، نعشقه ، مغرمين به عشقا و شغفا ، كما لو كان بلسما مهدئ لجروح الروح واضطراباتها ، وبالقدر نفسه نحتقر العمل ونبذل كل ما في وسعنا لكي نتجنبه ، سواء بادعاء التفرغ للعبادة حينا أو تظاهرا بأمراض جسدية أو نفسية وهمية حينا آخر !..

كتبت هذه المقالة كنوع من تعليق على رسالة أحد القراء الكرام الذي ابدى رغبته لو أنني أكتب في كل يوم ، مثلما كنت أفعل سابقا ..

فشكرا له على اهتمامه الطيب والكريم بكتاباتي وكل التقدير !.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here